تشيرُ أبسطَ مفاهيمِ الأمن الغذائي إلى وفرةِ الغذاء للأفرادِ مِنْ دُونِ أي نقص؛ إذ أنَّ إعلانَ حكومة أيِّ بلدٍ فِي مختلفِ أرجاء المعمورة عَنْ تحققِ الأمن الغذائي يعطي دلالات ضامنة لتوافرِ الطعام، فضلاً عَنْ تطمينِ أفراد مجتمعها بعدمِ الخشيةِ مِن الجوعِ أو احتمال التعرض لحالاتِ مجاعة بسببِ مشكلات الشحن ونقص موارد الطاقة الناجمة عَنْ نشوبِ الحروب، فضلاً عَنْ عوامل أخرى تتعلق بالأحوالِ الَّتِي تفضي إلى عدمِ الاستقرار السياسي، أو بفعلِ المخاطر المتأتية مِنْ مختلفِ أنواعِ الكوارثِ الطبيعية كالجفاف، الفيضانات، الأعاصير والزلازل. وبعبارة أخرى يقود تصريح الحكومات حول توفر الطعام للسكانِ إلى التيقنِ مِنْ أنَّ الأسرَ تٌعَدّ مؤمنة غذائياً، ما يعني إسقاط فرضية تعرض مواطنيها للجوع، بالإضافةِ إلى إبعادِ شبح الخوف مِن الموتِ جوعاً. بصورةٍ عامة، يعتمد تحقيق الأمن الغذائي بشكلٍ أساس عَلَى سلوكِ القيادات الإدارية أحد سبيلين، أولهما سير الحكومة بمقتضى خطط علمية منظمة تقود إلى تكفل القِطاع الزراعي بتلبيةِ جميع احتياجات البلاد مِن أنواعِ الغذاء، فيما ينحى الطريق الآخر صوب الركون إلى شراءِ المواد الغذائية الأساسية مِن الخارج، عَلَى الرغمِ مِنْ خطورةِ هذا التوجه؛ جراء التقلبات الَّتِي تؤدي ارتفاع أسعارِ الغذاء فِي الأسواق العالمية فِي ظلِ ما تباين مِن الظروف. وقد وجد بأنَّ الأمن الغذائي يصبح غير مكفول، وَلاسيَّما فِي البلدانِ الفقيرة الَّتِي تعتمد عَلَى الأمطارِ في مهمةِ إنتاج المحاصيل الزراعية، إلى جانبِ متطلبات الماشية مِن الغذاء، عندما يقل المطر ويعم الجفاف؛ إذ ليس بوسعِ حكومات تلك البلدان حينئذ إيجاد السبل الكفيلة بتغذيةِ سكانِها مِن مواردٍ محلية، بالإضافةِ إلى إخفاقِها فِي تأمين الغذاء بطريقةِ الاستيراد؛ نتيجة عجزها المتأتي مِنْ فقرِها، الأمر الَّذِي يفتح الباب واسعاً أمام حدوث مجاعات تؤدي بحياة مئات الالوف مِن البشرِ وربما الملايين، فضلاً عما تخلفه مِن آثارٍ صحية عَلَى السكان؛ نتيجة تعرضهم لعواقبِ قلة الغذاء. تأسيساً لما تقدم، يمكن القول إنَّ مهمةَ استقرار الأمن الغذائي فِي بلادنا، تتطلب مِنْ إدارةِ الأمن الداخلي جهداً استثنائياً منظماً فِي مواجهةِ محاولات استغلال الظروف الحالية لزعزعةِ الروح المعنوية وترهيب الجمهور والتلاعب بمشاعره؛ باعتمادِ سياسةِ احتكار المواد الغذائية ورفع أثمانها، تعبيراً عَنْ عدمِ التهاون مع ضعاف النفوس وتجار الحروب الَّذين فاحت روائح السحت الحرام مِنْ أجسامهم، إلى جانبِ ضرورةِ التركيز علَى توعيةِ الشعب بضرورةِ تفهم معطيات ما يحتمل مِنْ الأزمات، وَالَّتِي توجب التماسك ونبذ النشاز مِن الأصواتِ الرامية إلى تشتيتِ وحدة البلاد بوساطةِ إثارة الهلع ما بين المواطنين؛ بالنظرِ لتحسب الجهات المعنية لحالاتِ الطوارئ وتأمينها خزيناً كبيراً مِن الموادِ الغذائية يغطي حاجة البلاد لأشهرٍ تتعدى زمن الأزمات، فضلاً عَنْ أهميةِ توجه العائلة العراقية لاقتناءِ ما يغطي حاجتها مِن الموادِ الغذائية عوضاً عَنْ التخزينِ غير المبرر. ويضافُ إلى ذلك قيام الأجهزة الامنية المحلية بإجراءِ لقاءات مع تجارِ المواد الغذائية بقصدِ التوعية بمخاطرِ الازمات، وَالَّتِي مِنْ بين أهدافها خلخلة الوضع الأمني، ما يفرض عَلَى الجميعِ المساهمة فِي تكريس ثوابت توحيد الكلمة، والنظر إلى مصلحة الوطن، بوصفِها غاية سامية تفوق كُلّ الاعتبارات، وتتجاوز جميع الخلافات.