رحل الجميع، وأغلقوا الباب عليهما، هو وهي، وحدهما؛ حبيبته التي أصبحت زوجته.. أخيرًا!
جاءتْ اللحظة التي انتظرها على مدار ثلاثة أعوام.. طالتْ خطوبتهما نعم، لكن رغمًا عنه؛ فقد قضى السنوات الثلاثة يسعى في الأرض؛ ليجلب المال الذي سيساعده على تأسيس حياتهما المشتركة.. تغرَّب، عانى الوحدة في بلاد بعيدة، لم يعرف فيها إلا البرد والوحدة، لم يُصبِّره إلا طيفها، ومكالماتهما الصوتية، وذكريات جمعتهما أيام الدراسة، قبل أن يتخرج، ويذهب لخطبتها من أبيها، ويسافر خارج البلاد؛ بحثًا عن الرزق.
غُلِّقت الأبواب، وظنّ صاحبنا أنه سينال حبيبته في الحلال أخيرًا.. ونسى أن ليس كل ما يظنه الإنسان يتحقق!
* * *
الجنس هو أكثر المحظورات شُهرة ورواجًا في مجتمعنا.. الكل يريده، الكل يهتم به حتى لو يقرف منه، دومًا هو فعل مُحاط بهالة من لذة استكشاف المجهول، التي تُغلِّف كل ممنوع فتجلعه مرغوبًا إلى حد الهوس؛ فالإنسان أسيرٌ لما يجهل.
المصيبة الحقيقية أنه محظور مُباح بكل الطرق، لكن بعيدًا عن العلن.. في المرحلة الإعدادية، عندما كُنّا ندق أبواب البلوغ واحدًا تلو الآخر، لم يكن لحديث أولوية تعلو على الجنس ومقاطعه المُصوّرة، التي يتبادلها الطلبة بشغف كأنها سر الأسرار.. لم نتلق أي ثقافة جنسية حقيقية، كُنّا جاهلين إلى حد كبير بأجسادنا وما يحدث لها من تغيُّرات، وبالتبعية جاهلون بشكل أكثر فداحة بالمرأة وجسدها وطبيعة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.
تخيَّل مجتمعًا يكتسب معظم ذكوره ثقافتهم الجنسية من الأفلام الإباحية!
* * *
صحيح أنه عانى كثيرًا في حياته التي لم تكن سهلة أبدًا، لكنه يقسم أنه لم يعرف لحظات تمتزج فيها المعاناة والانكسار، التي شهدها في أثناء نوبات الخوف التي كانت تصيبها، كلما همّ بالتوغل في علاقتهما الجسدية.. ان تجد رفضًا لكَ من البنت التي أحببتها، وبذلتْ للوصول لها سنوات من عمرك، ليس بالجرح النفسيّ الهيّن أبدًا.
كانت ترتعد وتكاد تصرخ، وهي تطلب منه أن يبتعد فورًا عنها.. ثم تنخرط بعد دقائق من الصمت بينهما في بكاء مرير يمزق قلبه، ويجلس أمامها غير فاهم.
* * *
طفل عمره 12 عامًا يغتصب ابنة عمته ذات الـ 8 أعوام.. هكذا يقول الخبر بكل بساطة، يقرأونه ويمصمص الجميع شفاههم، دون أن يبحثوا عن إجابة للسؤال: كيف ولماذا يمكن أن يحدث هذا؟
* * *
قرر أن ينحاز لزوجته وحبيبته التي اختارها، لم يُخبر أحدًا بأن دخلتهما لم تتم، ولا حتى خلال الشهور التي تلت زفافهما.. كانا يظهران أمام الناس في أتم حالات السعادة، بالرغم من الألم الذي مزقهما معًا.. زارا معًا أخصائية نفسية مؤتمنة، ثم بدأتْ جلسات الزوجة منفردة مع الطبيبة.. وبدأت رحلة العلاج النفسي التي ستستمر قرابة العام.
* * *
سمعتها من معظم الأزواج المصريين؛ حيث يحكي الواحد منهم عن أنه كلما طلب من زوجته الجماع، بادرته برد على معنى: "ألا تفكر إلا في هذا القرف؟!"
