تخبرنا الإحصائيات بأن هناك أكثر من 16 مليون تدخل في عالم التجميل، بين عمليات جراحية وأخرى غير جراحية تجرى في العالم سنوياً، ويدعو طبيب التجميل اللبناني حسين الهاشم في موقعه الإلكتروني إلى وقف “التنمر” ضد من يجرون ويجرين عمليات التجميل، حيث يقول “على التشهير أن يتوقف”.
يذكر أن العالم ينفق حاليًا نحو 160 مليار دولار كل عام على مستحضرات التجميل وتغيير الشكل.
ويقدر إنفاق المسلمين السنوي على مستحضرات التجميل بحوالي 56 مليار دولار، إذ تبلغ حصة المستحضرات الحلال 7 بالمئة من إجمالي سوق مستحضرات التجميل على مستوى العالم.
وتعتبر العاصمة الإيرانية طهران عاصمة عمليات تجميل الأنف في العالم، ولم تصبح كذلك إلا بعد عام 1979، وهو تاريخ “الثورة” التي أطاحت بالشاه وأتت بالجمهورية الإسلامية.
وتوقعت شركة يورو مونيتور انترناشيونال أن تستمر سوق مستحضرات التجميل في أفريقيا والشرق الأوسط، بالنمو ليصل إلى 34.7 مليار دولار بحلول 2020. ويُتوقع لمنطقة الشرق الأوسط أن تكون ثانية أسرع أسواق التجميل نمواً في العالم بعد سوق أميركا الجنوبية.
تجميل الواقع في العراق
لم يكن هناك ما يزيد عن أربعة أطباء نفسيين مسجلين في بغداد عام 2015؛ لذلك إذا أراد أي عراقي التحدث إلى اختصاصي حول صدماته ومعاناته وخساراته، فالطريق الوحيد المفتوح أمامه هو أطباء الأمراض العقلية، الذين غالبًا ما يعالجون الأشخاص بالأدوية، التي يمكن أن يكون لها تأثير سلبي جدا على المزاج، وعادة ما ترافق هذه الأدوية أيضًا مجموعة مختلفة من الآثار الجانبية السيئة، على الرغم من أن معظم العراقيين -ومن ضمنهم النساء- يفضلون اللجوء إلى العلاج النفسي، وهو الأسلوب الذي يتضمن المعالجة النفسية بدلاً من العلاجات العصبية.
يقول حافظ فرحان -وهو أحد الأطباء النفسيين القليلين في بغداد- “إن طلب المساعدة النفسية المتخصصة لا يزال من محرمات المجتمع العراقي، وهذا الأمر يشكّل عبئًا ثقيلاً على الشعب العراقي الذي يعاني من شتى أنواع الصدمات”.
ويتابع فرحان شارحًا الوضع الاستثنائي في العراق “عندما تصبح الأحزان شيئًا طبيعيًا، وعندما يتحول الموت إلى قاعدة؛ فلن يعود هناك مكان لتبادل الأحزان في المجتمع، هذا هو الوضع هنا بالعراق”.
تبعًا لما تقدم، قد يكون الخضوع للعمليات الجراحية وسيلة للتعبير عن الألم النفسي الذي يجتاح أنفس العراقيين، وهذه الظاهرة لم يختص بها العراق وحده؛ فمثلاً عقب الحرب الأهلية في لبنان تم رصد تزايد كبير في عدد الجراحات التجميلية التي تم إجراؤها وتوثيقها.
وكانت خبيرة تجميل عراقية توفيت قبل أشهر في ظروف غامضة قالت إن الألم ذريعة لكي تقوم المريضات بذرف الدموع بحرية، كثيرات هنّ اللواتي يتّبعن هذه الطريقة للتنفيس عن الأحزان الكامنة داخلهن”.وأضافت أن“الحياة في العراق صعبة، صعبة جدًا، والنساء هنا -أكثر من أي مكان آخر- بحاجة إلى مكان للهروب من الواقع”.
وتؤكد سارة (23 عاما) التي أجريت جراحة تجميلية على أنفها إن أصدقاءها “فوجئوا بالتغيير في وجهي؛ قارنوا أنفي بأنف نيكول كيدمان!”. وقال أحد المختصين في جراحة التجميل البارزين في بغداد، إنه يجري نحو 20 عملية جراحية تجميلية أسبوعياً، 70 في المئة من هذه العمليات تجرى على النساء. وقال “عندما يكون هناك وضع أمني جيد وتحسن اقتصادي في البلاد، تنمو الجراحات التجميلية”. ويدفع المرضى حوالي 600 دولار لتجميل الأنف. ويكلف تكبير الثدي أو تصغيره 1200 دولار.
ويجب على الزبائن استيراد السيليكون من الخارج، لكن يمكن العثور على البوتوكس الذي يحقن لتهدئة العضلات وإزالة التجاعيد في الصيدليات العراقية.
