يقول عبدالله بن المقفع :إذا كانت المرأة سبب ضياع العالم، فهي وحدها تستطيع إنقاذه .
ويحكى أَن الإمام علي رضي الله عنه، أبى أن ينادى باليتيم عندما فقد أباه فلما فقد أمه قال: «اليوم فقدت الصديق الصدوق».
ولما وفدت الوفود على الرئيس الأمريكي «أبرهام لنكولن» مهنئة بانتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، قال لمهنئيه «لا تهنئوني وهنئوا أُمي التي رفعتني إلى هذا المنصب الكبير».
فالأُم منذ فجر الخليقة لها قوة الوحي والإلهام لأبنائها، وهي مصدر صفوهم وسعادتهم، فهي كالروح السارية تحركهم ولا تُرى، وكالعقل المنير يضيء لهم الظلمات ولا يُحَس، فهي سر سعادة الوجود، ومعقد الرجاء، وهي آية الله ورحمته في الأرض….
وإن أسمى العلاقات الإنسانية، وأرفعها قدراً، وأعظمها قيمة، وأكثرها عمقاً، هي العلاقات التي تربط بين الطفل وأمه، فهي التي حملته تسعة شهور عانت خلالها التعب والإرهاق، ثم أخرجته إلى عالم النور بعد صبر وطول انتظار، وهي التي تغذيه من حليبها، وتغمره بالدفء وتسبغ عليه من حبها وحنانها وترعى حياته، وتعتني بملابسه وبنظافته، وإذا بكى هرعت إليه مسرعة ملبية، وإذا أصابه مرض مكثت بجواره، تصل ليلها بنهارها تداويه وترعاه، فهو قطعة عزيزة من كيانها، ونبض حي من نبضات قلبها…. إن عظمة الأُم وسخاء رحمتها تتجلى بتنازلها عن حقها في الوجود لمن فصل عن لحمها ودمها، تسهر أمامه راضية لينام، وتجود بنفسها ووقتها وما تملك قرباناً لسعادته، إنها الروح المقدسة التي جُعِلت الجنة تحت أقدامها، وَفُرض لها من الطاعة في رقاب الأبناء، أضعاف ما فرض للآباء، يقول تعالى في كتابه العزيز (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً، حملته أُمه كرهاً، ووضعته كرهاً) [الأحقاف:آية 15] ووفد رجل من الأعراب على الرسول (r) وقال: «يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أُمك، قال ثم من؟ قال: أُمك. قال ثم من؟ قال: أبوك…»
وكانت المرأة على قدم المساواة مع الرجل، يتعاونان على نوائب الحياة، وصروف الدهر، وكثيراً ما كان الرجل تحت حكمها ويصدع بما تأمر به، وكان شرفاً كل الشرف أن ينتسب المرءُ لأمه، كما فعل عمرو بن هند، وغيره من رجالات العرب وأفذاذهم، لأن الأم العربية كانت موضع ثقة الأب وفخر الابن وَعِزَّ العشيرة، ونبراساً للشرف والإباء والعفة والأريحية والنخوة الأصيلة والشمم والكرم، ورجاحة العقل ونضوج الحكمة. فمعاوية بن أبي سفيان كان ينسب حسن رأيه وأصالة بعد نظره لأُمه يقول في سجال الفخر بأمه «أنا ابن هندٍ».
وجاءَ الإسلام فزاد من شرف الأم والمرأة قدراً، فلها – في المعاملة ـ ما للرجل من حقوق وعليها ما عليه من واجبات، تشاركه العمل وجد الحياة، وترافقه في ميادين القتال لتأسو جراحه وتثير حميته، وطالب الأبناء بالبر بأمهاتهم فقال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أُمه وهناً على وهن، وفصاله في عامين، أن أشكر لي ولوالديك إليَّ المصير) [لقمان:آية 14] وقال الرسول الكريم (r). «نساءُ العَرَبِ خَيْرُ نِساءٍ، أَحْناهُنَّ على زَوْجٍ، وأَشْفَقهُنَّ على وَلَد…»
ورُوِىَ عن رسول الله (r) أنه قال لرجل وفد عليه يقول: «إنَّ لي أُمّاً أنا مطيعها، أقعدها على ظهري، ولا أصرف عنها وجهي، وأدرُّ لها كسبي، فهل جزيتها؟؟.. قال له رسول الله (r) لا وَرَبّي ولا بزَفْرةٍ وَاحِدَة».
وقد تمتعت المرأة العربية في ظل الإسلام بحرية اجتماعية واسعة، وتألق في الجو الأدبي والاجتماعي أسماء نسائية كثيرة، كسكينة بنت الحسين وفاطمة بنت عبد الملك، وعاتكة بنت يزيد، وعائشة بنت طلحة، وأم البنين أُخت عمر بن عبد العزيز وزوجة الوليد بن عبد الملك وغيرهن كثيرات، وبلغت الحرية بسكينة أن أحلفت زوجها حين تزوجته أن لا يمنعها سفراً ولا مدخلاً ولا مخرجاً.