قررتُ أن أقرأَ الكتابَ الأوَّلَ الذي ألَّفه، الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب لكي أعثرَ على مفاتيحِ شخصيته المُضلِّلَة، بعد خطابه الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 20-9-2017، فمهنة الإنسان الأولى تظلَّ تتحكَّمُ في شخصيته، مهما تغيَّرت حالُه، أو تطوَّرتُ، مع التأكيد على أبجدية أساسية، وهي أنَّ للشخصية الرئاسية في أمريكا تأثيرا قليلا في القرارات والأحداث، غير أنَّ ترامب يحاول جاهدا إحداثَ تأثير شخصيٍّ طويل الأمد في أمريكا.
اسم الكتاب: (فن عقد الصفقة) The Art Of The Deal ، تاريخ إصداره عام 1987م
لقي الكتابُ رواجا كبيرا، بيعت منه أكثر من مليون نسخه، لدرجة أن مؤلفه قال في السنة نفسها مفتخرا:
"حظي كتابي بالرواج، فهو في المرتبة الثانية بعد الإنجيل"!!
إليكم أبرز فنون عقد الصفقات التجارية في كتاب، دونالد ترامب:
ليكنْ تفكيرُك ناتجا عن تخطيطٍ منطقيٍّ.
حدِّد أهدافَك وغاياتِك القُصوى، واترك الأهداف الثانوية الصغيرة.
كنْ خبيرا بالسوق والبيئة، بشرط أن تنبع خبرتُك من تجربتك، لا من تجارب غيرك.
أبرزْ القوةَ ليشعر بها خصمُك ومفاوضُك في الصفقة التجارية، بحيث يُحسُّ خصمُك بأنك تملك ما يحتاجُه من أشياء.
لا تتراجع عندما تتخذ قرارا.
استقطب الآخرين بالإغراءات، التي تُبشِّرُ بالربح الوفير.
استخدام التأثير الإيجابي.
أظهرْ روح المرح والدُّعابة أثناء عقد الصفقات.
لم أستغرب حين أجريتُ مقارنةً بين مبادئه السابقة، وبين سياسته نحو قضيتنا الفلسطينية وجدتُ أن مبادئه التجارية في كتابه السابق تنطبق على سياسته الراهنة، وأنَّ هذا الاتجاه يتطابق مع نظام العولمة الجديد، (لتسليع) كل قضايا العالم، أي جعلها سلعة، ومحو كل متعلقاتها، الوطنية، والثقافية، والقانونية.
هذا التسليع الجديد لقضايا العالم، يُغذّي مجرى النهر الاحتلالي الإسرائيلي، ليتم قبول إسرائيل في الشرق الأوسط، لا ككيانٍ محتلٍ غاصب، ودولة متمردة على قرارات العالم، بل كدولة تكنلوجية متقدمة، غايتها تطوير الشرق الأوسط، اقتصاديا وحضاريا، بما تملكه من أدوات تكنلوجيا العصر الحديث، فهي إذن، شريكٌ اقتصادي، تجاري، وليست جيشَ احتلالٍ.
تطبيقا لفن الصفقة، أقدمَ مؤلف الكتاب في بداية ولايته على عزلِ كل المخضرمين السياسيين، لكي يحصل على التجربة بنفسه، وفق مبادئه التجارية في سوق السياسة العالمي، وليس بواسطة تجارب الآخرين، فعيَّن مفاوضين (أغرارا) في ملف فلسطين، وفي ملف إيران، وكوريا، وفي ملف، البنتاغون أيضا!
يلتقي ترامب مع نتنياهو في مبدأ آخر، وهو إزاحة الأهداف الصُّغرى، لأجل تحقيق الأهداف الكُبرى، فهو عندما تجاهل في خطابه الطويل، فلسطين، وركَّز على الأهداف الكبرى، إيران، وكوريا الشمالية، كان ينطلق من هذا المبدأ.
كذلك فإنه استخدم مصطلح الإغراءات، والتأثير الإيجابي، عندما قال للرئيس، أبي مازن في الأمم المتحدة:
"قلبي، وروحي، متعلقة بإيجاد حلٍّ للقضية الفلسطينية!"
كما أنه بارعٌ في إظهارِ قوَّته الجسدية، ويظنَّ حين مصافحة الرؤساء، وجذبهم بقوة عضلاته كمصارع أنه أحدث رُعبا في نفوسهم، ليعقِدَ الصفقاتِ معهم باعتباره الأقوى!!
لقد قطعنا شوطا كبيرا في طريق تحويل قضيتنا إلى (صفقة تجارية)، وفق التعبير الشائع الجديد لوسائل الإعلام:(صفقة القَرْن)!!!