كنت أجلس مع زوجي وحدنا تماماً في صالة الانتظار الخاصة في المطار - وهي صالة مدفوعة الثمن - بانتظار الطائرة، حين جاءنا موظف صـغير في الـسن وبادرنا بملاحظة على استحياء قائلاً: لو أن الوالدة تـنتـظر في غرفة النساء.
اعتقدت أنه يتحدث عن والدته واستغربت كيف جاءت أمه في غرفة الانتظار، لم أفهم، لكن زوجي أخذ يتذمر من أن صحبة النساء عبء ثقيل، فسألته: من يقصد هذا الموظف الظريف؟ قال: يقصدك أنتِ، يطلب منك أن تذهبي إلى غرفة انتظار النساء. شهقت وقلت يقصدني أنا عندما قال الوالدة؟ ظننت أنه يتحدث عن والدته، فقال لي: لا. أنت الوالدة.
ناديـت المـوظف وسـألته: في صـالات الانتـظـار الـعامـة في المطار هل تنفصل العائلات فيذهب الرجال وحدهم والنساء وحدهن؟ قال لا.
قلت له: في صالة انتظار الدرجة الأولى هل ينفصل الرجال عن النساء في العائلة الواحدة؟ قال لا. قلت إذاً لِمَ علينا أن ننفصل في هذه الصالة التي دفعنا ثمناً لها لنحظى ببعض الخصوصية؟ أخذ الموظف يعتذر بأعذار طويلة منها النظام، وأن رئيـس هـيئة الأمر بالمعروف يحضر هنا أحياناً، وأن الخلاصة أنه موظف غلبان ويطبّق النظام. قال لي زوجي ألم أقل لك إن صحبتكن نوع من الإعاقة؟ ها أنت أخذت تؤدبين الناس ونحن لا نزال في الصالة.
قلت له كل هذا بسبب دعوته لي بالوالدة. هكذا تطور شبابنا، فقـد كـان آبـاؤهـم ينادون الـسيدة فـي الـسـوق بــ «يـا خالة» وكذلك يفعل الباعة والحـراس، هذا لو اضـطروا يوماً لمناداتهـا. حارسنا في الجامعة كان يناديني بـ «يا بنت».
مرّ جيل أو جيلان ولم تخترع ثقافتنا أي لقب لمناداة السيدة أو الفتاة الغريبة عنهم، ربما لم تكن مضطرة لهذا، بالكاد تسمع كلمة يا أخت، مرة واحدة سمعت في المطار رجل أمن يقول «دع السيدة تمر»، لكني شككت أنه رجل يقرأ، أي رجل نادر.
في أي مكان في العالم إن كنت لا تعرف اسم الشخص تناديه بلقب يدل على احترامك لشخصه، في البلاد العربية تسمع كلمة يا مدام، أو يا ست، أو يا آنسة، أو يا أستاذة، إلا أننا لن نصل إلى هذا اللقب المقترح، ولن نضطر يوماً لرفع درجة المرأة إلى سيدة أو أستاذة، والسبب أننا نصرُّ دائماً على تغييب النساء، ففصل النساء وحجب حضورهن حتى ولو في العائلة الواحدة هما ما يقود إلى حجبهن في المخاطبة حتى بين الأهل أنفسهم.
أحد الشباب حدثني عن قصة أخيه معتبراً أنها مزحة، وهي أن أخاه بعد الزواج بأسبوعين طلب منه في نهاية الزيارة وهم في مجلس الرجال والنساء في مجلس آخر كي تخرج قائلاً: «نادوا الأهل». الإشارة إلى الزوجة في محضر رجال تكون «أم العيال» أخذت أم العيال، سافرت مع أم العيال، ويبدو الأمر أهون إن كان لهذه الزوجة ولد فتصبح أم فهد أو أم محمد، لكن لو كانت زوجة حديثة من دون أولاد فإنها تصبح «الأهل» و «العايلة». في بعض اللهجات يسمون الزوجة «البيت». أحد الموظفين عندما سأله زميله أين تذهب قال «البيت في المستشفى»، «البيت مريض شوي»، يبدو أن المرأة عبء كبير حتى في أسماء الإشارة إليها!