الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

تزويج القاصرات مشكلة تبحث عن حل في مصر وسط تواطؤ المجتمع

  • 1/2
  • 2/2

رابعة الختام - القاهرة - " وكالة أخبار المرأة "

تنتشر ظاهرة تزويج القاصرات أو الزواج المبكر في مصر على صورتين، أولهما، الزواج السياحي لكبار السن من الرجال العرب في مواسم معينة معظمها في فصل الصيف عندما يأتي الرجل لقضاء إجازته فيتزوج بنتا قاصرا يستمتع بها لمدة معينة فيكون كالنحلة التي تمتص رحيق الأزهار ثم يغادرها ويسافر تاركا لها طعم المرار بقية عمرها.
ويتحدد المهر في تلك الحالات حسب مدة الزواج التي غالبا ما لا تتخطى أشهرا معدودة، وهذا ما يقبل عليه بعض الأهل من الفقراء والمعدمين في بعض القرى، مثل الحوامدية، وأبوالنمرس، والبدرشين (جنوب محافظة الجيزة)، وكذلك في بعض قرى محافظة الفيوم وقرية سنهوت التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية (في دلتا مصر).
لكن الحوامدية تبقى هي المتصدرة للمشهد حسبما تشير الإحصائيات الرسمية، وهذا النوع من الزواج يقوم عليه بعض السماسرة والمحامين والمأذونين ممن احترفوا إتمام هذه الزيجات، أو يتم الزواج عرفيا بمعرفة الأهل وفي حفل كبير ويتم تأجيل التوثيق لحين بلوغ العروس السن القانوني.
أما النوع الثاني من زواج القاصرات فهو الزواج المبكر بين عروسين مصريين وتكون فيه العروس دون السن القانونية المسموح فيها بالزواج، وكانت أغرب صورة له خطبة طفل عمره 12 عاما لطفلة تبلغ عشر سنوات في مدينة بِلقاس بمحافظة الدقهلية (وسط دلتا مصر)، في حفل ضخم بمعرفة الأهل ما مثّل اعتداء صارخا على حق الطفلين في طفولة بريئة وإقحامهما في عالم الكبار الذي لا علاقة لهما به.
ويلجأ المأذونون المختصون بكتابة عقود الزواج إلى حيل خبيثة، منها كتابة عقود الزواج بقلم الحِبر الجاف الذي يسهل محوه في ما يخص بند عمر العروس (السن القانونية هي 18عاما)، ويعد استخدام الحبر الجاف مخالفة للمادة 27 من لائحة المأذونين الصادرة عام 1955 والتي توجب استخدام الحبر السائل الأسود لسهولة كشف تزوير السن.
 كما يوجب القانون استخراج ثلاث نسخ من عقود الزواج، تُسلم الأولى إلى أهل العروس والثانية للعريس والثالثة للجهات الرسمية (مصلحة الأحوال المدنية) حتى يتم التوثيق، إلا أن المأذون يتخلص من هذه النسخة الأخيرة بأن يمزقها أو يخفيها عنده إلى أن تبلغ البنت 18 عاما، وهو يتقاضى مبلغا ماليا كبيرا نظير هذا التزوير.
والحيلة الأخرى هي استخراج شهادة ميلاد مزورة بعمر أكبر للفتاة وبالتالي يتم تحرير عقد الزواج بالمخالفة للقانون، وهذه الشهادة المزورة التي تم فيها التلاعب بعمر البنت تؤدي إلى أنها تفقد حقها في الرعاية الصحية المجانية التي تقدمها الدولة في ما يعرف بـ”التأمين الصحي للأطفال”، وكذلك الحق في التعليم.
أسماء عبدالرحمن (18 عاما) تزوجت منذ أن كان عمرها 13 عاما، حين تغيرت ملامح جسمها وظهرت عليها ملامح النضج الجسدي والجنسي، وكان العريس رجلا من جنسية عربية يزيد عمره على 65 عاما، أي يكبر أباها بسنوات عديدة.
قالت  “لم أكن أعرف معنى الزواج ولا مسؤولية البيت والزوج، وجلست معي أمي وطلبت مني أن أفعل معه ما كانت تحذرني هي منه من قبل مع أي رجل، وبأنني قد أذبح إذا فعلت هذا، وقد احترت إلا أنني لم أكن أملك حق الرفض”.
وأضافت “أمي قالت لي لو أن الرجل ‘انبسط’ أي تحققت سعادته منك فسوف يشتري لكي الكثير من الملابس، ويمنحك أموالا كثيرة، وتعيشين معه عيشة الملوك، وسيكون عندك حمام فيه مياه ساخنة وباردة وشقة كبيرة، وطبعا صدقت أمي وفعلت كل ما طلبته مني، لكنني لم أشعر معه أبدا بالأمان”.