ويوحد الطلب على عمليات التجميل مختلف الحساسيات الدينية، لكن البعض سعى إلى الحصول على التوجيه من رجال الدين.
وفي فتوى على موقعه الرسمي في الإنترنت يفضل آية الله علي السيستاني، المرجع الشيعي البارز، زرع الشعر بدل استخدام شعر مستعار يمكن أن يسقط أثناء الصلاة. وتقول الفتوى إن الجراحة لجعل الثديين أصغر أو أكبر لا بأس بها طالما أن المريضات يذهبن إلى طبيبة لا إلى طبيب.
لكن المختصين في جراحة التجميل في بغداد يقولون إن المرضى نادرا ما يثيرون المسألة الدينية أو يطالبون بجنس معين من الجراحين.
تزور عواطف أحمد، مدرّسة اللغة العربية البالغة من العمر 45 عامًا، تزور باستمرار عيادات التجميل وهي تنتظر بفارغ الصبر العملية الجراحية الثامنة لها، ولكن الدوائر السوداء التي تحيط بعينيها وبشرة وجهها الشاحبة، تكشف أنها خاضت الحياة الصعبة مرارًا؛ فأول زيارة قامت بها عواطف لعيادة تجميل كانت بعد فترة وجيزة من وفاة ابنها في هجوم انتحاري في وسط بغداد بعد الغزو الأميركي للعراق. وتقول عواطف “أريد أن أرجع شابة مرة أخرى، أتمنى أن تعود الأيام الخوالي عندما كانت شوارع بغداد لا تزال مكانًا آمنًا للتجول”، وتضيف “المرأة العراقية بحاجة إلى رعاية جيدة؛ ليست عقولنا فقط هي المتعبة، بل إن أجسادنا كذلك قد أُنهكت.”
تشير عواطف إلى أن أوضاع البلاد كانت مختلفة سابقًا؛ فقبل الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، حَكَمَ الرئيس الراحل صدام حسين العراق بقبضة من حديد، ولكنه خلال فترة حكمه أعطى للنساء مساحة من الحرية أكبر، كما سمح لهن بلعب دور أكثر فاعلية في الحياة العامة، أما في هذه الأيام فإنه من النادر أن ترى النساء أو تسمعهن في المحافل العامة، بل أحيانًا قد لا تجرؤ المرأة على المغامرة بالنزول إلى الشارع لشراء الطعام أو للذهاب إلى العمل.
إن التفاوت الشاسع بين الواقع الحالي والواقع الماضي الذي أشارت إليه عواطف، يفسّر الحنين إلى الماضي الذي تشعر به الآن.
الخليج الأكثر إنفاقا
المرأة السعودية “الممنوعة” -وفق لوائح بعض الدول أو العادات والتقاليد- من حرية السفر وبناء علاقات خاصة سعت إلى تعويض ذلك عبر إشغال وقت فراغها بالتزين والتجمل، واقتناء مختلف ماركات العطور ومستحضرات التجميل العالمية، فضلاً عن إجراء عمليات التجميل من حين إلى آخر.
وتتصدر المرأة الخليجية قائمة نساء العالم الأكثر إنفاقًا على جمالهن وحسن قوامهن ورشاقتهن، فبينما تقدر سوق مستحضرات التجميل في العالم أجمع بـ255 مليار دولار، تقدر حصة الخليج فيها بنحو 6.6 مليار دولار، بزيادة سنوية قياسية مقارنة بدول العالم.
وبينما يتراوح معدل نمو هذا السوق عالميًا بين 3 و4 بالمئة يصل في الخليج إلى 12 بالمئة، ما جعل منطقة الخليج أكبر سوق لتجارة مستحضرات التجميل بمختلف أنواعها.
وتتصدر المرأة السعودية قائمة النساء الأكثر استخدامًا لمستحضرات التجميل في دول الخليج، لا سيما منتجات العناية بالشعر والبشرة والعطور، فحسب تقديرات مؤسسة “يورو مونيتر” فإن حجم الإنفاق من السعوديات على كافة مستحضرات التجميل بلغ 1.5 مليار دولار، في العام الواحد ثم تأتي المرأة الإماراتية في المركز الثاني، تليها المرأة الكويتية، فالمرأة العمانية.
أزمة لا تمنع الجمال في مصر
من المفارقات العجيبة أن مصر وما تتعرض له من أزمات اقتصادية ومعيشية وأمنية وسياسية، هي نفسها التي تنفق فيها المرأة حوالي 24 مليار جنيه (3 مليارات دولار) على مستحضرات التجميل!
ويقول الدكتور عزالدين حسين الخبير الاقتصادي في تصريحات له إن إجمالي ما تنفقه المرأة المصرية على جمالها شهريًا يتجاوز 2 مليار جنيه، بما يعني 24 مليار جنيه سنويًا (3 مليارات دولار)، وذلك حسب ما أشار إليه في دراسته التي أعدها مؤخرًا عن إنفاق الأسرة المصرية.