يرتبط الجنس في عقل معظم البنات في الثقافة العربية بالتحرُّش، الانتهاك.. التنبيهات العديدة التي تتلقاها طفلة وشابة بخصوص جسدها؛ فتشعر دومًا أنها تلعب دور الفريسة التي عليها الحذر، وإلا أصابتها طلقة الصيّاد.. تعيش في اختبار بطول حياتها، لا تعلم متى يأتي امتحانه، والرسوب هنا معناه الهلاك التام.
تُرسِّخ معظم الأمهات لدى بناتهن إحساسًا بالخوف يتصل بعلاقتها بجسدها، ومن ثمة علاقتها بجنس الرجال، الذي ستتزوج منه بطبيعة الحال؛ وبهذا تربي في العقل الباطن عقيدة لدى البنت أن الجنس ما هو إلا ممارسة مقرفة، شيء عليها أن تخاف منه طوال حياتها، وبعد الزواج عليها أن تقبل بما يفعله زوجها لإرضائه.. المهم ألا تكون المبادرة أبدًا؛ وكأن الفتاة الصالحة المؤمنة يجب أن تكون بلا رغبات، مُسطحة المشاعر كالمسخ!
مع أن الله خلقه مُتعة للإنسان في الدنيا، يمارسها في إطار الزواج بشرع الله وأحكامه.. متعة جسدية يبيحها الزواج؛ لإمتاع الإنسان، ولحفظ الذرية في الأرض.. شهوة من متع الحياة الكبرى؛ فكيف يجعل الله متعة الإنسان في شيء نريد أن نجعله قرفًا في الأذهان؟!
* * *
اليوم، بعد أكثر من ثلاثة أعوام من زواجهما، يتذكر صاحبنا ما جرى في عام زواجه الأول، ويبتسم.. وهو يتابع زوجته تعاني تعب الحمل، لكنه تعب يهون بجانب ما عاناه معًا؛ حتى شُفيت وأصبحت طبيعية في علاقتهما.. كان يعذرها مع تقدُّم العلاج؛ ففي كل مرة كان يدرك جانبًا مؤلمًا مما مرّت به من تجارب غاية في السوء في صغرها بخصوص الجنس، وكيف ساهمتْ أمها في تأصيل كل هذا بما زرعته داخلها، طوال عمرها، تجاه الجنس وممارسته من إحساس بالخوف والقرف.
* * *
معظم حالات الطلاق تبدأ من الفراش، لكن الجميع ينكر، ويُخبئ حقيقة الشرخ الذي بدأ من فشل العلاقة الحميمية وراء خلافات أخرى تصلح للتداول في العلن.
كم من زواج عن حب شاهدته يفشل أمام عينيّ؛ بسبب فشل الزوجين سويًا في الفراش؛ فلا الرجل يدرك ماهية العلاقة التي يرغب فيها بشكل كامل دقيق، ولا الفتاة تعلم عن هذا العالم إلا بعض المعلومات المشوهة الناقصة، وكل هذا مخبّأ خلف سياج من الخوف والقلق، وإحساس عام بأن كل ما يتصل بهذا العالم ما هو إلا قرف واستغلال لجسدها.
مسئولية الفشل مشتركة، لا يتحملها الرجل بمفرده ولا المرأة؛ فكل شيء يبدأ هناك، في الطفولة والمراهقة، في مراحل زرع البذور، وفي الكبر نجني الفشل.. ندّعي التديّن، ونتناسى أن السُنة النبوية مليئة للأحاديث النبوية التي ينصح الرسول فيها صحابته بالطريقة الحسنة للمعاشرة بين الزوج وزوجته، وكيف يجب للعلاقة الجنسية أن تكون في أصلها مودة ورحمة وسكنًا؛ لتصبح متعة وإشباعًا روحيًا وجسديًا لطرفيها.
نتناسى كل هذا، ونربي أطفالنا على الجهل الجنسي في زمن العلم، ونعتبر نشر الثقافة الجنسية الصحيحة عيبًا، بينما هي الطريق الآمن الوحيد للمستقبل.
أخيرًا، يجب أنوّه عن أن الحكاية التي رويتها خلال المقال ليستْ من نسج الخيال، بل سمعتها من صاحبها منذ عدة شهور، واستأذنته في أن أرويها باختصار، مع الحفاظ على سرية شخصه؛ لعلّها تساعد من لا يرى على الإبصار.. قبل أن تخرب المزيد من البيوت، التي كان يمكن أن تظل عامرة بالمحبة، لولا الجهل!