الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

أليست المرأة "مركّب اجتماعي" ؟ فلنحصل على حقّنا بالتصويت وليس بالتمييز !!! (الجزء الثاني)

  • 1/2
  • 2/2

تقول سيمون دي بوفوار: " المرأة لا تولد امرأة وإنما تُصبح كذلك". ويتّفق جورج بالندييه وبيار بورديو حول فكرة أنّ الجسد إنتاج اجتماعي، وانّ الطبقة المهيمنة اجتماعيا هي التي تفرض المعنى وتنتج ما يسمّى بـــ "الجسد الشرعي". النساء يعملن  على إنتاج وترسيخ الهيمنة الذكورية، بالخضوع اللاّشعوري، وممارسة الإغراء، وجميعها سلوكات تعكس استبطان الهيمنة وتجسيدها من طرف النساء، إلى حدّ المساهمة في تجذير شروط الازدراء والمهانة والدونية المتعلّق بواقعهنّ.
يعيش العالم منذ نهايات القرن الماضي على وقع مقولات نهاية التاريخ، ونهاية الإنسان، ونهاية المجتمع، ونهاية النسوية، أو حركة ما بعد النسوية. بدأت الحركة النسوية الأوربية الجديدة في باريس في 8 مارس سنة 1968  بمناسبة اليوم العالمي للمرأة بمظاهرة قادها بعض أنصار التحليل النفسي والسياسة (التي تحوّلت إلى جانب النسويات الثوريات، إلى المركز الفكري والثقافي للحركة النسوية) وكان شعارها: "فلتسقط النسوية". نعم كان ذاك هو الشعار. فبينما ركّزت نسويات الحركة القديمة على المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق، والواجبات، والعمل، والحرية، تحاول نساء الحركة الجديدة إبراز الاختلافات بينهما، والعمل على أن تظلّ المرأة كما هي. إذ ترى نسويات الحركة الجديدة إن مشكلات المرأة لا تعود بدرجة أولى إلى الفوارق البيولوجية بينها وبين الرجل، ولكن بدرجة أكبر إلى ثقافة المجتمع وإلى البناء التاريخي والموضوعي للجسد، وعليه فإن التقسيم "الجنسي" وفقاً لمفهوم "الجندر" ليس تقسيماً بيولوجياً جامداً، وإنما يستند إلى السياق التاريخي الذي يتم من خلاله التقسيم الاجتماعي والجنسي للعمل. ويعد مصطلح "الجندر" الأكثر شيوعاً الآن في الأدبيات النسوية، يترجمه البعض إلى النوع الاجتماعي أو "الجنسوية". نشأ مفهوم "الجندر" مع الحركة النسوية الجديدة، وبات فلسفة جديدة تعكس أزمة النسوية الغربية، وإن اختلفت التقييمات لتجارب هذه الحركات ولمسوّغاتها النظرية، إلاّ أن "الجندر" كمفهوم جديد أصبح يستعمل من أجل البحث في موضوعات وقضايا المرأة (الحرية والمساواة والمشاركة السياسية). كما تحوّل إلى احد أهمّ مؤشّرات التنمية البشرية المُعتمد من طرف المنظمات الغير حكومية، ويحتلّ إحدى أولويات أهداف الألفية الإنمائية.
وإن كان هناك اتفاق بين كلّ من جماعة التحليل النفسي وجماعة النسويات الثوريات، حول أنّ المرأة مركّبة اجتماعيا كأنثى، غير أنّهما اتخذتا توجّهين مختلفين بسبب تباين فكرتي المساواة و"الماهوية"،  ممّا جعل تقييم إمكانية التغيير وآلياته تختلف من حركة إلى أخرى (انشقاق النسوية الفرنسية عن النسوية الأمريكية)، وإن كان الجواب بالنسبة لروزا لكسمبورغ وسيمون ديبوفوار يكمن في آليّات الصراع الطبقي "نضال الجماهير الحالي من أجل حقوق المرأة السياسية هو تعبير وجزء من نضال الطبقة العاملة من أجل التحرر، وفي هذا تكمن قوتها ومستقبلها". ترى بعض النسويات الراديكاليات والسحاقيات، أنّ الحلّ يكون عبر التمرّد على قيم المجتمع ورفض الأنوثة كحقيقة بيولوجية والمطالبة بحرية "الجسد".
بقي سؤال تحرّر المرأة من الهيمنة الذكورية، معلّقا بالنسبة لبيار بورديو إذ ترك الأبواب مفتوحة ولم يقدّم  طرحا مقنعا لمسألة الصراع بين النساء والرجال وكيفية التحرّر من الهيمنة الذكورية المفروضة اجتماعيا وتاريخيا. ورغم مساندة بيار بورديو للحركات النسوية الجديدة إلاّ انه يؤكّد: " من الوهم الاعتقاد أنّ العنف الرمزي يمكن هزمه بسلاح الوعي والإرادة، بما أنّ شروط فاعليته مرسومة في عمق الجسد".
