مشهد لم يكن مألوفا في نواكشوط؛ احتجاجات تقودها نسوة يطالبن بسن قوانين تحميهن من العنف والاغتصاب، وتتحدث هؤلاء المتظاهرات عن تزايد مخيف لجرائم القتل والاغتصاب في حق النساء في موريتانيا.
تعتبر رابطة النساء معيلات الأسر واحدة من أكثر المنظمات الحقوقية نشاطا في الدفاع عن حقوق المرأة في موريتانيا، وتتحدث هذه الرابطة عن ضعف الترسانة القانونية التي تحمي المرأة من العنف، ولكنها تشتكي في الوقت ذاته من نقص الوعي لدى النسوة بحقوقهن القانونية، فأغلب حالات العنف التي تسجل بين الازواج لا تصل إلى المحاكم بسبب الحماية الاجتماعية.
وتتظاهر حقوقيات بين الفينة والأخرى للمطالبة بتوفير الحماية القانونية والاجتماعية لضحايا الاغتصاب من النساء. وذلك من خلال تفعيل دور المؤسسات الأمنية والقضائية للضرب على أيدي المتورطين في حالات اغتصاب فتيات، كما تجمع على ذلك أكثر من منظمة نسوية موريتانية.
وتقول الحقوقيات إن أسلوب العقاب القاسي لو كان متبعا في السابق لما انتشرت حالات العنف اليومي ضد النساء. وطالبن بتخفيف شروط إثبات الاغتصاب الذي يتيح للمجرمين الإفلات من العقوبة دائما، لأنه من المعروف أن الدليل يطرح مشكلة في هذه الحالات نظرا لانعدام وجود شاهد إثبات في حالات الاغتصاب التي تقع دائما في مكان معزول أو خال من المارة، إضافة إلى انعدام وسائل فحص الحمض النووي في موريتانيا.
وفي المقابل تعتبر أجهزة الأمن الموريتاني أن ما يثار حول قضايا الاغتصاب مبالغ فيه وما حدث مجرد حالات استثنائية، تقتضيها طبيعة البشر والمدن الكبيرة ولا يدعو إلى القلق.
وترى المدافعات عن حقوق المرأة في موريتانيا أنه على الرغم من أن الإفلات من العقاب يمثل أكبر عقبة في وجه محاسبة المجرمين، فإن ثمة معوقات أخرى أكثر تجذرا في المجتمع يصعب التغلب عليها بين عشية وضحاها. فالعادات الاجتماعية والعقلية السائدة ونظام القرابة والقبيلة والجهة وسيطرة ثقافة الشرف كلها عوامل تحول دون مجرد الإبلاغ عن حالة الاغتصاب من قبل ذوي الضحية.
ويبدو القانون الموريتاني الذي يستمد روحه من الشريعة الإسلامية واضحا وصارما تجاه جريمة الاغتصاب، لكنه في الوقت نفسه يشترط في تطبيقه وجود متخاصمين أو على الأقل وجود أطراف يحركون قضية ما، وهذا هو الشأن في كل حالات الاغتصاب التي تعرض أمامه، لكنه قد يفتقد سلطته في بعض الحالات التي تحتاج إلى دليل إثبات قوي جدا أو اعتراف الجاني.
ويعاقب القانون الجنائي الموريتاني على جريمة الاغتصاب في المادتين الـ309 والـ310 بالأشغال الشاقة المؤقتة والجلد، وإذا كان المعتدي متزوجاً يعاقب بالرجم، كما فصلت المادة الـ310 في نوعية الأشخاص الذين ينبغي أن تطبق عليهم العقوبة التشددية، كأولئك الذين تربطهم علاقة قرابة مع الضحية أو لهم سلطة عليها كرب العمل أو المعلم.
إلا أن رجال قانون يؤكدون وجود بعض العوامل القوية التي تحد من فاعلية العقوبة كغياب الوعي الديني والأخلاقي وانتشار المحفزات الجنسية من أفلام ومواقع إنترنت وطغيان عامل المادة، وهو ما يحرم الكثير من الشباب من الزواج ويجعلهم يلجأون إلى إشباع رغباتهم بطرق الاعتداء الجنسي.
