( الله ورسوله أعلم ) :
الله تعالى الخالق السميع العليم البصير ، ليس كمثله شيء ، وعلمه مطلق للأشياء ، ما كان وما هو كائن وما سيكون ، علما تفصيليّـاً كاملاً ، لا يشوبه الظن أبدا .
ورسوله خاتم النبيين وسيد المرسلين ، سيدنا محمد بن عبد الله النبيّ الأميّ العربيّ الذي أرسله بالهدى ودين الحق ليظهـــره على الدين كله ولو كــــره الكافـــرون .
وعبارة ( الله ورسوله أعلم ) ، هي موضوع حديثنا اليوم من الجذور :
كثيراً ما سمعنــا هذا التعبير اللطيف الممتلئ أدباً على ألسنة الصحابة الكرام، وهم يجيبون النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤالٍ توجّه به إليهم.
ولكن هل تساءلنا عن سبب إفراد الخبر « أعلم » مع أنه خبر لاثنين؟
أي أنَّ السياق اللغوي البشري يقتضي أن يُقال :
الله ورسوله أعلمـــــان !!! يقول النحاة: إنه هنا على تقدير: (مِنْ) أي: أعلم منّا، واسم التفضيل إذا كان على تقدير: (مِنْ)؛ فإن الأشهر فيه الإفراد والتذكير.
أقول: وإنني أجد في هذا الإفراد أيضا نكتة بلاغية، فيها مزيدُ أدبٍ وإجلالٍ لله عز وجـــــل، فإنَّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، ومع كل حبِّهم واحترامهم للنبي صلى الله عليه وسلم، لم يشاؤوا أن يشركوه مع الله عزَّ وجــــــلَّ في العلم، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم على اتساعه يظل فيضاً من علوم الله اللدنّيّة ، أو غيضاً من فيضِ علم الله تعالى .
والعلم صفة من صفات الله تعالى الواجبة الوجود . قال في اللسان :
من صفات الله عزَّ وجل العَلِيم والعالِمُ والعَلاَّمُ ؛ قال الله عز وجل : (وهــو الخَلاَّقُ العَلِيمُ) سورة يس / 81 ، وقال: (عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادةِ)،سورة الرعد / 9 وقال: (عَلاَّم الغُيوب)،سورة المائدة / 109 فهو اللهُ العالمُ بما كان وما يكونُ قَبْلَ كَوْنِه، وبِمَا يكونُ ولَمَّا يكُنْ بعْدُ قَبْل أن يكون، لم يَزَل عالِماً ولا يَزالُ عالماً بما كان ومــا يكون ، ولا يخفى عليه خافيةٌ في الأرض ولا في السماء سبحانه وتعالى ، أحــاطَ عِلْمُه بجميع الأشياء باطِنِها وظاهرِها دقيقِها وجليلِها على أتمّ الإمْكان .
وعَليمٌ، فَعِيلٌ : من أبنية المبالغة.
ويجوز أن يقال للإنسان الذي عَلَّمه اللهُ عِلْمــــاً من العُلوم عَلِيم ، كما قـــــال النبيّ الصديق يوسف للمَلِك : (إني حفيظٌ عَلِيم ) سورة يوسف / 55 .
وقال الله عز وجل) : إنَّما يَخْشَى اللهَ من عبادِه العُلَماءُ ) سورة فاطر / 28، فأَخبـر عز وجل أن مِنْ عبادِه مَنْ يخشاه ، وأنهمَ هم العُلمَاء ، وكذلك صفة يوسف ، عليه السلام : كان عليماً بأَمْرِ رَبِّهِ وأَنَّـه واحد ليس كمثله شيء إلى ما عَلَّمــــــه الله من تأْويل الأَحاديث الذي كان يَقْضِي به على الغيب، فكان عليماً بما عَلَّمه اللهُ.
أما العلم اللدّني هو العلم الذي يأتي من لدّن الله عز وجل يهبه لمن يشاء من عباده ; قد يستخدمه المتلقي في فهم موقف من المواقف أو تفسير آيةٍ من آيات الله بفهم ينبئ عن عمق كبير يتحصل من هداية الله . ذكر في قصّــــة موسى والعبد الصالح الخضر (( فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًـــا)) سورة الكهف / 65 .
وكلمة لدُنّي تعني من لدنِ الله تعالى ، و( لدن) ظرف بمعنى ( عند) .
قال الشيخ السعدي في تفسير سورة الكهف متحدثا عن فوائد السورة ، ومنهــــا : أن العلم الذي يعلّمه الله لعباده نوعان : علم مكتسب يدركه العبد بجهده واجتهـاده، ونوع ثاني علم لدني ، يهبه الله لمن يمنّ عليه من عباده لقوله :
" وعلمناه من لدنا علما " سورة الكهف / 65 . هذا والله ورسوله أعلم .