كلاً يتحدث عن الحب، ويضع آراء ووجهات نظر حول هذه المفردة البسيطة، وبرغم علمنا أن هناك أنواعاً متعددة من مشاعر الحب، فإننا أيضاً ندرك أن أكثر هذه الأنواع مفارقة وحديثاً هو الحب الذي يجمع بين الرجل والمرأة، وندرك تماماً أن بين أيدينا آلافاً من الأبيات الشعرية التي قيلت عن لوعة المحبين والاشتياق والوله، وكذلك نعلم أن هناك بالمثل الكثير الكثير من القصص التي تروى من جيل لآخر عن غرائب وتضحيات المحبين في مختلف الأزمان، وفي كافة المجتمعات البشرية منذ الأزل حتى يومنا هذا.
وعلى رغم كل هذا المنجز الإنساني، فإن هنا من يؤكد بما لا يجعل مجالاً للشك أن الحب بات خياراً ثانوياً، بل يذهب البعض إلى أنه في العصر الحديث بات شعارات أكثر من كونه مشاعر حقيقية يمكن للإنسان أن يعيشها ويشعر بها ويتلذذ بقيمتها، وأصحاب هذا الرأي يسوقون دلائل متعددة وشواهد متنوعة لإثبات صحة ما يبشرون به، وآخرون يقولون إن الحب خالد ودائم ولن ينقطع أو يتوقف، ولكنه قد يتراخى أو يتعرض لموجات من العقبات والصعوبات لكنه لا يزول أو ينتهي، وإن هذه طبيعته التي هي سر الحياة واستمرارها، وفئة ثالثة تزعم أن الحب هو كما كان وسيظل من دون تغير أو تبدل، فالمحبون موجودون ولم تنقطع سيول من الأشعار ولا من القصص الجميلة التي تحكى أو حتى من القصص المؤلمة التي تنقل نهايات علاقة ساد فيها الحب وصال.. من وجهة نظري لا يمكن تجاهل طبيعة الحياة الحديثة، وأثرها على القلوب والعقول والاهتمامات، وبالتالي لا تساورني الظنون بأن الحب بات في مرتبة أدنى أو على الأقل أصبحت هناك أمور معيشية تحول دون وجوده بشكل طبيعي واعتيادي، ولعل ما قاله الكاتب والمؤلف جيرالدي، من كلمة شهيرة في هذا السياق، خير توضيح يمكن أن يتم ذكره، حيث قال:" الشباب يتمنون الحب فالمال فالصحة ، و لكن سيجيء اليوم الذي يتمنون فيه الصحة فالمال فالحب". من وجهة نظري أعتقد أن هذا اليوم قد جاء، وأن هذه الجملة التي قالها هذا الكاتب لها دلالاتها ووجودها على أرض الواقع، فالاهتمامات باتت اليوم أكثر تركيزاً على الوقائع لا على المشاعر.
فإنسان العصر الحديث يريد الصحة ليتمكن من العمل وعدم الحاجة والاستغناء وتحقيق الطموح والنتيجة لهذا العمل والإنتاج هو الحصول على المال، فإذا باتت لديه الوفرة المالية والاستغناء، يبدأ بالتطلع والتوجه نحو الاهتمامات الأخرى كالحب، أو يفكر عندها في التوقف في إحدى المحطات لعله يجد حبيبة.
وغني عن القول أن الأمور لا تسير بهذه الطريقة الآلية، ولا يمكن أن نقرر متى نحب أو متى نرتبط بالحب، فهذا لا خيار فيه أو تحديد لزمن أو لوقت وقوعه، لكن من المؤكد أن هناك فئات كثيرة في عالمنا اليوم قلبت هرم الاهتمامات وباتت خياراتهم مختلفة عن السياق الإنساني الطبيعي، وهم مستعدون للدوس على قلوبهم ومشاعرهم في سبيل الحصول على مكاسب مادي.
وهذا واقع نشاهد ملامحه في قصص التنكر والاستغلال والانتهاز والابتزاز، والمؤسف أن العنصر الأضعف والأقل حظاً في مثل هذه الدوامة هي المرأة، وهي الخاسر الواضح دوماً... مع الأسف...