لقد منع بعض المتطرفين المتأخرين المرأة من تعلم الكتابة والقراءة فألّف أحدهم رسالة صغيرة تحت عنوان الإصابة في منع النساء من الكتابة, ورد عليه أحد مشايخ نجد المتنورين برسالة صغير اسماها الإصابة في حث النساء على الكتابة.
كتبت قبل فترة عن نماذج نسائية كان لها أدوار مهمة في تراثنا الإسلامي وذلك في فترات مبكرة. فدور المرأة في تلك المراحل لم يكن مقتصرا على الوظائف البيتية والاسرية وإنما كان لها ادوار اجتماعية مهمة، فالنساء في تلك المراحل كن يتعلمن ويعلمن ويمارسن الوظائف المهمة في الدولة ولدينا نموذج رائد ومهم قد اهملت دراسته عن عمد بسبب افكار ذاتية اجتماعية ! واعني هنا نموذج الشفاء العدوية وقد ذكر لنا هذا النموذج الإمام أبو محمد ابن حزم (الشفاء العدوية: ولاها عمر بن الخطاب رضي الله عنه السوق وكانت أهلا لذلك ).
وكما نعلم أن ابن حزم كان يرى جواز أن تلي المرأة الوظائف المهمة مثل القضاء وما يتبع ذلك، كما صرح بذلك في ( كتاب المحلى) ولم يكن ابن حزم حينما تبنى هذا الرأي بدعا في ذلك، بل سبقه إلى هذا الرأي ابن جرير الطبري وللأسف لم يصلنا من كتب ابن جرير الطبري إلا كتاب التفسير وكتاب التاريخ. كما ذكر ابن حزم بعد ذكره للشفاء العدوية (امرأة قعدت للمظالم مثل القهرمانة: قعدت للحكم بين الناس بالمظالم وحضر مجلسها القضاة والفقهاء) فهذه المرأة في الدولة العباسية وكما نرى أن في الكتابات المبكرة لم يكن هناك حرج من ذكر هذه النماذج المضيئة والرائدة في عطائها وخدمتها لأمتها إلا أن ما استجد بعد ذلك من هيمنة الفكر الوعظي والصوفي خصوصا على المنابر، بحيث ساد الخطاب الذي يعرض بقصور المرأة عن مثل هذه الوظائف وأصبح من المسلم به أن يقال إن النساء ليس لهن إلا المنزل، وأنهن جنس متآمر على الرجال فألف أحد وعاظ الصوفية قصيدة يذكر فيها نماذج من النساء اللواتي كان لهن دور في النكبات, و كان اسم هذا الكتاب (تحذير الأخيار من النساء الأشرار ) ولم يتورع هذا الرجل عن ذكر نساء صالحات قد غفر الله لهن ورضي عنهن بشهادة النصوص . المهم إننا ومنذ القرن الخامس تقريبا أصبحنا نطلع على مؤلفات تبكت أدوار النساء وعقولهن وأدوارهن الخلاقة من غير مراعاة لأصول وقواعد قد ذكرها التراث الإسلامي بشكل صريح مثل قول الرسول صلى الله عليه و سلم ( النساء شقائق الرجال ).
وأهمل ما قامت به المرأة العربية من أدوار في الطب والعلوم والفلك والتجارة . وإلا فمن الذي اخترع الاسطرلاب المعقد ! إنها مريم الإسطرلابي. لقد أهمل التاريخ والمدون خصوصا محاسن النساء عن عمد وكرس صورة المرأة اللعوب . وخير نموذج على ذلك كتاب الف ليلة و ليلة الذي كان يقرأ في تجمعات العامة ومنتدياتهم قد طرح صورة للمرأة ظالمة وغير سوية فالمرأة في هذا الكتاب خائنة كما حدث مع الاخوين شهريار وشاه زمان وهي ساحرة شريرة ومتآمرة ! إن الكتب التي عرضت بالنساء وقدمت نموذجاً للمرأة الشريرة هي الكتب التي غالبا تقرأ عند العامة فأرست دعاية ضد النساء وضد عقولهن وضد قدراتهن انعكست سلبا على التراث العربي والتراث الشعبي . ولنأخذ مثلا كتب الأمثال الشعبية التي تناولت المرأة فنحن نجدها غالبا تأتي في سياق الذم والحط والتبكيت مما ولَّد بشكل عام في المجتمعات العربية صورة نمطية للمرأة , ورأي قاطع في الموقف منها. وإلا فمن يذكر لبنى بنت عبدالمولى عالمة حساب ونحو وقد كانت كاتبة المنتصر بالله الأموي توفيت سنة 374هـ .
لقد أعز الإسلام المرأة ورفع من شأنها وأكد على أدوارها وكما رأينا في الفترات المبكرة كيف كانت الصحابيات يصحبن الجيوش للقيام بأدوار الطبابة والمواساة والمراعاة وهذا أمر ثابت كما رأينا كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث على التعليم للمرأة والرجل بشكل عام، ورأينا كيف كانت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها تصحح للصحابة رضوان الله عليهم آراءهم ورواياتهم. حتى ألف الإمام الزركشي كتابا بعنوان (الإصابة لما استدركته عائشة على الصحابة ) وهو مطبوع متداول.
لقد منع بعض المتطرفين المتأخرين المرأة من تعلم الكتابة والقراءة فألّف أحدهم رسالة صغيرة تحت عنوان الإصابة في منع النساء من الكتابة, ورد عليه أحد مشايخ نجد المتنورين برسالة صغير اسماها الإصابة في حث النساء على الكتابة.
وهذا الآراء التي تمنع النساء من الكتابة من الآراء التي شاعت في الفترة المملوكية ؛ ففي هذه الفترة وأعني هنا الفترة المملوكية سادت حالة من الدعاية الموجهة ضد النساء ولعل ذلك يرجع إلى ما لقيه المماليك من شجرة الدر؛ فظهرت دعاية موجهة ومكثفة ضد النساء وضد تعلمهن وضد قدراتهن الذهنية والعقلية. إننا لا نجد هذا الخطاب المهين للنساء وقدراتهن إلا في دولة المماليك، وكما نعلم أن النساء في الأندلس كان لهن أدوار علمية ومعرفية رائدة وكم اتمنى أن تظهر عندنا كتابات تتلمس حقيقة هذه الأدوار لقد اتلف الكثير من المخطوطات التي كانت تطرح خلاف ما هو سائد وظهرت حكايات تكرس مفهوم أن المرأة كائن متآمر بطبعه، وعورة لا يذكر اسمها، فإذا ذكرت الأم أو الأخت يلحق ذكرها بجملة أعزك الله! وهذا خلاف ما عليه الدين الحنيف وللأسف فنحن نتأثر بالقوالب الجاهزة والمشاعة بين العامة خصوصا, وحتى تأثر بها الخواص من العلماء .