هل يمكن أن تتحدث فتاة بوضوح عن رغباتها الجنسية في مجتمع شرقي ذكوري؟
كان هذا هو السؤال الصعب، والتحدي الأصعب الذي قررت الكاتبة الصحفية إلهام الجمال دخوله بكل جرأة. فلقد قررت إلهام أن تتحدى نفسها قبل أن تتحدى الآخرين، فهي الفتاة المصرية المحجبة، والمتدينة، الخجولة، التي لا يتوقع منها أحد أن تتحدث عن الجنس وشجنونه، ومشاكل الفراش وتفاصيلها، وهموم العلاقة الحميمة بين الزوج والزوجة.
لكنها فعلتها وبطريقتها الخاصة جداً، حيث قررت كعادتها أن تتناول الأمور من وجهة نظرها، وتكتب عن همومها هي وبنات جنسها سواء كانت رغبات مكبوته بفعل قيود المجتمع وقواعد العيب والحرم، او عن هموم رفيقاتها المتزوجات، من عنف وكذب وغيرة وسطوة يمارسها الرجال عليهن. قررت أن تسجل مشاهد حب بطريقتها الخاصة، وتتحث عن الأحلام البريئة التي ربما تخجل الكثيرات من البوح بها.
قررت أن ترصد أدق تفاصيل الحياة الجنسية بطريقة شاعرية لا تخدش حياء أحد، ولا تثير اشمئزاز أحد. فنجحت في رهانها مع الكثيرين وخصوصاً بعد أن أعتبر من قرأوا الكتاب أنها تمنحهم روشتة حب لفهم مشاعر المرأة.
الكتاب الذي حمل عنوان "أنوثة" يحتوى على 60 نص نثري، لا يمكن وضعه في قالب أدبي واحد، فمن بين النصوص ما هو أقرب إلى الشعر، ونصوص أخرى أقرب إلى القصة القصيرة. لا يهم إلهام التصنيف الأدبي له بقدر ما يهمها أن تصل فكرتها التي أكدتها أكثر من مرة.. فهي لم تكتب في الجنس لمجرد تحقيق انتشاراً لا تحتاجه، ولا للفت أنظاراً لا تهمها. ولكنها كتبت لتثبت للجميع أن للمرأة الحق في التعبير عن رغباتها، والحق في رفض العنف الممارس ضدها من الشريك، والحق ايضا في أن تعيش حياة تتمناها.
استهلت إلهام كتابها بارشادات عامة لكل رجل يريد أن يقترب من كتابها صغير الحجم والملفت للانتباه حيث كتبت:
إذا أردت أن أكون لك / أمنحك مفتاح قلبي وصك ملكيته / اخلع أنانيتك عند الباب
علق ازدواجيتك على الشماعة / إطفيء نار غرورك مع سيجارتك في مطفأة السجائر/ ثم ألق برمادهما مع بخلك في سلة المهملات/ انفض عنك عنادك / وتخلى عن كذبك
اغتسل بلطفك/ وارتدي حنانك / ثم اقترب .
وبداخل الكتاب تناولت العديد من المشكلات كان من أهمها الجهل الجنسي الذي يتسبب في ارتفاع نسبة الطلاق دائما فكتبت نص حمل عنوان " كذبة" جاء فيه:
تصرخ / فيصدق أنها تتألم من فرط رجولته / بالرغم من أنه يعي جيداً/ أنه لا يمنحها شيء من المتعة التي ترضيه / تصرخ / لتؤكد لنفسها أنها تتألم من فرط اللذة / فصراخ المرأة دليل النشوة / هكذا عرفت/ تصرخ وهي لازالت جائعة / فقط لتتقن أداء دورها
كذبة يعيشها كليهما / لأنهما يخجلان من الإعتراف بجهلهما.
كما كتبت عن العنف الذي يمارسه كثيراً من الرجال ضد زوجاتهم في الفراش منذ أول لقاء، وهو ما يترك الأثر السلبي في نفس المرأة ويجعلها تكره ما حلل الله فى كثير من الأحيان، حيث كتبت نص "عنف"
بعنف فاجأها/ أطبق شفتيه حول شفتيها / وراح يلتهمهما بهوس/ مرر يديه على مؤخرتها بهمجية أزعجتها / تحسس صدرها وكأنه يتأكد من جودة صنعه/ نزع عنها كل ما يسترها بأيدٍ خشنة وعيونٍ نهمة/ طرحها أرضًا دون أية مقدمات / وبدأ في تنفيذ مهامه كما لو كان يخشي أن ينسي تفصيلة حفظها عن ظهر قلب/ لم يلتفت لإشمئزازهها / لم يهتم بألامها / تجاهل أنّاتها المكتومة/ فكل ما أراده/ هو أن يثبت رجولته وحسن إختياره أمام الجميع / أما هي / فلتذهب إلى الجحيم مع خالص تحياته.
كما تناولت الهام مشكلة الزوجة الثانية في أكثر في نصها الذي حمل عنوان "سابقة" وقالت فيه:
تؤرقني امرأة مرّت بحياته من قبلي/ أتعثر بها كلما سرت في طرقاته/ تباغتني نظراتها المطبوعة على زجاج نظارته/ تهاجمني من بين سطور رواية قرأها ذات يوم/ تُمرّر سيرتها الحاضرة دوماً على لسانه / طعم فنجان قهوة قررت أن أتقاسمه معه ذات صباح/ تطاردني إذا ما اقتربت من حدود أحضانه/ تقف بيني وبينه إذا ما فكرت أن أتوحد معه بقُبلة/ تصعقني بصماتها إذا ما لمست جلده في لحظة نشوة/ تلفحني أنفاسها إذا ما دفنت رأسي في صدره/ تحتلني رائحة عرقها العالق بوسادة أحلامه / إذا ما تمدّدت ذات مساء على فراش شهوته / أشاهد شبح جسدها المنهك يتمدد بيننا إذا ما إعتلاني/ تحرقني الغيرة من امرأة تفرض سطوتها برغم الغياب/ فهل خطيئتي أنني وقعت في غرام رجل له سابقة عشق خرافية؟
كما كتبت عن مشاهد الغرام التي تتمناها كل امرأة في أكثر من نص منها نص حمل عنوان "معركة":
هو يعرف أن عنقها مكمن ضعفها/ ومركز إثارتها / لذلك / عندما كان يشن هجومه على حصونها / كان يختصه بضرباته الأولى كي يضمن استسلامها/ ولأنها حفظت خطة هجومه / وملت من هزيمتها أمامه/ قررت أن تفاجئه هذه المرة بأداء مختلف/ علّها تتذوق طعم الإنتصار عليه / لذلك حينما مر بلسانه فوق عنقها/ التوى جسدها بين يديه كما الأفعي / صوبت فحيحها نحو أذنيه / صبت سُمّها في فمه/ أرادت أن تقتله عشقًا / كى لا يزرع ياسمينه في أرض غير أرضها / لكنه - وللأسف- كان الأذكى والأكثر خبرة / فسرعان ما احتمى بنهديها / متخذًا من شهدهما ترياقا أبطل به مفعول سمها / فأنقذ نفسه من موت محقق/ وأكد لها / أن هزيمتها أمامه / أشهى من ألف انتصار.
كما سجلت ايضا مشاعر المرأة البريئة فكتبت بالعامية المصرية " شقاوة"
صوابع إيدي اللي بترسم خطوط متوازية على إزاز الترابيزة قدامك، وهي بتخطف مفاتيحك وعلبة سجايرك فجأة عشان تلعب بيهم؛ مش صوابع طفلة شقية بتشبط في كل حاجة قدامها زي ما بتقول. دي صوابع أنثى ناضجة عايزة تسيب بصماتها فوق كل حاجة تخصك عشان تفتكرها حتى في عز الغياب.
و السيمفونية الثانية
وحده أجاد العزف على أطراف أصابعها/ بموهبة واضحة/ أعاد ترتيب حروف سلّمها الموسيقي/ بلمسة خفيفة من شفتيه الدافئتين/ عرف "دو" الخنصر/ واكتشف "ري" البنصر / ووضع الـ "مي" على الوسطى بتأن/ أحاط السبابة بالـ "فا" بكل رقة / وبقوة
طبع "الصو" على الإبهام/ ثم زين معصمها ب الـ "لا"/ قبل أن يزرع الـ "السي" في كفها الناعم/ ليبدع لحناً أنثويا فريداً/ غناه جسدها الشهي آهات شجية/ لتحمل نوتتها الموسيقية / توقيعه منفرداً/ مؤلفاً لسيمفونية رغباتها المجنونة.
هذه كانت نماذج بسيطة من بين مجموعة متميزة من النصوص التي حاولت من خلالها إلهام الاقتراب من الخطوط الحمراء في حياة المرأة الشرقية، فربما استطاعت أن تغير فكراً جائراً منع المراة طوال الوقت من التعبير عن رغباتها تحت بند العيب والحرام.