توعدت العديد من النقابات المستقلة الناشطة في قطاع الصحة بالجزائر، بتصعيد الحراك الاحتجاجي خلال الأسابيع القادمة، من أجل إسقاط قانون الصحة الجديد، الذي طرحته الحكومة على لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية للبرلمان، قبل عرضه على نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان) للنقاش والمصادقة عليه.
وجاءت تهديدات الشركاء الاجتماعيين، المتصلة بالعديد من المسائل المستحدثة في المشروع الجديد، لا سيما تلك المتعلقة بالإدانة المتشددة للأخطاء الطبية، وإبعادها عن جلسات إعداد القانون، لتوسع من جبهة الرفض، بعد تحرك هيئات دينية رسمية أو مقربة من السلطة، بسبب تضمنه نصوصا تسمح بالإجهاض.
ولئن لم يرد مصطلح الإجهاض صريحا في مشروع القانون ، فإن ما تضمنته بعض البنود يشكل ترخيصا قانونيا مغلفا، إذ لم يدقق المشرع في ما أسماه بحالات “التوازن الفيزيولوجي والنفسي والعقلي ونوع العلاج الذي تمليه الظروف”، لكنه قد يلمح لحالات النساء اللواتي يتعرضن للاغتصاب.
وسبق للمشروع الجزائري أن عالج حالات الإجهاض في القانون الصادر عام 1985 والمعدل في عام 2008، بالقول “إن الإجهاض يعد ضروريا لغرض علاجي لإنقاذ حياة الأم من الخطر، أو للحفاظ على توازنها الفيزيولوجي والعقلي المهدد بخطر بالغ”. وأضاف المشرع في مشروع القانون الجديد بندا يتحدث عما أسماه بـ”السماح للأم باللجوء إلى الاجهاض (دون استعمال المصطلح) عندما يظهر التشخيص الطبي قبل الولادة أن الجنين مصاب بمرض أو تشوه خلقي لا يسمح له بالنمو العادي، أو عندما تكون صحة الأم في خطر بسبب الحمل”.
وجاء في البند 81 من المشروع “عندما يكون التوازن الفيزيولوجي والنفسي والعقلي للأم مهددا بخطر بالغ، يجب على الطبيب أو الأطباء المعنيين، بالاتفاق مع الطبيب المعالج أن يخبروا الأم، ويتخذوا بموافقتها كل الإجراءات العلاجية التي تمليها الظروف”، وهو ما يهيئ المجال لتقنين عملية الإجهاض في البلاد.
وألمحت تصريحات أخيرة لوزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات مختار حزبلاوي، وحتى تلميحات في رسائل الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للرأي العام، إلى أن السلطة تتوجه لإعادة النظر في عدة مسائل تتعلق بملفات الصحة والنسل، حيث تطابقت إشاراتهما إلى ضرورة التحكم في التوازن بين الإمكانيات الاقتصادية والنمو الديمغرافي، بعدما تجاوز تعداد الجزائريين حسب آخر الإحصائيات 43 مليون نسمة.
ويرى مراقبون أن قانون الصحة الجديد، الذي تم تأجيل عرضه على البرلمان عدة مرات، بسبب الصدمات التي يتضمنها على العاملين في القطاع، وعلى مبدأ مجانية العلاج التاريخي، ومراجعة مسألة الإجهاض، ينتظر أن يثير جدلا ساخنا في الساحة السياسية والاجتماعية، وأن المسألة لا تتعلق بالمعارضة فقط، بل بفاعليات محافظة داخل السلطة.
ويمر قطاع الصحة في الجزائر بمشاكل عميقة ومستشرية، وتعكف الحكومة على معالجة اختلالاته، لا سيما فيما يتعلق بمراجعة مبدأ العلاج المجاني الموروث عن أدبيات الثورة التحريرية، والنظام السياسي الذي حكم البلاد بعد الاستقلال، وعلى تفعيل المنشآت والهياكل لتحقيق التوازن مع متطلبات النمو الديمغرافي، والوصول إلى خدمات بمواصفات مقبولة.
وفي خطوة تحمل تعنت بعض الهيئات الدينية الرسمية في الخندق المعارض لقانون الصحة الجديد، كشف رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بوعبدالله غلام الله أن “وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، لم تطلب الرأي الاستشاري للمجلس الإسلامي الأعلى، فيما يتعلق بنص المادة الجديد الخاص بالإجهاض”.
وأكد أن “هيئته لم تطلع لا من قريب ولا من بعيد على نص المادة الوارد في مشروع قانون الصحة الجديد، وأنه سيكون لهيئته تعليقها ورأيها الواضح في الموضوع، بمجرد الاطلاع على نص القانون وذلك بعد استشارة أصحاب الاختصاص من فقهاء وعلماء في الدين، ممن يمثلون المجلس كهيئة تلتزم بحدود وظيفتها الاستشارية”.
وأبدى نواب من لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان، شكوكا في توجهات وزارة الصحة لتوسيع نطاق عملية الإجهاض، من خلال التوظيف المطاطي لما أسماه المشرع بـ”التوازنات العقلية والصحية والنفسية للأم”، لتشمل إجهاض الأجنة من الاغتصاب أو النزوات الغريزية العابرة.
وفي هذا الشأن أكد النائب عن حركة مجتمع السلم يوسف برشيد أن “الكتلة النيابية لحمس أكدت لوزير الصحة والسكان، على ضرورة مراعاة الإجهاض لقيم الدين الإسلامي، وضرورة إشراك رجال دين واستشارتهم في إعداد النسخة النهائية للقانون”.
وكان مختار حزبلاوي قد أغلق جميع الأبواب أمام مطلب نقابات الصحة والأحزاب السياسية الداعية لقراءة ثانية لنص مشروع قانون الصحة، وكشف عن “التحضير لبرنامج وطني لتحديد النسل وإعادة النظر في دفتر العائلات”.
وقال “هذا برنامج وطني استعجالي جاء بعد تسجيل نمو كبير في عدد الجزائريين”، وأن وزارته “لن تقوم بأي قراءة ثانية لنص مشروع قانون الصحة، وأنا المخول الوحيد لدراسة القانون، ولا توجد قراءة ثانية”.
وأضاف “إن روح البنود المعنية بالإجهاض تنطلق من الخلفيات الطبية والصحية، وهي تتعلق أساسا بصحة الأم والطفل، وأن التقيد بموقف الشرع مفروغ منه، وأن نص المشروع قد نال تزكية القطاعات الأخرى المعنية، منها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف”.