أمّا بالنسبة للفكر الإسلامي المعاصر رغم الشحّ وقلّة الكتابات في هذا الشأن، بقي الموضوع خاضعا لردود الأفعال الغاضبة، أو للمواقف البراغماتية التي يفرضها التشابك السياسي  المحلّي والعالمي، وما يقتضيه الانخراط في برامج المنظمات العالمية الغير حكومية ذات الصبغة الحقوقية والتنموية.
ظهرت حركات نسوية إسلامية عابرة للحدود، من نسويات غاضبات (أكثرهنّ غير عربيات يعشن في مدينة الإسلام المعولم). آمنّ بضرورة المطالبة بحقّهنّ في امتلاك النصّ (القرآن والحديث) قراءة وتفسيرا. رافضات التراث الديني الذي يمثّل "الإسلام المؤدلج" الذي وُضع من طرف فقهاء "الإمبريالية الثقافية العربية"، أوما يسمّى بـــ"إسلام الصحراء". غير انّ عوامل عدّة حالت دون انتشار هذه الحركة داخل البلدان الإسلامية العربية. أوّلها عملية الجمع بين الإسلام ومصطلح "النسوية" الذي يحيل على حركات نسائية علمانية ظهرت في أوربا وعُرِفت بمعاداتها للدين و للرجال. ثانيا التصادم بين منتجات الحرية وفضاءاتها الشاسعة (الفكرية والواقعية) والسلفيات المعاصرة المتشدّدة التي تتبنّى نظرة اتباعية للدين، مما يجعل من هذه الحركات النسوية نوعا من الخروج عن الإسلام، وتهديدا للمخزون الثقافي للمجتمعات العربية الإسلامية. العامل الثالث، وهو الأكثر أهمية، جموع النساء اللاّتي استبطنّ الخضوع، وتعوّدن على العنف الرمزي، وترين في الحركة تهديدا لنمط حياة لا يمكنهنّ التخلّي عنه. أخيرا تشكيك الحركات النسوية اليسارية والليبرالية في مصداقية هذه الحركات، إذ "النسويات" و"النسويون" الذين ثقفوا المفهوم ومارسوه وفق التقاليد الغربية يعتبرون أن "الحركات النسوية الإسلامية" هي  "توليفة مثيرة للتساؤل" وغير جادة من طرف الفكر الرافض للحداثة. إضافة إلى هذه العوامل الموضوعية، يبقى غياب الأسس النظرية والإطار المفاهيمي لهذه "النسوية الإسلامية" هو العائق الرئيسي أمام اختراق هذه الحركات لفضاءات الحرية وحقوق الإنسان، وعدم القدرة على إثارة أسئلة عقلانية حول قضايا المرأة والمجتمع. وبقيت الأسئلة المثارة في أغلبها استفزازية وصادمة.
الحدث الثوري في تونس، الذي اختنق ولم يتجاوز اللّحظات الأولى (17ديسمبر- 14جانفي)، فرض توسيع فضاءات الوعي والحرية، كما فرض مراجعة النصوص القانونية وعلى رأسها الدستور، وجعل الانتقال الديمقراطي رهين المسار التأسيسي، وتُحْسب هذه المقاربة التأسيسية، كمنهج لإعادة البناء وإرادة القطع (ولو نظريا) مع المنظومة السابقة، لصالح قوى الثورة (رغم هشاشتها) واستحقاقا فرضته عفوية شباب القصبة (الأولى والثانية).
مقاربة التأسيس وإعادة البناء، رافعة المشروع الثوري، صدرت عن عقول شبابية ينقصها الوضوح في الرؤية والتصوّر، عقول جامحة لا تمتلك سوى الوعي البسيط بمطالب وحاجات فرضها الواقع الموضوعي السياسي والاجتماعي، وشعارات اللحظة الثورية الأولى "الكرامة والحرية والعدالة"، لم تقع ترجمة هذه الشعارات إلى لغة الاستحقاقات. غابت النخبة الثورية كساند للمشروع، إذ كان من المفروض أن تقوم النخب المثقفة والأكاديمية بدور التوعية وترجمة المطالب، وتأطير التحرّكات وقيادتها. ابتلعت النخب الوطنية المثقّفة الصمت، وفضّلت الانزواء وتركت الحلبة لرجل السياسة. وقع تعويم مطالب الثوّار من طرف النخب السياسية التقليدية.
وقع تهميش الأسئلة الجديدة التي طرحتها فضاءات الحرية، وقامت الطبقة السياسية بيمينها وبشمالها بتشغيل "ماكيناتها" الحزبية وأعادت الحراك إلى مربّعات الصراعات الإيديولوجية. التجاذب والاستقطاب جعل المسار الثوري ينحرف ويدخل متاهات الحسابات والمقايضات، فلم تعد القضايا تعالج بآليات الثورة وبعقلية التغيير وإنّما بمنطق المصالح والحسابات السياسية. واستحوذت الأحزاب السياسية على مقاربة التأسيس وإعادة البناء وشكّلتها حسب مصالحها وتوجّهاتها. غابت مقاربة التأسيس لتترك مكانها للحوار، وغاب القطع مع المنظومة السابقة ليترك مكانه للتوافق.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى