درجات الحب عند العرب هي :
المحبَّة ، المودة ، الهوى ، الصَّبَابَة ، العِشْق ، الوَلَه ، الهيام ، والتَّتّيّـم وهو أعلى درجات الحُبّ .
أما علامات الحب عند الخبراء بحسب تصنيف الفقيه الأندلسي ابن حـزم في كتابه الشهير ( طـوق الحمامة في الألفة والألاف) فهي :
ادمان النظر والاقبال بالحديث والاتصال بالسؤال والانصات إلى حديث المحبـــوب وتصديقه حتى لو كذب وموافقته ان ظلم والشهاده له إنْ جــار واتّباعه أينمـا سلك طريقاً أو خطوة، والاسراع بالسير إلى المكان الذي يوجد به محبوبه، وتعمّد الجلوس بقربه والتقرب منه، وأنْ يستهين بكل قول يدعو إلى مفارقته،ويبدو عليه
اضطراب عندما يري عشيقه.
ويجزم ابن حزم ويقول : ما اجتمع رجل بامرأة إلا وحصل بينهمـا تكلف والانجذاب أو نحوه ، فكل طرف يحاول أن يجمّل نفسه أمام الطرف الآخر ...
ويقول أيضاً: لا يوجد من يستطيع أن يعاند الطبيعة (طبيعة التكلف والانجذاب) بين الجنسين، ومنه فرض الشارع الحكيم غضّ البصر،والزواج المبكّرواللباس الساتر المحتشم والاختلاط المشروط وحرّم الخلوة المطلقة وغير ذلك من المفاســــد التي تفضي إلى الحرام. ويقول الثعالبي، إمام اللغة وفقيهها، صاحب كتاب (فقه اللغة) :
إن أول مراتب الحب " الهوى " فإذا سيطر درجه أصبح اسمه " العلاقـــــة " فإذا اشتدت لوعته أصبح اسمه " الكَلف " وهو شدّة الحب.. فإذا زاد عن ذلك أصبـــح اسمه " العشق.ويردف الثعالبي قائلاً :
)ثم العشق وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب) . والعشق علـــــــوقٌ وارتباط بين قلبين ارتباطا وثيقـــــا لصيقــاً، ولكي تدرك قيمته ، لاحظ أنَّ مقلوب العشق (ع ش ق) هو (ق ش ع) ويعني الانفصال ، مؤكّــدا أن عكس المبنى يفيد عكس المعنى ، ومثبتاً القاعدة المنطقية في علم الدلالة وفقه اللغة والجذور وهـي: "وبضدّها تتميز الأشياء" .
فإذا بدأ العاشق يتحرق من لواعج الحب دخل مرحله خطيرة اسمها " الشعف " ، بالعين وليس الغين " وقد قال في تعريف الشعف : " هو إحراق الحب للقلب مع لذّةٍ يجدها " أي هو الاكتواء بنار الحب (قلنا: حتى في الحريق لذة ،سبحان الله!(
يقول بعدها يدخل المبتلي المسكين في الدرجة السادسة وهي " اللوعة " و " اللاعج " ( وهذا هو الهوى المحرق )، فإذا زاد الأمــــــرُ على ذلك استولى على القلب من داخله .
ويقول : (ثم الشغف وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب وهي غشاء القلب ) . وهــو الذي عناه القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام : ((وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَــةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا ۖ إِنَّا لَنَرَاهَــــــــا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (30)( . وقوله: (قد شغفها حبًّا) ، يقول قد وصل حبُّ يوسف إلى شَغَاف قلبهــــــا فدخل تحته، حتى غلب على قلبها.
و " شَغَاف القلب ": حجابه وغلافه الذي هو فيه , وإياه عنى الشـاعـر النابغـــــة الذبياني بقوله :
وَقَــدْ حَـالَ هَـمٌّ دُونَ ذَلِـكَ دَاخِـلٌ *** دُخُــولَ شَـغَافٍ تَبْتَغِيـهِ الأصَـابِعُ
السؤال هنا هل يمكن أن يزيد بعد هذا ؟
يجيب الثعالبي : نعم، يبدأ صاحبنا (العاشق / المبتلى) بالمرض فعلاً فلا يكاد يتلفت إلا ويرى صاحبته على نحوٍ أمامه .
ثم الجوى وهو ( الهوى الباطن ) عند هذه المرحلـــــة تبدأ حالة المرض والسقام وتستولي الحالة على صاحبها فلا يملك لها دفعاً ولا هم ينصرون ، ويقع في حالة انهيار . يقول الثعالبي متابعاً درجات الحب :
ثم يأتي " التّتيْم " بتسكين الياء وهو أن يستعبده الحب، ومنه سُمّي تيــــم الله أي عبد الله ومنه رجل متيم أي استعبده الحب وملك مهجته .
