أول هذه اللطائف حول تفريق العرب بين مراحل الضحك فالتبسم هو أول المراتب
جاء في اللسان : بَسَمَ يَبْسِم بَسْماً وابْتَسَمَ وتَبَسَّم: وهو أَقلُّ الضَّحِك وأَحَسنُه.
وفي التنزيل: (فَتَبَسَّم ضاحِكاً من قولها)سورة النمل /19 ؛ قال الزجاج : التَّبَسُّم أكثرُ ضَحِك الأَنبياء، عليهم الصلاة والسلام.
وقال الليث: بَسَمَ يَبْسم بَسْماً إذا فَتَح شَفَتَيه كالمُكاشِر، وامرأَة بَسَّامةٌ ورجل بَسَّامٌ.
وفي صفته، صلى الله عليه وسلم: أَنه كان جلُّ ضَحِكهِ التَّبَسُّم. ولا تقول العرب (الابتسام) ، وإنما بسم بسماً وتبسّم تبسّماً وليس ابتساماً . ومن سمى ابنته ابتساما فليعلم أنه ليس من اشتقاقات العرب.
2 - ثم الضحك
3 - ثم الإهلاس، وهو إخفاء الضحك . قال ابن منظور :
والإِهْلاسُ ضحك فيه فتور.
وأَهْلَسَ في الضحك: أَخفاه؛ قال:(تَضْحَكُ مِنِّي ضَحِكاً إِهْلاسا) أَراد: ذا إِهْلاسٍ، وإِن شئتَ جعلته بدلاً من ضحك؛ وأَما قول المرار:
طَرَقَ الخَيالُ فهاجَ لي، من مَضْجَعِي،*** رَجْعُ التَّحِيَّةِ في الظَّلامِ المُهْلِسِ
أَراد بالمُهْلِس الضعيفَ من الظلام.
4 - ثم الافترار والانكلال وهما: الضحك الحسن، وقد ورد في حديث شريف أنَّ السحاب يضحك ويتحدث، فقال فيه ابن منظور : يجوز أَن يكون أَراد بالضحك: افْتِرارَ الأَرض بالنبات وظهور الأَزْهار، وبالحديث: ما يَتَحدَّثُ به الناسُ في صفة النبات وذِكْرِه؛ ويسمى هذا النوعُ في علم البيان: المجازَ التَّعْليقِيَّ، وهو من أَحْسَن أَنواعه. فالافترار ضحك كما قال ابن منظور في باب(ف ر ر) :
وافْتَرَّ الإِنسان: ضحك ضَحِكاً حسناً وافْتَرَّ فلان ضاحكاً أَي أَبدى أَسنانه.
وافْتَرَّ عن ثَغْره إِذا كَشَرَ ضاحكاً؛ ومنه الحديث في صفة النبي، صلى الله عليه وسلم: ويَفْتَرُّ عن مثل حَبِّ الغَمام أَي يَكْشِرُ إِذا تبسم من غير قَهْقَهَة، وأَراد بحب الغمام البَرَدَ؛ شبَّه بياض أَسنانه به.
5 - أما الانكلال فقالت فيه معاجمنا : انْكَلَّ الرجلُ: ضحك. وانكلَّت المرأَة فهي تَنْكَلُّ انْكِلالاً إِذا ما تبسَّمت؛ وأَنشد ابن بري لعمر بن أَبي ربيعة:
وتَنْكَلُّ عن عذْبٍ شَتِيتٍ نَباتُه،*** له أُشُرٌ كالأُقْحُوان المُنَوِّر
وانْكَلَّ الرجل انْكِلالاً: تبسَّم؛ قال الأَعشى:
ويَنْكَلُّ عن غُرٍّ عِذابٍ كأَنها ***جَنى أُقْحُوان، نَبْتُه مُتَناعِم
يقال: كَشَرَ وافْتَرَّ وانْكَلَّ، كل ذلك تبدو منه الأَسنان.
وأصل الانْكِلال كما أظن ظهور الغَيْم بالبَرْق، وهو قدر ما يُرِيك سواد الغيم من بياضه ، فانكلال الغيم بدوُّه إذا ما لمع البرق .
6 - ثم الكتكتة أشد منهما ، والأصل فيها : كَتَّتِ القِدْرُ والجَرَّةُ ونحوُهما تَكِتُّ كَتِيتاً إِذا غَلَتْ، وهو صوتُ الغَلَيان؛ وقيل: هو صوتُها إِذا قَلَّ ماؤُها، وهو أَقَلُّ صَوْتاً وأَخْفَضُ حالاً من غَلَيانها إِذا كثُر ماؤُها، كأَنها تقول: كَتْ كَتْ، وكذلك الجَرَّة الحديدُ إِذا صُبَّ فيها الماءُ ، والكَتْكَتةُ في الضحك: دون القَهْقَهة.
وكَتْكَتَ الرجلُ: ضَحِكَ ضَحِكاً دُوناً؛ قال ثعلب: وهو مثلُ الخَنين. الأَحمر: كَتْكَتَ فلانٌ بالضك كَتْكَتَةً، وهو مثل الخَنينِ.
7 - ثم القهقهة، قال الليث : (قَهْ ) يُحْكَى به ضَرْبٌ من الضَّحِك، ثم يُكَرَّرُ بتَصْريفِ الحكاية فيقال: قَهْقَهَ يُقَهْقِه قَهْقَهَةً إذا مدَّ وإذا رجَّع. وقال ابن سيده: قَهْقَهَ رجَّع في ضَحِكه، وقيل: هو اشتدادُ الضَّحِك، قال: وقَهْ قَهْ حكايةُ الضَّحِك. وقال الجوهري: القَهْقَهَةُ في الضحك معروفةٌ، وهو أَن يقول قَهْ قَهْ.
8 - ثم القرقرة ، مثل سابقتها .
9 - ثم الكركرة، وهي كسابقتيهــــا .
10 - ثم الاستغراب ، وقد جاء في دُعاءِ ابنِ هُبَيْرَة: أَعُوذُ بك من كل شيطانٍ مُسْتَغْرِبٍ، وكُلِّ نَبَطِـيٍّ مُسْتَعْرِبٍ؛ قال الـحَرْبيُّ: أَظُنُّه الذي جاوَزَ القَدْرَ في الخُبْثِ، كأَنه من الاسْتِغْراب في الضَّحِك، ويجوز أَن يكون بمعنى الـمُتَناهِي في الـحِدَّةِ، من الغَرْبِ: وهي الـحِدَّةُ؛ قال الشاعر: فما يُغْرِبُونَ الضَّحْكَ إِلاَّ تَبَسُّماً، * ولا يَنْسُبُونَ القولَ إِلاَّ تَخَافِـيَا شمر: أَغْرَبَ الرجلُ إِذا ضَحِكَ حتى تَبْدُوَ غُروبُ أَسْنانه.
وهكذا فالاستغراب هو تجاوز الحدود المنطقية والاجتماعية المشهورة في الأعراف والمجالس .
11 - ثم الطخطخة، وهي حكاية بعض الضحك. وطخطخ الضاحك قال: طيخ طيخ، وهو أَقبح القهقهة وبالتالي أقبح الضحك .
12 - ثم الزهزقة، وهي أن يذهب الضحك به كل مذهب. قال ابن منظور : الزَّهْزَقَةُ: شدَّةُ الضحِك، والزَّهْزَقَة كالقَهْقَهة؛ وأنشد ابن بري: (وإنْ نَأَتْ عَنِّيَ لم تزَهْزِقِ) أي لم تضحَك.
وأهْزَقَ فلان في الضحك وزَهْزَق وأنْزَقَ وكَوْكَبَ إذا أكثر منه.
وفي النوادر: زَهْزَقَ في ضحكه زَهْزَقةً ودَهْدَقَ دَهْدقةً.
والزَّهْزقةُ تَرْقيصُ الأُمّ الصبيَّ، والزِّهْزاقُ: اسم ذلك الفعل.
والزَّهْزَقة كلام لا يفهم مثل الهَيْنَمَه؛ رُوِي عن ابن خالويه. ومن الجذور القريبة للجذر (ز هـ ز ق) الجذر (هـ ز ق ) ، وفي لغة الجذور نلاحظ أنه يشير إلى الطيش والخفّة وعدم الاتزان :
هَزِقَ في الضحك هَزَقاً وأَهْزَق فلان في الضحك وزَهْزَقَ وأَنْزَقَ وكَرْكَرَ: أكثر منه.
ورجل هَزِقَ ومِهْزاق: ضَحّاك خفيف غير رَزِين. ومن مضارعات الزهزقةالدهدقة.
وامرأَة هَزقة بيِّنة الهَزَقِ ومِهْزاق: ضحَّاكة؛ وأَنشد ابن بري للأعشى:
حُرَّة طَفْلَة الأَنامِلِ كالدُّمْـ *** ـيِة لا عَابس، ولا مِهْزاق