تداخل المعطيات في تونس خلال يوم واحد، جعلت الذبذبات الإيجابية والسلبية تتداخل في ما بينها، والمشاعر تتداخل، فما بين اختتام أيام قرطاج السينمائية وترشّح المنتخب التونسي لكأس العالم، والفيضانات التي حصلت في مناطق بجهة الجنوب التونسي والتي راح ضحيتها محسن بن عباسي معتمد مطماطة الجديدة ومهدي حداد رئيس مركز الحرس الوطني بمعتمديّة مطماطة أثناء تأديتهما لعملهما ومحاولتهما لإنقاذ تلاميذ كانوا عالقين بسبب السيول، كان الأمر شبيها بالفرق ما بين السماء والأرض.
وهكذا تناثرت التساؤلات هنا وهناك في مواقع التواصل الاجتماعي حول جدوى الفرح بفوز المنتخب في يوم يدفن فيه الناس أهاليهم تحت كارثة طبيعية أغرقت الجنوب، وجدوى البكاء في يوم تقام فيه احتفالية سينمائية في العاصمة.
البعض غاضب والبعض سعيد والبعض بين بين، وهي سكيزوفرينيا اللحظة وليست سكيزوفرينيا الأشخاص، فالأحداث وقعت في اليوم نفسه ممّا جعل الناس متأرجحين بين هنا وهناك، خصوصا وأن الإعلام كان مركّزا في أغلبه على مباراة المنتخب الوطني مع نظيره الليبي في لقائه الحاسم.
عدد كبير من الناس اتهم البقية بالفرح على حساب حزنه وما يحصل عنده واعتبره نوعا من التهميش للجهات، ومن هذا المنطلق انقلب الاتهام على المتّهِمِ بأنه يتعامل مع الموقف بفكر جهوي بحت وأنّ ما حصل هو كارثة طبيعية قد تحصل في منطقة من البلاد أو كان من الممكن أن تحصل داخل العاصمة لحظة الاحتفالية أو خلال حصول المباراة في ملعب رادس.
من الطبيعي أن تختلف الآراء، وأن يهاجم البعض الآخر، والمسألة نسبية بحتة، فكل واحد يرى المسألة من منظوره الخاص حسب الظروف المحيطة به، لكن الأرض الواحدة التي هي تونس، والتي حصل عليها كل هذه الأحداث في يوم واحد وهو السبت 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تجمع كل هؤلاء في سلّة واحدة وهي أرض الوطن، وهكذا فإن الوطن الذي اجتاز مرحلة للترشّح لكأس العالم 2018 والذي يحتفل بعرس السينما، هو نفسه الغارق في الطوفان والمشيّع لأبنائه نحو مثواهم الأخير.
نحن عشنا البارحة في تونس فيلما من الدراما الثقيلة، ولا يمكن إنكار ما فعلته الكثير من وسائل الإعلام من تهميش لأحداث الجنوب، ولا يمكن إنكار فرحة النصر على الناس في خضمّ هذه الأحداث ولا تغيير تواريخ مبرمجة مسبقا لاحتفالية ثقافية كبرى تضمّ ضيوفا من كل حدب وصوب.
الحزن لا يمنع الفرح والفرح لا يمنع الحزن وكلاهما تونسي بحت.
السلام على أرواح الضحايا والصبر والسلوان لأهاليهم.