وفي شهادة سيدتين مصريتين لإحدى الصحف المحلية الصادرة بالقاهرة، حول متوسط إنفاقهما على مستحضرات التجميل، أشارتا إلى تجاوز متوسط الإنفاق 300 جنيه (40 دولارًا) شهريًا، حيث تقول مارينا إدوارد، خريجة الأكاديمية البحرية، إنها تنفق ما يزيد على 600 جنيه (80 دولارًا) كل شهرين على كريمات العناية ببشرتها وشعرها، فيما تنفق ما يزيد على 1400 جنيه (165 دولارًا) لتغيير لون الشعر في السنة.
وتقول إنها تهتم بكريمات العناية أكثر من مواد المكياج، لافتة إلى أنها لا يمكنها أن تستغني عنها، لكن بشكل محدود وماركات عالمية موثوق فيها، فيما توضح مادونا بشارة، موظفة علاقات عامة بأحد الفنادق العالمية، أن أدوات المكياج التي تستخدمها تكلفها تقريبًا 1000 جنيه (120 دولارًا) في الثلاثة أشهر، ولفتت إلى أن تلك الإحصاءات غير صادقة مقارنة بأسعار أدوات التجميل المرتفعة.
الجمال جواز سفر لبناني
أصبح اللجوء الى جراحة التجميل أكثر سهولة وشيوعًا في لبنان حتى أن البعض بات يعتبره من الضروريات. ويُعرف لبنان اليوم بالسياحة التجميلية حيث تتوافد إليه الكثير من النساء من دول الخليج لإجراء عمليات تجميل بمختلف أنواعها.
ويقول المختص في جراحة التجميل اللبناني غبريال خوري “نلاحظ زيادة في عمليات التجميل في لبنان خلال السنوات الأخيرة. هناك أسباب عدة لهذه الزيادة؛ أولا هناك سبب التطور في المجتمع والعقلية اللبنانية كما هو الحال في كل العالم ولكن خصوصًا في لبنان”. ويتابع خوري في تصريحات لموقع لبناني محلي “ليس من المعيب الآن إجراء أي عملية تجميل في لبنان. يعني إذا كان الانسان منزعجًا من أي شيء في وجهه أو جسمه يلجأ إلى العمليات التجميلية لتصحيحه”.
ويقول إن النساء يشكلن نحو 88 في المئة ممن يخضعون لعمليات تجميل في لبنان حيث يطلبن تغيير ملامحهن وأجسادهن. ويذكر خوري أن نحو 55 في المئة من اللبنانيات يخضعن لعمليات تجميل.
ومع ذلك تشكو بعض النساء من أن انتشار عمليات التجميل في لبنان جعل الشابات متشابهات في الشكل.
وتحتل المرأة اللبنانية المركز الثاني عالميا في عمليات التجميل بعد المرأة البرازيلية. وتقدم المصارف اللبنانيّة قروض التجميل، التي تتراوح قيمتها بين ألف دولار وخمسة آلاف دولار.
ماذا عن الدول المغاربية
وفي المقابل تثبت المرأة المغربية من حين إلى آخر أن الجمال لا علاقة له بعمليات التجميل المكلفة، بل يكفي القليل من مستحضرات التجميل.
في دراسة حديثة أصدرتها مؤسسة ديجيتال دافا ماركيتنغ “Digital Data Marketing”، كشفت أن المغربيات لا ينفقن سوى 100 درهم شهريًا (10 دولارات) لشراء مستحضرات التجميل، ويستغرقن فقط عشر دقائق في تجميل أنفسهن.
وفي تونس لا تقتصر جراحة التجميل على المصحات الخاصة فقط، فهي تتوفر كذلك داخل المستشفيات العمومية.
وأضحت جراحة التجميل من روافد السياحة الاستشفائية في تونس والتي ازدهرت بالخصوص خلال العشرية الأخيرة، حيث جذب هذا النوع من السياحة الطبيّة الآلاف من الحرفاء والحريفات في تونس من كافة الشرائح الإجتماعيّة والفئات العمريّة والمستويات التعليميّة والثقافيّة، ولم يقف عند ذلك بل استقطب أيضا حرفاء أجانب وأجنبيّات لا سيما من بلدان أوروبا، يأتون عن طريق وكالات الأسفار التّونسيّة للسياحة والتجميل في آن واحد مع التمتع بخدمات عالية الجودة، وبأسعار مناسبة.
وتحتل تونس المرتبة الثانية في القارة الأفريقية بعد جنوب أفريقيا، وقد سبقت في هذا المجال العديد من البلدان الأخرى، مثل تركيا والمغرب ومصر وقبرص، ويقدر عدد عمليات التجميل التي أجريت في تونس خلال العقد الأخير بما لا يقل عن 170 ألف عملية تجميل، وتقدر نسبة المقبلين على عمليات التجميل من الأجانب بحوالي 20 بالمئة.