الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

على ماذا؟

  • 1/2
  • 2/2

يعاني البعض من داء خطير ولا يعلم. وفي الوقت نفسه مشاهدته وهو يعتقد أنه في سلامة وفي تفوق تبعث على الحزن والتعاطف معه. وأنا لا أقصد هنا داءً جسدياً وإنما داء نفسيّ ومعضلة نفسية تعاني منهما شرائح ليست قليلة، ولا سبيل لإفهامهم أن ما يمارسونه خطأ بحق أنفسهم أولاً، وبحق القيم الإنسانية ثانياً، وبحق من سهر على تربيتهم وتقويم سلوكهم ثالثاً.
هؤلاء المرضى – إذا صحت التسمية – يعانون من الكبرياء الزائف أو المبالغ فيه، يعانون كما يقال باللهجة العامية من «شوفة النفس»، والتعالي على الناس في كبر وغرور وغطرسة لا مبرر لها. وإن كنت أعتقد أن الغرور لا يوجد مبرر له إطلاقاً، لكنك قد تلتمس العذر ـ وأقول تلتمس العذر ـ لشخص نجح وحقق إنجازاً مُدوياً في أي مجال ويصاب ببعض الغرور، ولكن يختلف الأمر مع إنسان مفلس مثقل بالديون، مثقل بالملاحظات من مرؤوسيه في العمل، ومثقل بالمشاكل العائلية وعدم الاستقرار الأسري بسبب طريقة تعامله وتصرفاته.
تراه بالأمس يستجديك بعض النقود لآخر الشهر، ثم بعدها بيوم يرفع صوته بأنفة وتعالٍ على إنسان آخر ضعيف، أو يزجر مراجعيه بقسوة ولا يرد تحيتهم ولا يجيب عن أسئلتهم، فهذه بحق تعد حالة شبيهة بالمرض إذا لم تكن مرضاً عضالاً يحتاج لطبيب وعلاج.
ما يهول ويحزن بحق أن تلاحظ هذا السلوك المشين وقد تلبّس بأناس يفترض تميزهم بالخلق القويم نظراً لسعة علومهم ومعارفهم. جميعنا ندرك أن هذه الصفة المذمومة – الغرور – موجودة في جميع المجتمعات والثقافات، غير أنه يفترض أن يتنزه عنها أصحاب القلم والمعرفة. وفي هذا السياق أتذكر ما قاله أبو حيان التوحيدي: «ما تعاظم أحد على من دونه إلا بقدر ما تصاغر لمن فوقه». وفي هذا السياق أسوق كلمات جميلة معبرة للشاعر الراحل إيليا أبي ماضي، الذي قال: «يا أخي لا تمل بوجهك عنّي، ما أنا فحمة ولا أنت فرقد/ أنت لم تصنع الحرير، الذي تلبس واللؤلؤ الذي تتقلّد/ أنت لا تأكل النضار إذا جعت ولا تشرب الجمان المنضّد/ أنت في البردة الموشّاة مثلي في كسائي الرديم تشقى وتسعد/ لك في عالم النهار أمان، ورؤى والظلام فوقك ممتد/ ولقلبي كما لقلبك أحلام حسان فإنّه غير جلمد».
لننظر إلى بعضنا بعضاً بعدالة ومساواة ونبتعد عن تصنيف الناس، ولنحترم الإنسان لأنه إنسان لا لسيارته أو ثيابه، ولنحترم فكره وعقله، ولنحترم جوهره وقيمته ومبادئه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى