ليست مشكلة أفغانستان مع موت الأمهات عند الحمل والولادة ناشئة فقط عن غياب المنشآت الطبية أو صعوبة الوصول إليها، بل هي مشكلة ثقافية عرفية، فكثير من الأهالي يرفضون مجرد وجود أطباء وممرضين رجال في المستشفى
بحسب الدراسات الأخيرة، تلقى واحدة من كلّ ست أمهات حتفها عند الوضع وخلال فترة الحمل في أفغانستان. وذلك بسبب غياب أو ضعف الرعاية الصحية، وعدم تمكنهن من الوصول إلى العيادات والمستشفيات عند الوضع، بالإضافة إلى العادات السائدة، وضعف الوعي، إذ تُمنع النساء من الحصول على العناية الصحية في المستشفيات لدى الولادة، خصوصاً إذا ضمّ المستشفى رجالاً في قوائم أطبائه وممرضيه.
يقول محمد حسن، وهو من سكان إقليم وردك المجاور للعاصمة الأفغانية كابول، إنّ جارته توفيت عند الولادة، الشهر الماضي. والسبب هو النزيف المتواصل ورفض زوجها أخذها إلى المستشفى والعيادة بذريعة عمل أطباء رجال فيها إلى جانب الطبيبة الوحيدة هناك. يضيف حسن أنّ جاره أخبره في وقت العشاء أنّه يحتاج إلى سيارة لنقل زوجته إلى المستشفى، وهو أبدى استعداده لذلك، لكنّ والد الزوج رفض بشدة أن تنقل زوجة ابنه إلى مستشفى يعمل فيها ممرضون رجال. وفي منتصف الليل مع تدهور حالة المرأة بسبب النزيف الحاد، سارعت أسرته إلى نقلها إلى المستشفى، لكنّها لم تصل، بل لقيت حتفها وسط الطريق، لتترك خلفها بنتين وابناً لم يتجاوز ثلاثة أعوام. الغريب هو عدم شعور الزوج وأبيه بأيّ خجل بالرغم من أنّهما تسببا في موت المرأة التي لم تتجاوز 35 عاماً، كما يقول حسن. ويشير إلى أنّ الأعراف السائدة في البلاد تحتاج إلى تغيير جذري، خصوصاً تلك التي تخالف الدين والعقل معاً، وتولّد الكثير من الصعوبات الاجتماعية.
كذلك، فإنّ غياب الرعاية الصحية في المناطق النائية من الأسباب الرئيسية وراء وفاة الأمهات لدى الولادة، خصوصاً في مناطق الحرب، حيث لا تحصل نسبة كبيرة من النساء على إمكانية الوصول إلى المستشفيات بهدف الرعاية الصحية. في هذا الخصوص، يقول الزعيم القبلي محمد فريد، من إقليم فراه: "في القرى والأرياف النائية قلما تسمع عن ذهاب المرأة إلى العيادة والمستشفى لدى الولادة، لعدم وجود المستشفيات في كلّ المناطق، ولصعوبة التنقل في الظروف غير الآمنة، خصوصاً إذا كانت الولادة ليلاً". من هنا، فإنّ كثيراً من الأمهات يفقدن حياتهن عند الوضع. يوضح فريد أنّ الاعتماد الكامل يكون على بعض النساء المعروفات بخبرتهن واستخدامهن الطرق القديمة لمساعدة الأمهات لدى الولادة، وتلك الطرق نفسها أحياناً تؤدي إلى وفاة النساء أو إصابتهن بأمراض مزمنة.
يذكر الرجل قصة قريبة له تُدعى شريفه بي بي فقدت حياتها أمام أنظارهم جميعاً في وسط الليل من دون أن يفعلوا شيئاً لها. فالمرأة ماتت عند الوضع، لكنّ رضيعها بقي على قيد الحياة وعمره الآن أربع سنوات. هي واحدة من عشرات النساء اللواتي يفقدن حياتهن بسبب عدم وجود الرعاية الصحية كما يقول.
ولأنّ موت النساء لدى الولادة من المشاكل الاجتماعية في أفغانستان، ثمة جهود من قبل بعض الدوائر الحكومية والمجتمع المدني لإبراز القضية، وإن لم يكن لذلك تأثير كبير في تغيير الحالة. في هذا الخصوص، أطلقت إدارة الصحة بالتعاون مع المؤسسات المعنية حملة عنوانها الحفاظ على حياة الأم عند الولادة في شرق أفغانستان، آملة أن تصل تلك الجهود إلى بقية مناطق أفغانستان إذا ما كانت لها نتائج مرجوة في الشرق. وفتحت إدارة الصحة في مدينة جلال آباد مركزاً لتدريب نساء القرى والخريجات من الثانوية اللواتي يرغبن في العمل كمساعدات للنساء في الوضع، كي يعملن في القرى والأرياف. والمركز ينظم دورات تدريبية وتعليمية في كيفية مساعدة النساء عند الولادة، بالإضافة إلى بث الوعي لدى مجمل النساء وتشجيعهن على الحصول على الرعاية الصحية عند الولادة.
في هذا الخصوص، يقول مسؤول إدارة الصحة في جلال آباد، الدكتور نجيب الله كامه وال، إنّ تأسيس هذا المركز نتيجة أساسية لجهود منسقة هدفها الحفاظ على حياة الأمهات عند الولادة. والمركز المسمى "فيروز الدين فيروز" تأسس بالتعاون مع مؤسسة "يو اس أيد" الأميركية.
يوضح كامه وال أنّ المركز سيؤدي خدمات مهمة في الأقاليم الشرقية الثلاثة ننجرهار ولغمان وكنر، مشيراً إلى أنّ تأسيس المركز داخل المستشفى الحكومي العام سيسمح باستفادة أكبر عدد ممكن من النساء، إذ إنّ سكان المناطق النائية يأتون إلى المستشفى عادة وبالتالي سيستفيدون من المركز. كما يمكن بسهولة توفير الكادر الطبي للدورات التدريبية التي يعقدها المركز.
يضيف الدكتور أنّ من بين كلّ 100 ألف امرأة في الشرق نحو 1600 امرأة يفقدن حياتهن عند الولادة، وإدارة الصحة تسعى من خلال هذا المركز ومن خلال دورات تدريبية في المناطق النائية إلى تقليص هذا العدد، وقد بدأت الأحوال تتحسن بالفعل.