نحن بحاجة ماسة لمعرفة كثير من الأمور الهامة والحساسة في الحياة، وأقول حساسة لأنه في كثير من مجتمعاتنا العربية تحاط بهالة من التخويف ويتم محاولة إخفائها خلف ستار من العادات والتقاليد والعيب وماذا يقول الناس وغيرها من مثل هذه المصدات. لعل من أهم دروس الحياة التي نحتاجها معرفة طبيعة الحب، وكيف ينشأ؟ وكيف ينمو؟ ذلك أن كثيراُ من السقطات كان يمكن تفاديها بمعرفة حقيقته وكيف نتعامل مع ما نعتقد في أحيان أنه حب، وكان يمكن أن نتلافى كثيراً من الآلام والهموم والتفكير الطويل والشاق وسهر الليالي لو أنه تم تحصيننا ضد أوهام الحب، وفهم أن الحب والحاجة له شيء والحصول عليه وإيجاد الحبيب شيء آخر مختلف.
في كثير من مجتمعاتنا خاصةً الخليجية أتمنى أن تخفت وتقل كثير من الدورات والبرامج التي تتحدث عن أمور الدين والإيمان والشيطان، أو تلك التي نسمعها دوماً وتحاول تعزيز العادات والتقاليد دون فرز لمثل تلك العادات أو مراجعة لها إذا كانت منصفة لجميع فئات المجتمع أم لا.. أقول أتمنى أن تخفت مثل هذه المحاضرات الدينية ويبدأ في منح مواضيع حياتية أخرى المكانة اللائقة من الاهتمام والعناية، ليس في مجالات الحب وحسب؛ وإنما في مجالات التعامل العام سواء مع منجزات البلد، أو كيفية التعاطي مع الثقافات المختلفة والحوار، أو في تنمية السلوك القويم واحترام القانون وغيرها كثير ومن لعل من بينها أيضاً كيفية التعبير عن مشاعرنا، وكيف نعرف إذا كان الذي أمامنا يبادلنا الاهتمام والأحاسيس أم لا.
كثير من المفاهيم غير الصحيحة أو التي نحاول أن نقنع أنفسنا بأنها موجودة، موضوع الحب من أول نظرة، وأعتقد من وجهة نظر شخصية، ألا وجود لمثل هذه الحالة، بمعنى أن الشاب عندما يشاهد فتاة فإنه يقع في غرامها من أول نظرة، وبالمثل الفتاة عندما تشاهد شاباً فإنها تقع في حبه مباشرةً، ولنكن واقعيين لو صح وكان مثل هذه المشاعر موجودة فإننا قد نجد شاباً لديه أكثر من حبيبة، وأعتقد أن هذا ما يحدث اليوم.
وبالمثل فإن الفتاة قد توهم نفسها بأنها قد وجدت حبها من أول نظرة، وتجد من الشاب تفاعلاً ومبادلة في المشاعر، ولكنها تستغرب بعد فترة من الزمن أن هذا الحب بدا يخفت أو يقل ويصغر، حتى ينتهي.
الحب من أول نظرة كذبة نريد تصديقها ببساطة لأنها تقنعنا أننا نحِب ونحَب، وننسى أن الحب الصحيح يقوم على عدة مرتكزات من التوافق والتسامح والإعجاب وغيرها كثير من القيم التي يجب توفرها ليزدهر الحب وينمو بين أي طرفين، وإذا اختلت أي من هذه المرتكزات فإنه ودون شك يحدث خلل بالغ في العلاقة. لن أذهب بعيداً فهذا هو الكاتب الأمريكي أريك جودمان قام بإجراء بحث ميداني على مجموعة كبير من الشباب من الجنسين في المدارس الثانوية في نيويورك، وبعد فرز نتائج هذه الدراسة، جاء فيها "أن اللقاء الأول بين الفتاة والشاب والذي يطلق عليه الكثيرون اسم الحب من أول نظرة، يكون خادعاً". هكذا كانت نتيجة دراسة علمية وواقع اليوم يثبت هذه الخرافة الأزلية.