أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان تقريرا جديدا بعنوان “عالم منقسم: الصحة والحقوق الإنجابية في زمن عدم المساواة” أظهر فيه العلاقة الترابطية بين الصحة الإنجابية وعدم المساواة في الوضع الاقتصادي.
وأكد التقرير أن عدم المساواة في الصحة الإنجابية يتأثر بشكل كبير بنوعية النظام الصحي وإمكانية الوصول إليه وكذلك بعدم المساواة بين الجنسين، بما يؤدي إلى عدم تمكّن المرأة من العناية بصحتها الجنسية والإنجابية. وأشار إلى أن التغلب على تلك العقبات ومعالجة عدم المساواة بين الجنسين هي من الأمور الحاسمة للحد من أوجه عدم المساواة في الصحة الجنسية والإنجابية وبالتالي إحراز تقدم في الحد من أوجه التفاوت الاقتصادي.
وتقول ناتاليا كانم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، في هذا الشأن “إن المرأة التي لا تستطيع التمتع بصحتها وحقوقها الإنجابية لن تكون قادرة على التمتع بنصيب عادل في الاقتصاد”.
وتضيف ناتاليا كانم “يجب ألا تكون هناك علاقة بين الثراء وإمكانية تمتع المرأة أو الفتاة بصحتها وحقوقها الإنجابية. هذه هي النقطة التي أكد عليها تقرير حالة السكان في العالم لعام 2017 والتي تتمثل في ضرورة إنهاء عدم المساواة”.
وقالت كانيم في فعالية عُقدت مؤخرا بالجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك “إن المخاطر التي تواجهها النساء والفتيات كبيرة بصورة غير متناسبة بينما الخدمات والدعم المتوفران لهن قليلان بشكل غير متناسب”، وأكد ممثلو الحكومات والشركاء في المجال الإنساني من جديد على أهمية توفير إمدادات الصحة الإنجابية في الأزمات الإنسانية.
وأضافت “في مثل تلك الظروف، تتعرض الحياة للخطر وتتحطم الأحلام وتصبح الكرامة والسلامة في خطر”.
وتحدث نحو 60 بالمئة من وفيات الولادة التي يمكن تلافيها في العالم في حالات الأزمات والهشاشة. ويمكن منع العديد من هذه الوفيات عن طريق إتاحة إمدادات تنظيم الأسرة، التي تحُول دون حالات الحمل غير المقصود في البيئات الخطرة، مع توفير الإمدادات الخاصة بالصحة الإنجابية.
كما أن الإمدادات الخاصة برعاية الناجيات من العنف الجنسي – مثل وسائل منع الحمل الطارئة والأدوية اللازمة لمنع انتقال فيروس نقص المناعة البشرية – هي أيضا أمور بالغة الأهمية.
وقال مارك لوكوك، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية موضحا “تتعرض النساء والفتيات للهجوم أثناء فرارهن وأثناء سعيهن للحصول على الحماية، وأثناء جلبهن للماء أو إحضار الطعام، بل وحتى أثناء استخدامهن لدورات المياه في المخيمات التي يلتمسن فيها الحماية”.
وكشف تقرير حالة سكان العالم 2017 اتساع الفجوات في الثروات بشكل متسارع في العالم، حيث يكافح المليارات من البشر في القاع، ويعانون من حرمان لحقوقهم الإنسانية ويفتقدون للأمل في الوصول الى حياة أفضل.
وأضاف التقرير أن الأبعاد المرتبطة بعدم المساواة بين الجنسين ومنها عدم المساواة في الوصول الى الصحة والحقوق الجنسية والصحية لم تحظ بالاهتمام المطلوب، مما يبقي على الكثير من النساء والفتيات مقيدات ويعانين من الفقر وضعف الإمكانيات والحقوق الإنسانية الضائعة والقدرات المهدورة. وأشار إلى أن 179 حكومة من دول العالم اتفقت خلال المؤتمر الدولي للسكان والتنمية عام 1994 على أن الصحة الإنجابية هي حق إنساني عالمي، فلجميع النساء والفتيات الحق في امتلاك المعلومات والقدرة والوسائل الضرورية واللازمة ليقررن متى يصبحن حوامل، وكم مرة يردن ذلك.
