أصبح عمل الزوجين في وظيفة مشتركة ومكان واحد من القضايا التي باتت تشغل بعض المجتمعات العربية، لما لها من تأثيرات سلبية وأخرى إيجابية، بعدما بدأت بعض الحكومات تنظر إلى هذه الظاهرة على أنها من الأسباب التي تعطل سير العمل والإنجاز وتشوبها محاباة أحدهما للآخر.
وتسبب قرار الكثير من المديريات التعليمية بوزارة التربية والتعليم المصرية بمنع وجود الزوجين معًا في مكان عمل واحد، داخل المدارس أو الإدارات التعليمية، في إثارة حالة من الجدل الواسع حول جدوى صدور مثل هذه التعليمات ومدى إعاقة الزوجين لسير العمل داخل المنظومة التعليمية إذا تواجدا في مكان واحد، كزملاء في نفس الوظيفة.
وانقسم متابعون للقرار بين مؤيد لفكرة الفصل بين الزوجين في العمل، ومعارض لذلك، لكن عادل عبدالمنعم، وكيل وزارة التعليم، وأحد الذين ساندوا صدور القرار بمحافظة الفيوم (جنوب غرب القاهرة)، قال إن سبب صدور هذه التعليمات يرجع إلى أن وجود الزوجين معًا في مكان عمل واحد سلبياته أكثر من إيجابياته، بناء على تقارير الأداء الوظيفي التي تسجل بشكل شهري حول أداء الموظفين.
وأضاف أنه اكتشف أن وجود الزوجة مع الزوج في نفس الوظيفة والمكان يجعلها صاحبة القرار، على اعتبار أن الزوج لا يريد أن تغضب عليه، بالتالي يكون مضطرًا للاستجابة لها، بدافع عدم إثارة المشكلات معها، أو إرضائها كنوع من التودد إليها.
يضاف إلى ذلك، حسب عبدالمنعم، أنه في الكثير من الأحيان تنتقل مشكلات الزوج والزوجة من المنزل إلى مكان العمل، وأحيانا تطغى على الإنتاج الوظيفي، وهو ما يعرقل العمل خاصة إذا كان أحدهما مديرًا، وهو ما يؤثر على أداء الموظفين جميعًا.
وبعيدًا عن القرار، فإن قضية عمل الزوجين في مهنة بعينها وموقع عمل واحد، أصبحت مثارة مجتمعيًا على نطاق واسع، ولا يخلو النقاش حولها من الجدل والانقسام بين داعم للفكرة ومعارض لها بشدة.
الفريق الذي يؤيد عمل الزوجين معًا في مكان واحد، يبرر ذلك بأنه يدفع إلى المزيد من التقارب والانسجام بينهما، وهو ما يؤثر بشكل إيجابي على التلاحم الأسري، لا سيما عندما يكون الطرفان متفاهمين في المنزل، وهو ما يعزز نجاحهما في الحياة الزوجية.
ويبرر هذا الفريق رأيه بالقول إن شعور الزوجين اللذين يعملان معًا بنفس الوظيفة والمكان، يجعلهما يعينان بعضهما البعض للانتهاء من المهام الموكلة لأيّ منهما، ويؤدي مع الوقت لمعدلات إنجاز مرتفعة في العمل، ومن ثم سهولة الترقي الوظيفي، ما يعود بالنفع على الأسرة برمتها.
ويضفي شعور الطرفين بأنهما معًا داخل المنزل والعمل ولا يتفرقان ويذهب كلاهما إلى عمله بعيدًا عن الآخر، المزيد من التقارب والتفاهم، لأنهما أصبحا شريكين في كل شيء.
ويقول مؤيدو هذا الرأي، إن وجود الرجل بالقرب من مكان عمل زوجته يدفعه إلى تغيير نظرته الضيقة إليها من حيث كونها لا تقوم بأعمال مرهقة وسيكون متأكدا من مدى قيامها بمجهود وظيفي يبني من خلاله أكثر من مبرر لتقصيرها في أداء واجباتها كزوجة، لا سيما أنه يقوم بنفس العمل.
ويخشى المعارضون لهذا الاتجاه أن يتسبب العمل المشترك والرقابة اللحظية في التأثير سلبا على الحياة الزوجية في المنزل، ويدرك كلاهما أنه تحت المجهر طوال الوقت، وارتكابه أي خطأ بعيد عن طبيعة العمل من شأنه أن يثير المشكلات ويؤثر على العلاقة بينهما. ويقول هؤلاء إن انتقال المشكلات بين الزوجين من المنزل إلى العمل والعكس، يباعد المسافات بينهما، كما أن وجودهما معًا باستمرار في كل مكان، في المنزل أو المواصلات أو جهة العمل، يصيب كلاهما أو أحدهما على الأقل بحالة من الملل، ويتلاشى الشعور بالاشتياق لعدم رؤية أيّ منهما للآخر لفترة طويلة.
الأكثر من ذلك، حسب بعض المتخصصين في العلاقات الأسرية، تقيّد الرقابة المستمرة بين الزوجين بسبب تواجدهما بنفس المكان طوال الوقت، من الحرية الشخصية، في القول أو الفعل، ويتحسس كل طرف تصرفاته لتجنب مضايقة شريك حياته رغم أنه يشعر بضيق شديد لإحساسه بأنه مقيّد الحركة والكلام بتلقائية.
وقالت أستاذة علم اجتماع الأسرة بجامعة الزقازيق سامية نصر، إن وجود الزوجين معًا في وظيفة واحدة سلبياته أكثر من إيجابياته، لأن مع زيادة مشكلات الحياة أصبح كل طرف ينتظر لحظة خروجه من المنزل للتحدث مع شخصيات أخرى بحرية وتلقائية للهروب
من حالة الملل الموجودة بمنزل الزوجية، ولئن تعرف الزوجان على بعضهما البعض في العمل فإن وجودهما معا بمرور الوقت يكون مبعثًا للمشكلات الأسرية. وأضافت أن المشكلة تتصاعد إذا كان أحدهما “مريضا بالغيرة”، أو لم يعتد على التفريق بين المشكلات الشخصية والعمل، والعكس بالعكس، ستتولد أزمات كثيرة، لكن اشتغالهما في مكانين متباعدين يمنح كل طرف إمكانية أن يعيد حساباته إذا حدثت مشكلة بينهما، وعندما يكون القاسم المشترك بينهما المنزل والعمل، فإن أحاديثهما معًا لن تخرج عن هذا الإطار، ما يصيب الحياة الزوجية بالملل لعدم التغيير والسير على نمط واحد.