وأضافت عبدالرحمن “وبعد شهرين طلقني ورحل إلى بلاده، وكانت أمي تعطيني أقراص منع الحمل وتحرص أن أتناولها باستمرار، ثم بعد أربعة أشهر زوجوني من آخر غيره كان أصغر سنا وأقوى جسدا، فأرهقني صحيا جدا، ولم يبق معي إلا لثلاثة أشهر ثم طلّقني فظللت أعالج بعدها لمدة طويلة قبل أن أستأنف رحلة الزواج من جديد مع رجل ثالث".
واختتمت شهادتها قائلة “فرحة الفتاة بالزواج وارتداء الفستان الأبيض لم تلمس قلبي قط، والآن أنا لا أشعر تجاه أي رجل بأي مشاعر، فأنا بالنسبة إليهم مجرد سلعة أو جسد، حتى أبي وأمي يتاجران بهذا الجسد".
وتلتقط سارة بدر أطراف الحديث فتقول “نحن خمس بنات نُعد ثروة أبي الحقيقية، فهو عاطل لا يعمل، ويدخن الشيشة وأحيانا الحشيش والبانجو وكافة أنواع المخدرات، ونحن مصدر رزقه الوحيد، حيث أن الواحدة منا بمجرد دخولها مرحلة البلوغ يبدأ هو في تسويق بضاعته وكأننا سلع مادية، إنني أحيانا أشعر وكأنني كيس أرز أو قطن أو أي شيء آخر يتم بيعه للزبون الذي يدفع أكثر".
الحقوقية نهاد أبوالقمصان مديرة المركز المصري لحقوق المرأة أكدت أن الزواج المبكر هو قتل لطفولة الفتاة وتحويلها إلى سلعة للمتعة دون حقوق، ولفتت إلى أن بعض القرى المصرية باتت تشتهر بهذا النوع من الزواج الذي تبلغ نسبته 15 بالمئة من إجمالي الزيجات بتلك القرى، وهكذا أصبحت البنت بالنسبة لأهلها مجرد مشروع تجاري يدر عائدا ماديا كبيرا، خاصة إذا كانت بِكرا أو صغيرة جدا أو تتمتع بقدر من الجمال.
وحذرت من خطورة الزيجات التي تعقد كصفقات مع كبار السن من الأثرياء العرب فتخلف وراءها الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية للفتاة، وربما نتج عن هذا الزواج طفل يظل مشتتا بلا هوية لرفض الزوج تسجيله باسمه، حيث ترفض الجهات المختصة التسجيل في ظل عدم توثيق عقد الزواج لأن الطفل يجب أن يُنسب لأبيه بينما يكون الأب قد هرب.
الدكتورة سميحة نصر أستاذة علم النفس بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية (جهة حكومية بحثية)، رفضت بشدة هذا النوع من التحايل على القوانين والأعراف، بل وترفض تسميته بالزواج أصلا وتعتبره “نخاسة عصرية” وامتهانا لحق الطفلة في قضاء طفولتها وسط ألعابها وكتبها.
وقالت إن هذا النوع من الزواج هو متاجرة بجسد لا تعي صاحبته مدى ولا معنى مسؤولية الزواج، ولها الحق في التعليم واللعب والاستمتاع بطفولة كاملة، وتقع على عاتق أهلها كافة الواجبات تجاه تحقيق هذا.
وشددت على ضرورة توعية الأهل بمخاطر هذه الأنواع من الزواج مثل “السياحي" و“المصياف” و“المسيار”، وغيرها من المسميات التي تخفي خلفها إهانة لكرامة الطفلة الأنثى وهي لا تدرك المعنى الحقيقي للزواج وتبعاته، وطالبت بضرورة تفعيل القوانين وتغليظ العقوبات.
بطريقته الساخرة المعهودة استنكر الدكتور مبروك عطية رئيس قسم علوم اللغة بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر ومُقدّم البرامج التلفزيونية الشهير تزويج القاصرات رغما عنهن، ووجّه حديثه لولي الأمر قائلا "بدلا من أن تزوج ابنتك للحصول على المال اشتغل أنت، فأنت الراعي وأنت المسؤول عن رعيتك وليس العكس، ألم تسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يُضيّع من يعول؟، إنك بهذا الفعل قد ضمنت جهنم".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى