خاضت المرأة المصرية – وما زالت – نضالاً أكيداً من أجل الحصول على مكتسباتها، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والتى يأتى القلب فيها المشاركة البرلمانية، حيث حققت المرأة تنوعاً متبايناً فى خريطة طريق إدراكها لتمثيل يتناسب مع قوتها وقدراتها
لا أستطيع القول أن تضمين التشريعات أو الدساتير نصوصا تحقق للمرأة تواجدا مشروطا وفق نظام «الكوتة»، يمثل نجاحا حقيقيا لها، مع التسليم بحاجة المجتمع المصرى إلى شىء من ذلك فى بعض الأحيان، شريطة ألا يكون عاما مجردا، فذلك قد يتسبب فى «كسل» قطاع المرأة وزعاماته عن السير بخطى ثابتة فى تغيير المفاهيم تجاه مشاركة المرأة السياسية، ومن ثم تفقد القدرة على إقناع الرأى العام بضرورة تواجدها وكفاءتها.
تقديرى أن المرأة هى التى تفرط فى قدراتها وإمكاناتها وتنسحب من الحلبة تاركة الرجل هو الذى يقرر ويحدد وينفذ، تقديرى أيضا أن ربط الأزمة بضرورة التحرر من قيم التعاليم الدينية فيه ظلم كبير للمرأة والدين معا، ولذلك فجزء كبير من الإشكالية - برأيى - يكمن فى عدم تمثيل زعامات المرأة تمثيلا حقيقيا، يناسب الثقافة الإسلامية الوسطية السمحة، وخصوصية مجتمعاتنا الشرقية.
يشغل موضوع المشاركة السياسية للمرأة كل المتهمين بقضاياها، وفى مصر لجأ المشرع إلى حيلة تشريعية تضفى إلى المرأة مساحات أوسع فى المشاركة السياسية، بتكوين كوتة نسائية فى البرلمان المصرى، بجعل حصة مقاعد المرأة فى البرلمان المصرى على الأقل 65 مقعدا، ولم تكن هذه المحاولة الأولى للمشرع المصرى فقد عمد من قبل بمقتضى القانون رقم 21 لسنة 1976 الذى سمح بتخصيص ثلاثين مقعداً للنساء كحد أدنى، وبواقع مقعد على الأقل فى كل محافظة، وسار المشرع الدستورى على هذه الخطى فى الدستور المعمول به حاليا فى إقرار الكوتة فى تمثيل المرأة برلمانيا.
ويقصد بالمشاركة السياسية للمرأة دور الفاعل فى صنع القرار على مستوى مؤسسات الدولة المختلفة التشريعية والنيابة وكذلك المجالس المحلية، كما تشمل المشاركة السياسية للمرأة دورها كناخبة، ففى بعض الدول المتقدمة والديمقراطية نجد أن عدد الناخبات يفوق عدد الناخبين مثل فنلندا، وإذا كان هناك بصفة عامة نوع من التقارب فى نسب المشاركة السياسية بين الرجل والمرأة كناخبين، فهناك فجوة كبيرة فى نسب تمثيل المرأة كمرشحة وكعضو فى البرلمان، وتوضح قاعدة البيانات الخاصة بالاتحاد البرلمانى الدولى ترتيب الدول حسب نسبة تمثيل المرأة فى البرلمان، وتشتمل هذه القاعدة على «135» دولة، وهى الدول الأعضاء فى الاتحاد البرلمانى – الدول من «1» إلى «120» هى دول بها تمثيل للمرأة فى البرلمان، حيث تأتى رواندا على رأس القائمة بنسبة %48.8 تليها الدول الاسكندنافية مثل السويد والنرويج والدنمارك وهولندا، بنسب تمثيل تتراوح بين %36 و%45 بينما يأتى ترتيب مصر فى ذيل القائمة، حيث تحتل المركز 116 حيث تبلغ نسبة تمثيل المرأة فى مجلس الشعب %2.4 فقط، أما باقى الدول الخمس عشرة فهى الدول التى لا تمثيل للمرأة فيها مثل السعودية والنيجر، كما توضح قاعدة البيانات بعض الدول فى نسب تمثيل المرأة فى برلماناتها مثل تمثيل المرأة فى الأمريكتين %18.6 وفى آسيا %15.1 وفى أفريقيا %14.6 وفى الدول العربية %4.8 «تقرير التنمية البشرية عام 2007».
