خطت بلادنا خطوات كبيرة في مجال حقوق المرأة، وذلك بسن قوانين وأنظمة واضحة تمنح هذه الحقوق للنساء دون تفضل، بل كحق مشروع لا يقبل الجدل أو التردد.. وذلك منذ الأيام الأولى من عمر دولتنا الفتية، وأي مراقب أو متابع سيدرك أننا ولله الحمد تجاوزنا الجميع في هذا المضمار الحيوي المهم.. دول أخرى لتوها تتجاوز حتى المفاهيم والمفردات مثل قضية قوامة الرجل، لتوهم يدركون أنها مشاركة بين الزوج والزوجة. أما مواضيع أكثر أهمية مثل الحضانة والأطفال والنفقة بعد الطلاق وغيرها فقد بدؤوا العمل على أن تكون القوانين عادلة وفيها مراعاة لحقوق وواجبات الطرفين. وهذه الخطوات جيدة وفي محلها ونشجعها وندعمها حتى وإن جاءت متأخرة، يقول المثل الإنجليزي الشهير: أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي.. المعضلة في هذا السياق لم تعد في سن قوانين بل في رواسب وبقايا في عقلية البعض من الرجال الذين يرفضون التصديق أن شقيقتهم ستأخذ نصيبها من إرث والدها، وسيكون لها مال وأراض.. أو أن توصف العلاقة الزوجية بالمشاركة لا بقوامة الرجل.
أدرك أن هذه العقليات تجاوزها الزمن وهم قلة ولله الحمد، لكنك فعلاً تشفق عليهم وعلى مستواهم الفكري، ففي الوقت الذي باتت قضايا العالم أعظم وأكبر، لايزال هؤلاء يدورون في نفس الحلقة المفرغة التي مضت عليها دهور وأزمان. وظيفتهم التقليل من المرأة ومن منجزاتها، هذه الفئة موجودة في كافة أرجاء العالم، وفي كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية دون استثناء. ذلك أن النظرة السلبية تجاه المرأة نتاج عقود طويلة من النظرة الدونية، وهي إفرازات لإرث إنساني طويل جداً لطالما نظر نحو المرأة ودورها الحياتي بتواضع وبنظرة محملة بالشك والريبة.. لا تخلو حضارة إنسانية من ممارسات وأقوال تصب في تسطيح عقل وكفاءة المرأة. إلا أن مثل هذا التسطيح ومحاولة التجاهل دوماً تتقزم وتضمحل أمام المد العلمي، أمام التوهج المعرفي والتقدم الإنساني. لذلك كلما صعد المجتمع نحو التطور وكلما نزع نحو الارتقاء والتميز تقل فيه التصنيفات المؤذية سواء للمرأة أو لغيرها من فئات المجتمع المختلفة. المجتمعات المشغولة بالبناء والتنمية لا تلتفت لأقوال رجعية أو آراء بالية مضى عليها الزمن. المفلسون وحدهم من يحاولون صد رياح التغيير، وهي محاولات كما نعلم جميعاً ستبوء بالفشل..
أعود لمن يرفض ويقاوم أي قانون أو تنظيم يمنح المرأة حقوقها؛ هذه الفئة غني عن القول انه سيتم تجاهل كلماتهم وستطبق الأنظمة التي تحفظ للإنسان كرامته وتصون حقوقه، ولن يكون لكلماتهم صدى أو معنى أمام الإجماع الإنساني على التغيير نحو الأفضل والأجمل. أسمي هؤلاء بالرافضين للمرأة، لأنهم رافضون للأم وللشقيقة وللزوجة وللابنة، هم رافضون للحياة.. جاحدون لتلك الأم التي سهرت وتعبت وتألمت من أجلهم.. وهل تتوقعون من إنسان يجحد وينكر جميل وفضل أمه عليه أن يكون مؤهلاً للحديث عن حقوق المرأة؟! لهؤلاء أن يواصلوا النعيق ولقافلة حقوق المرأة أن تواصل مسيرتها المظفرة المنتصرة...