قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو في النار " رواه الأربعة وصححه الحاكم.
أين أصحاب الورع الذين كانوا يتهيبون تحمل مسئولية القضاء؟! لقد كان القضاء أحد الهياكل والأعمدة التي تقوم عليها الدولة في الاسلام، بل كان "صلى الله عليه وسلم" أول قاض في الإسلام، وقد حرص الخلفاء الراشدون على صيانة منصب القضاء، والاعتناء به حتى شهد القضاء في الإسلام وقوف حكام المسلمين جنباً إلى جنب مع بعض أفراد الرعية من الشعب، ويفصل بينهم القاضي بما يراه الحق، دون اعتبار لمنصب رئيس الدولة وخليفة المسلمين فهل توفرت في قضائنا اليوم من هو أهل لتحمل المسؤولية؟! هل توفر الفقيه العالم بالحلال والحرام؟! هل توفر القاضي المؤهل بدينه وعلمه وفطنته وذكائه والعامل بقوله تعالى: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة:8)، وغيرها من الأدلة المتوافرة على اعتبار أهمية العدل في القضاء، وأنه أحد مقاصد الشريعة المعتبرة.
كم نحن بحاجة لنتعرف على واجبات القضاة وأهمها النظر في الدعوى بموضوعية وتجرد وحياد دون محاباة خصم أو ميل أو إهمال وتراخ وتأجيل وقضيتي خير شاهد فقد تداولتها أروقة المحاكم منذ خمسة عشر عاماً رغم أن القضية بعيدة كل البعد عن الفساد الذي تحاربه دولتنا حالياً بل وقد نلت البراءة من ثلاث جهات حكومية (وزارة الداخلية ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة المالية) كم نحن بحاجة إلى تلك الأيدي النقية البيضاء التي امتدت لتقتلع جذور الفساد في عصرنا الزاهر!
حقاً فقد جاءت الخطوات الحكيمة الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده، باجتثاث الفساد، لتصويب أوضاع خاطئة تراكمت عبر سنوات عديدة، وكان لابد من صعقات قاسية لأمراء وبارونات الفساد مهما كان حجمهم ومستواهم، ونفض ما علق بأجواء المملكة من غبار وشوائب، وتعميق الإدراك الواسع أن القانون فوق الجميع، سعياً لبناء شخصية المواطن السعودي على أسس راسخة ودعائم ثابتة لخلق جيل صالح قوي ومؤمن بهويته الوطنية.
ولعل السياسة التي يتبعها ولي العهد محمد بن سلمان آل سعود، تجلت في مواقف الإسناد الجريء والدعم المتواصل الفعال الذي يقدمه المواطن السعودي الذي لمس سياسته الإصلاحية القائمة على العدالة والمساواة بين المواطنين السعوديين في كافة المجالات والميادين.
ونحن ندرك تماما أن الهيئة العامة لمكافحة الفساد ستكون بإذن الله قوة ضاغطة وضاربة للفساد وليست قوة صوتية. فقد أصدر مليكنا حفظه الله أمرا ملكيا بترقية 26 قاضيا وتعيين 30 آخرين في مختلف درجات السلك القضائي. بالإضافة إلى أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عين ورقّى 56 قاضيا وهي الخطوة التي تتزامن مع حملة على الفساد في المملكة.
إن الضحالة التشريعية والعقم القضائي كفيلة بتشتيت كل الجهود الإصلاحية الرامية لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار، وترسيخ مبدأ سيادة القانون، وتقوية نهج عدم الإفلات من العقاب ، بالإضافة إلى وجود حالة انفصام بين القضاء السعودي المترهل والمواطن الذي يسعى للعدالة والإنصاف ،وبات من الضروري تقوية السلطة القضائية بكل مفاصلها وهياكلها التنظيمية والإدارية والتشريعية والقانونية ،وعدم الإرتهان لتجارب سابقة فاشلة.
لذلك ومن واجبنا السير قدماً بإندفاع شديد وحزم أكيد وعزم كبير لإجتياز هذا الواقع المؤلم، والوقوف خلف خادم الحرمين الشريفيين وولي عهده، من أجل تصحيح المسار وتحليل الواقع وتثبيت مواقعه وتحصينه ضد الهدم والتخريب.
ولابد من مخاطبة عقول وقلوب المواطنين السعوديين والتأثير عليها بلغة الشعور بالمسئولية الوطنية، وبالمنطق المستساغ حسبما تقتضيه المصلحة العامة من أجل إسناد الجهود التي يقوم بها ولي العهد لتصبح مشعلاً وضاءاً ينير درب الحقيقة ويبرز الصورة الحقيقية الناصعة عن المملكة العربية السعودية.
إن المؤشرات التي رصدناها على أرض الواقع تجعل دعائم الصرح القضائي أكثر وضوحاً ورسوخاً وقوة، وأحسن ثباتاً ومتانة، فالإجراءات المتخذة لمكافحة الفساد يمكن البناء عليها في وضع تصورات لقوانين وتشريعات جديدة كفيلة بلجم الفساد والقضاء عليه، ومتوافقة مع حاضرنا الذي يمر في أخطر مراحله بسبب التهديدات الخارجية.
ونحن في المملكة قادرين على تمييز الحقائق والأكاذيب مهما أوتيت الدعاية من حول وقوة، ومهما سلكت مسالك المكر والدهاء والكذب والخبث والبراعة، ومهما كانت على مستوى كبير من القدرة الإعلامية فنياً وعلمياً ونفسياً، لأن نفسية كل شعب مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بمصالحه وتراثه وكيانه، مهما كانت أسلحة الدعاية المعادية على درجة كبيرة من القوة والذكاء ومهما كان وعاؤها الخبث والتزييف. وها أنا خلف القضبان أتساءل في نهاية المطاف ألم يحن موعد استيقاظ غفوة القضاء؟! وغيبوبة الضمير؟! وتسونامي الأحكام القضائية في ظل التعديلات الراهنة وما زالت قضبان ٍ السجون تترقب بزوغ شمس العدالة !!