بعدها تأتي مرحلة " التَّبل " وهو أن يسقمه الهوى ومنه رجل متبـــول فإذا غاص أكثر بدأ يفقد عقله ، جاء في معلقة زهيــر المشهورة " بانت سعاد" :
بانَت سُعــادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ,*** مُتَيَّمٌ إِثرَهــــــــــــا لَم يُفدَ مَكبولُ
يأتي بعد ذلك " التدليه " وهو ذهاب العقل من الهوى ومنه رجل مُدلّـه .
فبعد ذهاب العقل وتيه صاحبه يأتي " الهيوم//الهيام " وهوأن يذهب على وجهه لغلبة الهوى عليه ومنه رجلٌ هائم .
وبهذا يكون للحب عند الثعالبي حسب رأيه إحدى عشرة درجة :
( الهوى-العلاقه-الكلف-العشق-الشعف-الشغف-الجوى-التيم-التبل-التدليه-الهيـــوم والهيمان على الوجه ) .والهيمان أو الهيام هي درجة الحب (السوبر) أعلى درجة أو (الحب سبع نجوم) حسب التعبير المعاصر ، ويسميه بعضهم الجنون ، وممـــــا يُنسب لأبي مدين التلمساني :
طـال اشـتـيـاقـي و لا خـل يـؤانـسني***و لا الـزمـان بـمـن أهـوى يـوافـيـنـي
قالوا جُننت َ بمن تهوى فقلت لهم: ***مــــا لـــــــــذّةُ العيش إلا للمجــانيــن
ومن مجانين العشق العذري مجنون ليلى ، قيس بن الملوح والملقب بمجنون ليلى (24 هـ / 645م - 68 هـ / 688), شاعر غزل عربي، من المتيمين، من أهل نجد. عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب.
لم يكن مجنوناً وإنما لقب بذلك لهيامه في حب ليلى العامرية التي نشأ معها صغيرا وعشقها فرفض أهلها ان يزوّجوها به، فهام على وجهه ينشد الأشعـــــــار ويأنس بالوحوش ويتغنى بحبه العذري، فيُـرى حيناً في الشام وحيناً في نجد وحينــــــاً في الحجاز . وهو أحد القيسين الشاعرين المتيمين والآخر هو قيس بن ذريح "مجنون لبنى". توفي سنة 68 هـ الموافق 688م، وقد وُجد ملقى بين أحجـــــــار وهو ميت، فحُمل إلى أهله، ومن مجانين الزمن المعاصر الشاعر السوداني ادريس جمّاع المشهور.
يقال أن الشاعر السوداني ادريس جماع ﻓﻘﺪ ﻋﻘﻠﻪ ﻓﻲ آﺧﺮ ﺃﻳﺎمه ﻭﺩﺧــــﻞﻣﺴﺘﺸفى ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ ﻭﺃﺭﺍﺩ ﺃﻫﻠﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻟﺠﻮﻩ ﺑﺎﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ﺭﺃى اﻣﺮﺍﺓ ﺟﻤﻴﻠﺔ برفقــــــــة ﺯﻭﺟﻬﺎ ﻓﺄﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ والزوج يحاول أن ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻓﺄﻧﺸﺪ ﻳﻘﻮﻝ :
أعلى ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺗﻐﺎﺭ ﻣِﻨـــــّﺎ ***ﻣﺎﺫﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﺫ ﻧﻈﺮﻧـــﺎ
ﻫﻲ ﻧﻈﺮﺓٌ ﺗُﻨﺴِﻲ ﺍﻟﻮَﻗــﺎﺭَ ***ﻭﺗُﺴﻌِﺪ ﺍﻟقلبَ ﺍﻟﻤُﻌنَّــى
ﺩﻧﻴـــﺎﻱ ﺃﻧتِ ﻭﻓﺮﺣﺘــــﻲ ***ﻭﻣُنَى ﺍﻟﻔـﺆﺍﺩِ ﺇﺫﺍ ﺗَﻤنَّى
ﺃﻧتِ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀُ ﺑَﺪَﺕ ﻟﻨــــــﺎ ***ﻭاﺳﺘﻌﺼﻤﺖ ﺑﺎﻟﺒُﻌﺪِ ﻋنَّا
ويقال أن عباس محمود العقاد رحمه الله لما سمع ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺑﻴﺎﺕ ، ﻭﺳﺄﻝ ﻋﻦ قائلها وﻘﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ أنه ﺳﻮﺩﺍﻧﻲ ﻭﻳﺪعى ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺟﻤَّﺎﻉ وهو الآن ﻓﻲ ﻣﺴﺘﺸفى ﺍﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ قاﻝ: ﻫذا ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻷﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻻ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻋﺎﻗﻞ . ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺑﻪ ﺇﻟﻲ ﻟﻨﺪﻥ ﻟﻠﻌﻼﺝ ﺃﻋﺠﺐ ﺑﻌﻴﻮﻥﻣﻤﺮﺿﺘﻪ ﻭ ﺃﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻓﺄﺧﺒﺮﺕ ﻣﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﺴﺘﺸﻔﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﺒﺲ ﻧﻈﺎﺭﺓﺳﻮﺩﺍﺀ ﻓﻔﻌﻠﺖ ﻭ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺟﻤّﺎَّﻉ ﻭ ﺃﻧﺸﺪ :
وﺍﻟﺴﻴﻒ ﻓﻲ الغمد ﻻ ﺗُﺨشَى مضاربُه***ﻭﺳﻴﻒ ﻋﻴﻨﻴـــﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّـــــــﺎﺭُ
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗـُﺮﺟﻢ البيت ﻟلممرضة ﺑﻜﺖ !!
ﻭﺻُﻨﻒ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺃﺑﻠﻎ ﺑﻴﺖ ﺷﻌﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺰﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ !
ومن المعلوم في الجذور أنَّ تعدد الأسماء دليل على شرف وسموّ المسمى ، فلقد عرف العرب للحب أسماء كثيرة منها :
الـمـحـبـة . الـهـوى . الـصـبـابـة . الـصـبـوة . الـشـغـف . الـوجـد . الـعـشـق . الـتـتـيـم . الـجـوى . الـكـلـف . الـسـدم . الـتـبـاريـح . الـخـلابـة . الـشـوق . الـشـجـو. الـوصـب. الـسـهـد . الـحـرق .الـلاعـج . الـشـجـن . الـحـنـيـن . الـلـهـف . الارق . الـلـذع . الـكـمـد . الـود . الـخَـبـَل . الـجـنـون . الـفـتــــــون . الـلـوعــة . الـولَــــــــه . الـتـد لـيـه . الـهـيـام . الـغـرام . الـخـلـة. وكلُّهـــا تدور في فلك هذين الحرفين ( الحاء والباء//ح ب ) ليبقى الحبُّ أسـمى الروابط بدءاً من حُـبِّ الولــــد والوالدين إلى حب الحبيبة والصاحبة أم الولد . أما العشق فكما أسلفنا ونضيف ما قاله فيه صاحب اللسان :
العِشْقُ : فرط الحب، وقيل: هو عُجْب المحبِّ بالمحبوب ، ويكون في عَفــاف الحُبّ ودَعارتــه ؛ عَشِقَه يَعْشَقُه عِشْقاً وعَشَقاً وتَعَشَّقَهُ، وقيل : التَّعَشُّقُ ، تكلّف العِشْقِ ، وقيل : العِشْقُ الاسم والعَشَقُ المصدر، قال رؤبة : (ولم يُضِعْها بينَ فِرْكِ وعَشَقْ ) ورجل عاشِقٌ من قوم عُشَّاقٍ ، وعِشِّيقٌ مثال فِسِّيقٍ : كثير العِشْقِ .
وامرأَة عاشِقٌ، بغير هاء، قلنا : وعاشِقةٌ (بهــــاء) أي متلبّسة بحالة العشق وفرط الجوى.
والعَشَقُ والعَسَقُ، بالشين والسين المهملة: اللزوم للشيء لا يفارقه، ولذلك قيل للكَلِف عاشِق للزومه هواه والمَعْشَقُ: العِشْقُ؛ قال الأَعشى:
(وما بيَ منْ سُقْمٍ وما بيَ مَعْشَق) . وسُئل أَبو العباس أَحمد بن يحيى عن الحُبِّ والعِشْقِ: أَيّهما أَحمد؟ فقال : الحُب، لأن العِشْقَ فيه إِفراط، وسمي العاشِقُ عاشِقاً لأَنه يَذْبُلُ من شدة الهوى كما تَذْبُل العَشَقَةُ إِذا قطعت ، والعَشَقَةُ: شجرة تَخْضَرُّ ثم تَدِقُّ وتَصْفَرُّ . وهناك درجات بين الحب والعشق، ودرجات قبلهما وبعدهما ، ولكلِّ درجة علاماتهــــا ومظاهرهـــــــــا وآثــارهــــــا .