كما يرون أن العقوبة ستظل غير رادعة، مطالبين بمراجعتها وتشديدها لأن الجلد لا يطبق عادة، وإنما يحل محله الحبس.
ورغم غياب إحصائيات دقيقة حول حوادث الاغتصاب والقتل في موريتانيا إلا أن “منظمة آدم لحماية الطفل والمجتمع″ أعلنت أن 800 حالة اغتصاب تقع سنويا أكثرها في المدن الكبيرة خاصة العاصمة نواكشوط، وأشارت دراسة أخرى نشرتها “الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل” إلى أن 9 على 10 من ضحايا الاغتصاب لا يبلغن السلطات بذلك بسبب الضغوط الاجتماعية والطبيعة المحافظة للمجتمع الموريتاني.
وقالت الدراسة إن 65 بالمئة من المغتصبات غير بالغات، و90 بالمئة منهن غير متزوجات، و23 بالمئة أمّيات، في حين تنتمي 84 بالمئة منهن إلى أسر فقيرة.
أشهر جرائم الاغتصاب التي حركت الشارع الموريتاني تلك التي تنتهي بالقتل، وهي جرائم تكررت عدة مرات في السنوات الأخيرة وكانت ضحاياها فتيات قاصرات.
ومن جانبها أكدت آمنة بنت المختار، رئيسة منظمة تهتم بمساعدة النساء اللاتي يتعرضن للعنف بمختلف أنواعه، لموقع “أخبار الآن” أن “أكثر من يرتكبون جرائم الاغتصاب هم من أصحاب السوابق الذين يمنحهم القضاء حرية مؤقتة”، مشيرة إلى أنها توصلت إلى هذه النتيجة “انطلاقا من استقراء قامت به منظمتها لجرائم اغتصاب سابقة”.
ودعت بنت المختار إلى سن قوانين تمنع منح الحرية المؤقتة للذين أدينوا بارتكاب جريمة الاغتصاب؛ فضلا عن إصدار قوانين أخرى جديدة تكون رادعة وكفيلة بإعادة الطمأنينة إلى الأسر التي باتت تضطر إلى مرافقة بناتها إلى المدارس.
وتنشط مبادرة “تكلمي” النسوية في مجال تغيير أسلوب تعامل المجتمع مع هذه الجريمة، وتسعى المبادرة التي تقودها شابات جامعيات ومدونات، إلى تشجيع الضحايا على الحديث عن الجرائم، والإبلاغ عنها، وهي بذلك تواجه تكتم الأهالي على تعرض بناتهن للعنف خوفًا من وصمة العار التي يلحقها المجتمع بضحية الاغتصاب.
وكشف تقرير المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان 2015 أن “الاغتصاب والعنف الأسري يشكلان أهم الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في موريتانيا، وازدادت ظاهرة الاغتصاب بشكل مقلق في السنوات الأخيرة وخاصة ضد القاصرات”.
ومن جهة أخرى يرى علماء اجتماع أن المجتمع الموريتاني بات يشجع على ارتكاب جرائم القتل، ويوفر الحماية لمرتكبيها، حيث يشجع المجتمع على جريمة القتل عبر مفاهيم خاطئة من قبيل الدفاع عن الشرف والغيرة.. موضحين أنه في أغلب الأحيان يمتنع والد الضحية عن تقديم شكوى ضد زوجها القاتل.
وأشاروا إلى أنه إذا كان الرجال في موريتانيا باتوا يقتلون زوجاتهم ذبحا بالسكاكين ودهسا بالسيارات ورميا بالرصاص لمجرد اشتباههم في سلوكهن، فإنه من غير الشرعي ولا المنطقي أن يفلت هؤلاء الأزواج من العقاب وهم من ارتكبوا القتل عمدا، ومع سبق الإصرار، واعترفوا بذلك، لعلمهم أنهم سيتم النظر إليهم في المجتمع كأبطال ولن يمكثوا في السجن إلا فترة وجيزة.