تمر بداية العام المقبل خمس وعشرون سنة كاملة على اكتشاف أول حمالة صدر من النوع الرافع للصدر (بوش آب) والتي اعتبرت إنجازا عظيما في صناعة الملابس الداخلية، وقالت الدار المصنعة لها حين ذاك “غروساردز وندر برا” في حفل إطلاق حمالة الصدر الجديدة إنها تعتقد أن المنتج الجديد سيكون “أيقونة في عالم الإشهار”، وشهدت قطعة الملابس الداخلية الجديدة نجاحا منقطع النظير داخل أوساط الموضة والأزياء بالدرجة الأولى قبل أن تنتقل إلى عامة الناس.
وتحدثت عارضة الأزياء العالمية كيت موس إلى صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، في العام نفسه، عن حمالة الصدر المحشوة بالهواء أو القطن قائلة إنها “منبهرة بالقطعة الجديدة حتى وإن قسمتني نصفين”.
وشهدت الأعوام اللاحقة مبيعات خيالية لحمالة الصدر الحدث وهو ما جعل دار “فيكتورياس سيكرت” للملابس الداخلية تطلق أول حملة إشهار تلفزيونية لقطعة الملابس الجديدة في عام 1994، وأطلقت الدار عرض أزياء سنوي للملابس الداخلية، في العام نفسه، شاركت فيه عارضات الأزياء الأغلى سعرا مثل أدريانا ليما وجيجي حديد وغيرهما وهن يدفعن بصدورهن المنتصبة إلى الأمام، وهو العرض الذي كان يحضره كبار المشاهير ويشاهده قرابة 500 مليون متفرج عبر تلفزيونات العالم.
واعتبر الـ”بوش آب” من القطع الداخلية الأكثر جاذبية وإغراء، بسبب إبرازه لمنطقة الصدر، التي تعتبر من أكثر الأماكن الأنثوية لفتا لانتباه الرجل، كما أنه يحسن من قوام المرأة ويمنحها مظهرا شبابيا، وهو ما يصب في إطار التوجه العام لصناعة الملابس الداخلية في ذلك الوقت، والتي كانت تتسابق نحو هدف واحد ومؤكد يتلخص في جعل المرأة مغرية، لافتة للانتباه وجذابة، غير أن ثورة الملابس الداخلية الحديثة تهدف أكثر إلى جعل المرأة تتسم بالثقة بالنفس والتوازن والقوة.
وجعل هذا التوجه الملابس الداخلية النسوية تنتقل إلى ما أطلق عليه بعض المراقبين اسم “مرحلة النضج”، حيث أصبحت تهتم بتوفير الراحة للمرأة قبل أي شيء آخر، وهو ما يعني أيضا وبالضرورة أن الهدف لم يعد جعل المرأة تبدو مغرية وجذابة للرجل، وإنما جعلها تبدو واثقة من نفسها، راضية عن مظهرها ومرتاحة.
وتمر صناعة الملابس الداخلية بثورة موازية للثورة النسوية في العالم. ومع اندلاع الحركة النسوية في بداية الستينات من القرن الماضي، كانت النساء يلبسن الكورسيت، ضاغطات بذلك أنفسهن وأجسادهن داخل قطعة شديدة القسوة والإيلام.
وأصبحت المرأة تطمح إلى المزيد من الحرية بانطلاق الموجة الثانية، واتجهت نحو التحرر الجسدي، وتزامن ذلك مع حركة التحرر الجنسي ومطالبة المرأة بحقها في الإجهاض واستعمال حبوب منع الحمل والتحكم في جسدها بمفردها، فارتدت النساء الملابس الداخلية الأكثر إثارة ولفتا للانتباه وركزت صناعة الموضة والملابس الداخلية في تلك الحقبة على إبراز جسد المرأة وجعله يبدو مغريا، فظهر البوش آب والسترينغ وغيرهما من القطع المثيرة، المتحررة، الضاربة بكل القيم والمبادئ عرض الحائط، والدافعة بجسد المرأة -حرفيا- إلى الانفلات.
واتسمت الموجة الثالثة، أي المرحلة الحالية، بشيء مغاير تماما، وفي ذات الوقت متسق مع ما تشهده الحركة النسوية من تغيرات حالية، ألا وهي تمكين المرأة من مظهر قوي، واثق ومتوازن.
ويبدو أن دور تصنيع الملابس الداخلية فهمت الاحتياج الجديد للمرأة في مرحلتها الثورية الثالثة وتجاوبت معه فانتقلت إلى تصنيع ملابس داخلية مريحة، مبطنة وليس بها أي حشو أو معادن رافعة، لكنها على الأرجح تتسم بقوة القماش وجودته وقدرته على امتصاص العرق، وشد الجسم وإعطائه مظهرا رياضيا واثقا.
وانتقلت عروض الأزياء أيضا من مرحلة التركيز على الوجوه والأجسام الجميلة إلى الأجسام الرياضية، وأغلب الصور المروجة للملابس الداخلية الجديدة لا تولي الوجه أهمية كبرى بل إنها في أغلب الأحيان تعمد إلى تغييبه بالكامل تاركة مساحة أكبر لقوة الجسد.
وتبدو الملابس الجديدة التي بدأت تغزو الأسواق منذ عامين تقريبا قبيحة وتخلو من أي جاذبية لمن تعود على الملابس الداخلية المزينة بالدانتيل والكشكش والكروشيه والأشرطة والحرير والعقيق.
لقد انتهت إذن مرحلة الترويج للمرأة على أنها أداة متعة وإغواء وبدأت مرحلة الترويج لها كشخص فاعل في المجتمع، قوي وثابت، ويتمتع بالمواهب والخبرات، كما أنه مليء بالتطلعات والأحلام.
وصممت الملابس الداخلية بناء على استفتاءات للرأي في صفوف الآلاف من النساء وكان السؤال الموجه إليهن “ما الذي ترغبين في أن توفره لك الملابس الداخلية؟”، وكانت الإجابات في معظمها “نريد ملابس مريحة، لا تعرقلنا، لا نشعر بوجودها ولا تسبب التعرق”.
ويجد بعض المتابعين للتصميمات الجديدة بأنها غير أنثوية، إلا أن الشركات المصنعة ترى العكس تماما، فالأنوثة مفهوم متطور حسب رأيها ولا يعني الإغراء بالضرورة. الأنوثة الحديثة تعني التمكن والقوة والثقة والطموح.