انتهي مصير طبيب في قطاع غزة مختص بعلاج الأزمات النفسية إلى السجن لمدة أربعة أعوام بتهمة التحرش الجنسي بإحدى مريضاته في سابقة نادرة في القطاع الفلسطيني المحافظ.
وحسب بيان لمحكمة بداية غزة التي تشرف عليها حكومة حركة حماس المقالة، فإن الطبيب أدين بتهمة ارتكابه "أفعالاً منافية للحياء" باستعمال أساليب تجعل المريضة عاجزة عن المقاومة.
وحسب البيان فإن المريضة كانت تتردد على عيادة الطبيب النفسي لتلقي العلاج، ليستغل الطبيب الموقف بالتحرش بها ما دفع المريضة إلى تقديم شكوى ضده انتهت به إلى السجن.
وفي حادثة ثانية منذ مطلع العام الجاري، أصدرت محكمة بداية غزة حكماً بالسجن لمدة سنتين على سائق سيارة أجرة أدين بالتحرش بأنثى في سيارته بعد محاولته خطفها.
ويقول رئيس محكمة بداية غزة القاضي ضياء المدهون، إن القضاء في غزة لا يتهاون في تشديد العقوبات في حالات التحرش الجنسي للحفاظ على أمن المجتمع
وتعد هذه الحالات من التحرش الجنسي التي وصلت إلى القضاء نادرة، بالمقارنة مع عشرات تحدث بشكل شبه يومي وفق ما يقدر مختصون وناشطون في مجال حقوق المرأة في قطاع غزة.
وسبق أن أثار فيديو لتحرش شاب بفتاة على معبر رفح للسفر بين قطاع غزة ومصر ضجة كبيرة، بعد أن وثق بالصوت والصورة الحادثة التي استدعت تدخل عناصر الأمن لملاحقة الشاب المعتدي.
ويسجل التحرش الجنسي مستويات منخفضة في قطاع غزة بالنظر إلى حالات تحرش لفظي تعد شائعة في الأماكن العامة خصوصا الجامعات والمتنزهات
وبسبب هذه الحالات فإن كثيرا من الفتيات في قطاع غزة يترددن في الخروج إلى الأسواق والساحات العامة أثناء المناسبات ويكاد هذا الأمر يصل إلى حد المحظورات العائلية حتى لا يتعرضن للتحرش "الظاهرة الخفية" في القطاع. وتبدي أزهار عبد الكريم الطالبة في جامعة الأزهر في غزة، ضيقها الشديد من حالات التحرش اللفظي والملاحقة من عشرات الشبان في طريقها وأثناء وصولها إلى الجامعة.
وتعتبر أزهار، أن التحرش الجنسي محاولة اعتداء من قبل الذكر على الأنثى إما بالكلام أو اللمس، وترى من واقع تجربتها الشخصية أن الظاهرة زادت في غزة في الفترة الأخيرة بشكل نسبي.
وتعتقد هناء أن الفئات العمرية التي تمارس التحرش ضد الإناث تتراوح ما بين عمر 18 إلى 28 عامًا، وأحياناً في مراحل عمرية متقدمة عن ذلك، سواء كان المعتدي متزوجا أو غير متزوج، لافتة إلى أن الجامعات ومحيطها هي أكثر المناطق التي تكثر فيها حالات التحرش نظرا لأنها مناطق مزدحمة تجمع الجنسين معًا.
وتوافق رجاء خلدون وهي مدرسة ثانوية عامة للفتيات، أنه ما من فتاة في غزة إلا وتتعرض للتحرش، وإن كان بدرجات ومستويات متفاوتة، وأن ذلك قد يحدث في أي مكان.
وتشير رجاء وهي في نهاية الثلاثينيات من عمرها، أنه يحدث معها وأنها تتعرض للتحرش حتى داخل سيارة الأجرة عبر محاولة لمسها أو التضييق عليها أثناء جلوسها.
وتضطر رجاء التي تلتزم بلبس الحجاب، إلى النزول من السيارة، أو أن تمشي في منتصف الشارع بجوار السيارات، لتتجنب التصادم مع أي فرد قد يضايقها على الرصيف.
وتتفق كل من أزهار ورجاء وفتيات أخريات تحدثن عن تجربتهن مع التحرش، على أن الأمر يحتاج إلى ردع، حتى تتوقف محاولات التحرش بهن وإسماعهن أطنانًا من الكلام الخادش.