وقال إن احتمال ولادة النساء دون مساعدة أعلى بكثير في الدول الخمس الأشد فقراً مما هو الحال لدى النساء اللاتي ينتمين إلى الدول الخمس الأكثر ثراء في الدول النامية، وهي الدول التي تعاني فيها 12.8 مليون فتاة مراهقة من عدم تلبية حاجاتهن إلى وسائل تنظيم الأسرة. وتساهم تشريعات العديد من الدول في إقصاء النساء عن القوى العاملة بأجر، فمن أصل 173 نظاما شملها التقرير، فإن 46 نظاماً يفتقر الى قوانين خاصة بالعنف الأسري. إضافة الى أن الفجوة في الأجور بين الجنسين التي تؤدي إلى انخفاض مداخيل النساء، ويؤدي عدم المساواة بين الجنسين في مجال التعليم إلى انخفاض آخر في مداخيل النساء، وبالتالي الخروج من سوق العمل قسرا.
وتواجه النساء قائمة طويلة من المساوئ في مكان العمل. فهن يواجهن من العقبات أمام وصولهن للوظائف مرتفعة الأجر أكثر مما يواجهه الرجال على سبيل المثال. وعندما تنجب النساء، يكون من المرجح أن يواجهن “عقوبة على أمومتهن”، حيث يحصلن على أجر أقل من نظيراتهن اللاتي ليس لديهن أطفالا. ويُطاح بكثير من الأمهات خارج قوة العمل تماما لأنهن غير محميات من التمييز، فهن يفتقرن لإجازة الأمومة أو لا يحصلن على رعاية الطفولة ميسورة التكلفة.
وثمة إجراءات يمكن أن تساعد على بقاء النساء في مكان العمل. فعلى سبيل المثال، تعزز رعاية الطفولة ذات التكلفة المعقولة مشاركة النساء في قوة العمل، كما هو الحال بالنسبة لإجازة الأمومة والأبوة، وغيرها من الخيارات التي توفر المرونة للوالدين.
وأظهر التقرير أن 43 بالمئة من حالات الحمل في الدول النامية هي حالات حمل غير مرغوب فيها، حيث يسجل في هذه الدول وبشكل سنوي 89 مليون حالة حمل غير مرغوب فيها، و30 مليون حالة ولادة غير مخطط لها، و84 مليون عملية إجهاض، و10 ملايين حالة إسقاط حمل، ومليون وفاة للمواليد. وأكد على أن الفتيات المراهقات لا زلن صغيرات على الحمل، فمن بين 10 حالة ولادة بينهن 9 حالات منها تحدث نتيجة لعلاقة زوجية،
وتشكل الفتيات دون عمر 15 عاما حوالي 1.1 مليون حالة من أصل 7.3 مليون حالة ولادة لمراهقات دون سن 18 عاماً سنوياً في الدول النامية. وتحدث 95 بالمئة من حالات الولادة للمراهقات في الدول النامية، كما تزداد حالات الولادة لدى المراهقات في الأرياف وحينما تكون المراهقات أشد فقراً وأقل تعليما.
واختتم التقرير بعدد من الإجراءات التي من شأنها معالجة أوجه عدم المساواة التي تحول دون نيل النساء وخاصة الفقيرات لحقوقهن وتطلعاتهن والعيش على قدم المساواة مع الرجال، إلى جانب توسيع فرص الحصول على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية مثل: الوفاء بكافة الالتزامات والواجبات تجاه حقوق الإنسان المتفق عليها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية. وتحطيم الحواجز التي تحول دون وصول الشابات إلى معلومات وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
بالإضافة إلى توصيل الرعاية الضرورية والمنقذة للحياة، الخاصة بمرحلة ما قبل الولادة وما بعدها، للنساء الأكثر فقرا. والوفاء بكافة الاحتياجات لتنظيم الأسرة التي لم يتم تلبيتها، وإعطاء الأولوية للنساء في الـ40 في المئة الأكثر فقرا من الأُسر. وتوفير الأرضية لحماية اجتماعية شاملة، توفر الدخل الأساسي الآمن وتغطي الخدمات الأساسية، بما فيها الاستحقاقات والدعم المتعلقين بالأمومة.
ودعم خدمات كرعاية الطفولة، لتمكين النساء من دخول القوة العاملة المأجورة. وتبنّي سياسات تقدمية تهدف إلى تسريع وتيرة زيادة الدخل بين الـ40 في المئة الأكثر فقرا، بما في ذلك عن طريق زيادة الاستثمارات في رأس المال البشري، في الفتيات والأمهات.