جمع المؤتمر السنوي الرابع للجمعية المصرية لرعاية الصحة الإنجابية في القاهرة، مؤخرا، عددا من المتخصصين في العلوم الطبية والعلوم الشرعية لبحث عدد من القضايا الشائكة حول التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب.
وشهد المؤتمر طرح قضية شائكة وملف مسكوت عنه يتعلق بصحة النسب الشرعي للطفل المولود من عملية التلقيح الصناعي في حالة طلاق الزوجين أو وفاة أحد الأزواج قبل إتمام عملية تلقيح البويضة المأخوذ من الزوجة بالحيوان المنوي الخاص بزوجها.
وتعترض الدكتورة سهير عبدالعزيز أستاذة الاجتماع وعميدة كلية الدراسات الانسانية بجامعة الأزهر، علی الرأي القائل بوقف استكمال عملیة التلقیح حيث تری “من الناحية الاجتماعية أن هذه البويضة الملقحة حق للزوجة، لأنها تمت بمشقة كبيرة منها، وقد لا تستطيع الإنجاب مرة أخرى إذا كان أملها في هذا ضعيفا. أضف إلى هذا أن استكمال عملية التلقيح ربما تكون وسيلة لاستعادة العلاقة الزوجية من جديد، وإن لم يحدث ذلك فإن هذا الجنين يعتبر عوضا ومواساة للزوجة، وإذا كانت مصممة وراغبة في إتمام العملية، فلماذا نحرمها من هذا الحق وهذا الأمل؟".
وحول هذه القضية اشترط الشيخ سيد سليمان، من علماء الأزهر الشريف، “أن تكون العلاقة الزوجية بين الزوج وزوجته قائمة وأن يكون الزوج على قيد الحياة عند إتمام عملية التلقيح المختبري للبويضة الخاصة بالزوج، محذرا من أن في حالة وقوع طلاق بين الزوجين أو وفاة الزوج فإن زرع البويضة الملقحة بالحيوان المنوي يكون غير شرعي".
إلا أن الدكتور محمد السماحي أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر له رأي مخالف حيث يقول “إن الزوجة الملقح جنينها في الأنابيب وهو في مرحلة التهيئة للزراعة من حقها أن تكمل المرحلة الحمل، لأنه زرع برغبتهما المحضة، وأصبح هذا التكوين مرحلة من مراحل الحمل وزرعه مرحلة أخری، وكل هذه المراحل أصبحت من حق الزوجة ولا يصح أن يكون الانفصال مانعا لاستمرار عملية التلقيح الصناعي".
وينضم الدكتور محمد بكر إسماعیل، أستاذ التفسیر وعلوم القران في کلیة الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر إلى الفريق الرافض للإجهاض في حالة طلاق الزوجين بعد عملية التلقيح الصناعي قائلا “إذا کان الطفل قد تخلق، فلا يجوز إجهاضه بحال من الأحوال سواء كان في رحم الأم أو في الأنبوب المختبري،لأن بقاء الجنین أولی من التخلص منه".
من ناحيته فإن الدكتور محمد عبدالمنعم حبش أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق، جامعة عين شمس، يتبنّى وجهة نظر مختلفة حيث يقول “إن تمام عملية التلقيح الصناعي ليست ملزمة للطرفين، ويمكن لأي طرف منهما رفض استكمالها، فهذا التلقيح ليس إلا مجرد إفراز سواء من الزوج أو الزوجة وقد يشبه العزل بالنسبة إلى ماء الرجل ويقاس على ذلك أيضا ماء المرأة.. ولا يمكن أن تقاس هذه الإجراءات الاصطناعية بما يحدث بالطريقة الطبيعية بين الزوجين والتي لا دخل فيها للزوجين، فدورهما يتوقف عند حد الفعل والممارسة فقط لا غير، وما يحدث بعد ذلك فله قانون إلهي لا يد فيه للبشر".
وحول هذه القضية الشائكة يوضح الدكتور فرحات عبدالعاطي عميد كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر “إن الإسلام شجع على التناسل ضمانا لبقاء النوع البشري وعدم انقراضه، وحدد الطريق إلى ذلك بالنكاح الشرعي، ويعدّ الإنجاب المقصود الأسمى من تشريع الزواج، ولذلك وصف الله المؤمنين بقوله عز وجل “والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين”، ولكن قد يحدث أن يتعرض الرجل أو المرأة لعيب يمنع الإنجاب عن طريق الاتصال الجنسي الطبيعي مع إرادة الزوجين أن يرزقهما الله بالولد، فهنا يعطيهما الشارع الحكيم حقهما في إزالة السبب المانع من الحمل بكل الطرق العلاجية المشروعة المفيدة، طبقا لمبدأ ما خلق الله داء إلا وخلق له دواء، وبالطبع فإن التلقيح الصناعي كأحد العلاجات الحديثة، له أساليب مختلفة منها ما أقره الشرع ومنها ما نهى عنه لعدم اتفاقه مع الأصول الشرعية".
وأضاف “ومن تلك الأساليب المباحة أن تؤخذ نطفة من الزوج وبويضة من زوجته ثم يوضعا في أنبوب اختيار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى يتم التلقيح، وبعد أن تأخذ البويضة الملقحة في الانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة لتعلق في جداره وتنمو جنينا في نهاية مدة الحمل الطبيعية ليولد طفل أو طفلة، وهذا هو ما يسمى بطفل الأنبوب الذي حققه الإنجاز العلمي".
ويؤكد فرحات “أن أغلبیة الفقهاء المعاصرين أجازوا هذه الصورة من صور التلقيح الصناعي، غير أنهم اشترطوا لهذا الجواز شروطاً منها، أن يكون في الزوجة التي يراد استخلاص البويضة منها لتلقح خارجياً مانع فيزيولوجي طبي، يعوق اتصال الحيوان المنوي بالبويضة كأن يكون في مبيضها أو في قناة فالوب انسداد لا يمكن معالجته بالعقاقير. أما إذا كانت أعضاؤها سليمة فإن إجراء هذا التلقيح الصناعي لا يجوز.
وهو نفس ما يتفق معه الدكتور صبري عبدالرؤوف أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية، في جامعة الأزهر الذي يؤكد أن “الفقهاء أجمعوا على أن إثبات النسب يكون بمعاشرة الزوج زوجته بعد العقد الصحيح، فإذا عقد الرجل علی امراة ودخل بها وأتت بولد بعد ستة أشهر فإن الولد ينسب له. أما إذا أتت بولد قبل ستة أشهر من تاريخ الدخول بها فإن الولد لا ينسب إلى الزوج".
مشيرا إلى أن “الشريعة الإسلامية أباحت لكل من الزوجين التداوي من أجل الإنجاب، فإذا قرر الأطباء أن الحمل مستحيل عن طريق المعاشرة الزوجیة، و لكن یمكن عن طریق أطفال الأنابیب أو ما يسمى بالتلقيح الصناعي فلا مانع من ذلك بشرط أن نثق بالطبيب الذي يقوم بهذا العمل".