وعادة ما يتلون مظهر التحرش الجنسي في قطاع غزة بين التحرش الشفهي من إطلاق النكات والتعليقات المشينة والتلميحات الجسدية وطرح أسئلة جنسية، ونظرات موحية إلى ذلك.
ووفقا لقانون العقوبات الفلسطيني الساري المفعول في قطاع غزة يعاقب كل من يدان بهتك العرض بالقوة أو التهديد بالحبس مدة خمس سنوات وهى ظروف مشددة ترتقي إلى الجناية .
كما عاقب قانون العقوبات الفلسطيني جريمة هتك العرض بدون استعمال القوة أو التهديد بالحبس مدة سنتين أو بغرامة مالية، فيما إذا كان سن المجني عليه دون 16 سنة تصبح العقوبة الحبس مدة 3 سنوات.
من جانبه، يقول المتحدث باسم شرطة حكومة حركة حماس المقالة في غزة المقدم أيوب أبو شعر، إن شكاوى تصل لمراكز الشرطة بنسبة بسيطة، لحالات تحرش تسجل الشوارع والمناطق العامة.
ويوضح أبو شعر، أنه في حال تقديم شكوى رسمية من الأهالي لمراكز الشرطة يتم تحرير محضر وتحويلهم للنيابة العامة، فيما يتم حل قضايا أخرى ذات علاقة عبر الإصلاح.
وأثارت حالات التحرش اهتمام مؤسسات حقوقية في غزة عملت على الترويج لبرامج التربية الجنسية لاستهدف الأطفال والمراهقين بغرض مساعدتهم على حل مشاكل الثقافة الجنسية وتسببها بالعديد من المشاكل للغير.
وتقول حنان أبو ضاهر وهي أخصائية نفسية في المركز الفلسطيني الديمقراطية وحل النزاعات في غزة، إنها عملت ضمن برنامج تربوي استمر عامين تم خلاله في عامين تلقى 317 حالة للعلاج.
وتشير أبو ضاهر، إلى أن ما دفع المركز إلى التفكير بتنفيذ المشروع المختص بالتوعية نابع من تزايد حالات التحرش الجنسية عند الأطفال والمراهقين بشكل ملحوظ.
واشتمل البرنامج التربوي على ندوات للطلبة في المدارس لتوضيح أسباب التغيرات من الجانب الفسيولوجي والتغيرات الجسمية والوجدانية المتعلقة باكتمال النمو، مع الإشارة إلى ما يصاحب هذا الحدث من التغيرات في المشاعر والعواطف نحو الآخرين. ويعتقد مختصون أن معدلات البطالة والفقر القياسية ومصاعب زواج الشبان وما يعانون من ضغط وكبت يؤثر سلبا على تصرفاتهم بما فيه ارتكابهم حالات التحرش بالفتيات.
ويقول المختص النفسي في برنامج غزة للصحة النفسية حسن زيادة، إن البيئة والسياق الموجود في قطاع غزة كبيئة ضاغطة يساهم بشكل وأخر في حدوث اضطرابات لدى الشبان ويؤثر على سلوكهم.
ويشير زيادة، إلى أن الإقدام على التحرش يتنافي مع المعاير الاجتماعية والثقافية في المجتمع الفلسطيني وله علاقة باضطرابات الجانب الجنسي والسلوك الذي يؤدي إلى الانحراف.
ويبين أن المشاكل الاجتماعية وتفكك الأسر نتيجة الفقر وسوء الأوضاع المعيشية يساهم في تنمية عادات الانحراف لدى الشبان ما يتسبب بنقص الوعي في تصرفاتهم.
من جهتها ترصد آمال صيام مديرة مركز شؤون المرأة في قطاع غزة، تعرض ما يقارب 14.6% من النساء للعنف الجنسي والتحرش، مشيرة إلى أن هذه الأرقام تمثل نسبة قليلة بالنظر إلى حالة التكتم التي ترافق عادة مثل هذه الحالات.وتشدد صيام، على أن كل ما تتعرض له النساء يمثل عنفا اجتماعيا وجسديا وانتهاكا لحقوق النساء ولشخص المرأة، و يستوجب تحركا أكثر جديا من الجهات الرسمية الفلسطينية والأهلية للقضاء عليه.
وتطالب صيام بهذا الصدد بضرورة تجريم مرتكبي جرائم العنف الممارس ضد النساء وإنزال عقوبة مشددة عليهم مع نشر التوعية والتشهير بحالات التحرش لتكون رادعا للمجتمع وليس التكتم عليها وإبقائها ظاهرة خفية لا تواجه بعلاج فعلي.