عندما تحب شيئاً فإنك ستتوجه نحوه بكل مشاعرك وأحاسيسك، وستكون سعيداً وأنت تؤديه أو تنفذه، هذا على الجانب المادي، وبالمثل عندما تقع في الحب في جانبه الإنساني، مشاعرك وأحاسيسك تجاه الآخر - الحبيب - ستكون بمثابة سمفونية عند سماعك صوته، بل حتى آرائه ووجهات نظرة، تتحول إلى مسلمات وحقائق لا تقبل النقاش أو الجدل، ولا أكاد أبالغ إذا قلت، أن المرأة هي الأكثر اندفاعاً في مثل هذه الممارسة، فتحول توجيهات وآراء الحبيب إلى أوامر واجبة التنفيذ، فلا نقاش أو استفهام، وهي تقع في ما بعد ضحية لهذا الاندفاع، فبعد أن يعتاد الرجل على هذا الخضوع، وهذا الاستسلام المعرفي والحسي لا يقبل أي تغيير أو تبدل، ويريد أن يؤخذ كل شيء يقوله من دون جدال. تغضب المرأة وتسأل نفسها لماذا يعاملني بهذه الطريقة المتعالية والمتكبرة؟ فلا يستمع لوجهات نظري ولا إلى آرائي؟ وهي تنسى أنها هي من عودته على هذه الممارسة، وهي من غرس في عقله، أن ما يقوله دائماً صحيح بشكل تام وكامل.
أقول أن المرأة دوماً هي من تدفع ثمن الاندفاع في مشاعر الحب، لكن أيضاً قد يكون الرجل ضحية، فيدفع ثمناً باهظاً لقسوة المرأة، لأنه فقط منحها أكبر وأكثر مما تستحق من المشاعر الجميلة.
أعتقد أن سبب نشوء مثل هذه القصص، التي يسرف أحد طرفي علاقة الحب في منح رفيقه الكثير من التنازلات غير المبررة، وغير المتوازنة، وغير المنطقية، أقول إن هذه الإسراف في التبجيل والاحترام والحذر، يوجه رسالة للآخر، مفادها أن شريكة ورفيق الطريق لا يفهم شيئاً، أو أنه في مرتبة معرفية أدنى وأقل، وفي أحيان كثيرة، تنهار العلاقة الغرامية – أو حتى الزواج – بسبب حزمة من التنازلات، التي لم تكن مبررة أو لم يكن لها سبب، فعند التوقف عن منح المزيد من التنازلات، يحدث التشابك والاختلاف.
الحياة محملة بالصعاب والعقبات، وتكثر فيها الآراء ووجهات النظر والاختلافات، ولو قررت أن تكون مسالماً أو أن تقدم تنازلات لأنك تحب الطرف الآخر، فثق أنه سيأتي يوم، وتتوقف عن بذل المزيد من الجهد، للمحافظة على هذا الحبيب، لأنه ببساطة يكون قد استنزفك، فأنت لم تنظر إلا من خلال عينيه، ولم تفكر إلا بواسطة عقله، وببساطة ألغيت عقلك وأغمضت عينيك، لذلك لم تعد تشاهد الحياة وجمالها، ولم تعد تشعر أنك موجود، وأن كيانك له حرية التفكير..
وكما جاء في الأثر من قول:" أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما". هذا الأثر لعله يلخص لنا مشكلتنا الحقيقية، وهي أننا نوظف كل الحواس والمشاعر والوقت والتفكير، وصببناها في أتون الحبيب المزعوم، لنكتشف فيما بعد أننا فقط أحكمنا ربط الطوق على أعناقنا لا أكثر، وعند التخلص من هذا الطوق، فإننا نعرض أنفسنا لألم اللحظة، فضلاً عن الندم المستمر لوقت وطويل، لأننا وضعنا ثقتنا المفرطة بين يدي إنسان لم يكن جديراً بها، والسبب الحب، الذي لم نسمح له بالنمو الطبيعي والتحول، ليكون مؤسسة مقدسة كالزواج.