قضت المصرية نوال السعداوي سنوات طويلة في مهنة الطب وبعد ذلك ودعتها وتفرغت للكتابة، وكذلك فعلت الجزائرية مليكة مقدم عندما غادرت وطنها طبيبة وعادت إليه كاتبة..فالكتابة لم تكن يوما حكراً على تخصص معين، والإبداع لم يقف يوماً عند مهنة معينة، فسحر الكتابة قد يسكن حتى من تقضي حياتها تعالج الآخرين وتبحث عن طرق تساعدهم على الشفاء، ولنا في المغرب نماذج عديدة لطالبات طب أو طبيبات، مهووسات بحب الكلمة المكتوبة، وبعشق تضاريس وانحناءات النصوص الأدبية.
بدأت فاطمة الزهراء متمسك التدوين قبل سنتين، غير أن قصتها مع الكتابة تعود لقبل ذلك، تقول في حديثها لهسبريس إنها كانت تعاني لسنوات طويلة من مادة الإنشاء في اللغة العربية، والتي بسببها كانت تحصل على نقط متواضعة، "كنا أهتم أكثر بالتعابير اللغوية من الصيغة التي وجب الكتابة بها..وبسبب نقطي الكارثية، كرهت الكتابة طول مدة دراستي الإعدادية والثانوية".
تصالحت الطالبة في كلية الطب بمراكش مع القلم في أول فرصة أتيحت لها، فقد تكلّفت بكتابة تقرير عن نشاط لإحدى الجمعيات، وبعد ذلك بدأت تكتب يومياتها دون أن تشاركها مع أحد، ومن تمّ بدأت تنشر خواطرها المتفرقة على "فيس بوك"، ومن هذا الموقع كان المُنطلق نحو إنشاء مدونة بتشجيع من أصدقائها المراكشيين.
رغم دراستها وعملها باللغة الفرنسية، فقد اختارت فاطمة الزهراء منذ البداية العربية وأحيانا حتى "الدارجة"..السبب في اختيار الحرف العربي هو حبها للغتها الأم، وإيمانها في أن تقدّم شباب أي وطن لا يتم سوى بإنتاجهم بلغتهم الأم، لذلك وحتى ولو كانت شغوفة في القراءة بالفرنسية والإنجليزية، فالعربية تبقى الأقرب إليها خاصة بالنظر إلى غناها اللغوي وأدبها الرفيع.
بخصوص إيمان بلعباس، فالكتابة هي جزء من وجودها..تكتب عن وطن جديد مختلف يحمل التغيير الذي أردته منذ انطلاق "الربيع العربي" وحركة 20 فبراير، تكتب للآخرين بعدما كانت تكتب لنفسها، هي طالبة في كلية الطب بالرباط، ولجت عالم الكتابة انطلاقاً من مدونتها التي عرّفتها على شباب طموح متطلع لغد أفضل، فشكلوا عالماً خرج من الوهم إلى الواقع.
لماذا بالعربية؟ تجيب إيمان أنها أحبت هذه اللغة منذ الصغر، واستمر الحب إلى شبابها، حيثُ وثَّقتْ بها قصص شعب يعاني، قصص الطفولة المحرومة، معاناة طلبة الطب، الآراء السياسية..فالعربية كانت أكثر قرباً منها من أي لغة أخرى، لذلك استعمرت كل مساحاتها حتى داخل صفحتها بالفيس بوك.
أما فدوى ميسك، مديرة المجلة الإلكترونية "قنديشة"، فهي ترى أن الكتابة لا تخص تكويناً دراسياً معيناً: "نحن نكتب قبل أن نعرف ما الذي علينا فعله في الحياة، نحن نكتب كلما كبرنا في الحياة، وكلما اقتنعنا أن الكتابة تمكّننا من توثيق فكرة أو تشكيل كلمات لصناعة الجمال".
فدوى أكملت دراسة الطب واتجهت على غير عادة أقرانها إلى ميدان الصحافة الذي تشتغل به حاليا، سبب هذا التحوّل هو لقاء جمعها برئيس تحرير جريدة مغربية، الذي راق له ما تكتبه على مدونتها الخاصة، واقترح عليها أن تبدأ بالتعاون مع جريدته، وفي تلك الأثناء كان عُود تجربتها في الكتابة يشتد داخل نادٍ أدبي كانت تنظمه رفقة أصدقائها.
تشتغل حاليا فدوى مع بعض الجرائد الناطقة باللغة الفرنسية، كما أصدرت العام الماضي قصة قصيرة ضمن مجموعة قصصية لعدد من الكتاب، وهي الآن في الأعتاب الأخيرة لإصدار روايتها الأولى، "كُنت في مرحلة الثانوية أكتب بالعربية، غير أن الدراسة في الكلية بشكل تام بالفرنسية جعلتني أكتب حالياً بهذه اللغة، فلو كنت لا أزال أتقن الكتابة بلغة الضاد لمّا ادخرت جهداً في ذلك" تقول فدوى.