بعد سنوات من المحاولات الحثيثة ومواجهة الصعوبات، حقّقت حلمها وأصبحت المرأة الإيرانية الأولى التي تحطّم رقماً قياسياً في السباحة، لتنضم إلى كتاب "غينيس" للأرقام القياسية، ما جعلها محطّ أنظار كثيرين في إيران. قبل ذلك، كانت قد تعرّضت لانتقادات كثيرة، وقد حاول بعضهم إحباط عزيمتها.
هي إلهام سادات أصغري، التي سبحت في مياه بوشهر جنوب إيران لثلاث ساعات متواصلة، قطعت خلالها مسافة عشرة كيلومترات، فحطّمت الرقم القياسي عن فئة سباحة الصدر، الذي كان من نصيب الإيطالي باولو كارزي. لم تكن هذه المحاولة الأولى لأصغري. قبل أكثر من أربع سنوات، قطعت مسافة طويلة في مياه بحر قزوين شمال إيران، وقد سبحت ثماني عشرة ساعة متواصلة. ورغم نجاحها، لم يسجّل إنجازها محليّاً، وتعرّضت إلى مشاكل وانتقادات عدة، منها بسبب لباسها، رغم مراعاتها القانون والدين الإسلامي، على حد قولها.
بدأت السباحة حين كانت في الخامسة من عمرها. أحبّت هذه الرياضة وأتقنتها، وأصبحت في عمر الثامنة عشرة مدرّبة محترفة. تقول لـ "العربي الجديد": "كان البحر ملاذاً لي، ولطالما أحسست بالسكينة قربه. كانت تشعر بأنها قادرة على مواجهة كل التحديات، وهي تسبح في مياهه. غالباً ما كانت تتوجه إلى مياه بحر قزوين شمالاً، كونه أقرب إلى العاصمة طهران.
والد إلهام أصغري بطل في الملاكمة، وقد احترف شقيقها هذه الرياضة أيضاً. تقول إن دعم عائلتها التي تحترف وتهوى الرياضة جعلها أكثر تصميماً على متابعة مشوارها. كان والدها إلى جانبها في كل رحلاتها، ورافقها في كل محاولة وتحد خاضته لتحطيم أرقام قياسية داخل وخارج إيران.
بدأت قصّتها مع الأرقام القياسية منذ عام 2008. وبعدما تنبّه والدها إلى أن إلهام قادرة على السباحة في البحر لساعات طويلة، اقترح عليها أن تتدرّب أكثر، وأن تحوّل الأمر إلى مسيرة حياة، وهذا ما حصل. في عام 2008، قطعت مسافة 12 كيلومتراً في خمس ساعات. وفي وقت لاحق، قطعت تسعة عشر كيلومتراً في 12 ساعة. بعدها، وضعت نفسها أمام تحد أصعب، فسبحت ثلاثة عشر ساعة وخمساً وأربعين دقيقة متواصلة، بهدف إطلاق سراح امرأتين إيرانيتين سجنتا في قضايا مالية، ولم يكن في حوزتهما المال لدفع الكفالة. فنجحت وسجّلت رقماً قياسياً في إيران، ودفعت الجهة التي رعت الحدث الكفالة المطلوبة.
تضيف أصغري أن عدد التحديات التي خاضتها كثيرة، لكنّها لم تستطع تسجيل كل الأرقام باسمها حتى داخل إيران. الأمر يتطلّب دعماً مالياً كبيراً، ورعاية حكومية، خصوصاً من قبل المعنيين في الاتحاد الرياضي، وهو ما لم يحصل في وقت سابق. وتشير إلى أنه كان لـ"غينيس" طعم آخر، وقد استعدت للأمر على مدى سنوات، إلّا أنها أرجأت التحدي عاماً كاملاً بسبب تعرّضها لمشاكل في الجلد بعد تدريباتها الطويلة والمكثفة في بحيرة فان التركية. وتشرح أن السبب كان ملابسها، إذ أنها محجبة. إلا أنها أصرّت على خوض التحدي، والتأكيد أن لا شيء يمكن أن يكون معوقاً.
وتوضح أصغري أن لباس السباحة الشرعي ليس مناسباً للسباحة الاحترافية ولساعات طويلة، إذ يزيد وزنه مع الوقت، ويؤثّر على سرعتها. والدتها، وهي مصمّمة أزياء، استطاعت صنع لباس خاص يراعي المعايير الإسلامية، ويعدّ مناسباً للسباحة لساعات طويلة في الوقت نفسه.
أصغري الملقّبة بـ "فتاة البحر"، قالت لنفسها إنها ستصبح المحجّبة والإيرانية الأولى في العالم التي تكسر القواعد الصارمة في السباحة، إذ إن الإيرانيات لا يستطعن المشاركة في عدد كبير من البطولات بسبب اللباس. هذا اللباس نفسه جعلها تواجه مشاكل كثيرة في إيران كذلك، ورفضت جهات عدة دعمها خوفاً من ألا يكون مناسباً.
مع ذلك، نجحت أصغري، التي تؤكد أن السباحة في الملابس الشرعية تتطلب جهداً مضاعفاً، وقالت للعالم إنّه لا يمكن لأي شيء أن يثني المرأة عن تحقيق ما تريد. بعد دخولها إلى كتاب "غينيس"، توقفت الانتقادات.
تتدرّب هذه السبّاحة الاستثنائية يومياً في كل من بحر قزوين والمياه الخليجية، وتقود الدراجة الهوائية وتركض عشرة كيلومترات، بهدف الحفاظ على لياقتها البدنية. وتؤكّد أصغري أنها تعدّ كل تدريباتها بنفسها، وليس لديها متخصص يرافقها، رغم أنها تبحث عن أحد يرعاها بشكل حقيقي. تقول إن هذا النوع من الرياضات، الذي لا يتبع لاتحاد رياضي معين، فيه صعوبات كثيرة.
كذلك، ترى أنّ تحقيق الحلم وكسر الأرقام القياسية يتطلب جهداً كبيراً وعدم فقدان الأمل، وتؤكّد أن "غينيس" لا يهمّه جنسية الشخص، بل إنجازه. في الوقت الحالي، تخطّط أصغري للدخول في تحديات مشابهة في بلدان عربية وإسلامية، قبل الانطلاق إلى العالم، وتسبح بلباسها الإسلامي. تريد إخبار العالم أن لكلّ شخص خياره، وأنه قادر على تحقيق ما يريد، والأهم أنها تريد أن تؤكد قدرة المرأة في تحقيق ما هو مختلف في عالم الرياضة.