وإذا كانت محاولات المشرع المصرى صنع كوتة تسمح للمرأة بالتواجد فى البرلمان بالتشريع 21 لسنة 79 بضرورة وجود ثلاثين مقعدا على الأقل للنساء، إلا أن أداء المرأة على ما يبدو لم يقنع الناخب المصرى أو لم يستوعبه على الأقل.
وكانت الانتكاسة فى جهود المشرع المصرى عام 1986، إذ قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون رقم 21 لسنة 1979، لما ينطوى عليه من تمييز على أساس النوع، وقد انعكس إلغاء هذا القانون بصورة سلبية على المشاركة النسائية فى انتخابات 1987، حيث انخفضت النسبة إلى %3.9 ممثلة فى ثمانى عشرة عضوة منهن اربعة عشرة منتخبة واربع معينات – وكان النظام الانتخابى المعمول به آنذاك مبنياً على القوائم الحزبية، وقد خلت قوائم معظم الأحزاب من العناصر النسائية فيما عدا الحزب الحاكم وحزب التجمع، وفى انتخابات 1990 التى استندت إلى النظام الفردى ثم انتخاب سبع عضوات كما تم تعيين ثلاثة، وبذلك استمر تمثيل المرأة فى مجلس الشعب فى الانخفاض حتى وصلت النسبة إلى %2.2..
وهنا يثور السؤال الكبير «هل العبرة بعدد النساء فى البرلمان؟ أم بمدى فعاليتهن فيه؟ فبالنسبة لأداء المرأة البرلمانى، فإن سجل مشاركة المرأة سواء فى مجال اقتراح القوانين أو طلبات الإحاطة، فإنه يتميز بقدر من التوازن، إلا أن مناقشة المرأة لمشروعات القوانين اتسمت بالضعف الملحوظ، ولا يستثنى من ذلك مشروعات القوانين التى تهم المرأة، كقوانين العمل والجنسية والأحوال الشخصية، كما يلاحظ أن الأداء التشريعى والرقابى للمرأة داخل البرلمان كان يتناسب طردياً مع درجة انفتاح النظام السياسى القائم على التعددية الشكلية وثقافة الحزب الواحد «سلوى شعراوى جمعة: المشاركة السياسية للمرأة المصرية بين الفاعلية والسلبية – هيئة الكتاب 1996».
هذا وقد اقتصر النشاط الرقابى للمرأة المصرية داخل البرلمان على وسيلتين تقليديتين، هما طلب الإحاطة والسؤال، ولم تتقدم امرأة واحدة على مدار تاريخها البرلمانى باستجواب على الموضوعات الرقابية ذات الطابع الاجتماعى مع الأخذ فى الاعتبار أن المرأة تولت رئاسة اللجنة الدستورية والتشريعية فى مجلس الشعب، وقد سبق للمرأة رئاسة لجان الثقافة والإعلام والسياحة والعلاقات الخارجية.. إذن ماهو المعنى الكامن وراء رحلة الصعود والهبوط والإنجازات التى حققتها، والاخفاقات التى منيت بها المرأة المصرية فى مجال المشاركة السياسية، ويستوقفنا أسباب ارتفاع نسبة المشاركة السياسية للمرأة، وبلغت الذروة فى انتخابات 1979، 1984، ولماذا هبطت بعد ذلك حتى وصلت إلى انتخاب أربع مرشحات فقط فى عام 2005؟ ثم عادت لترتفع فى انتخابات أول برلمان بعد ثورة 25 يناير، وما مغزى مردود ذلك فى مجال المشاركة السياسية بهذا القدر من الضآلة والانحسار؟ وما جدوى أن تتمتع المرأة المصرية دستورياً بكل حقوقها السياسية غير المشروطة مما يميزها عن غيرها من نساء كثير من الدول بما فى ذلك بعض الدول المتقدمة؟ وما هى الأسباب الحقيقية التى تكمن خلف عدم ممارسة المرأة المصرية لحقوقها السياسية؟ وماهى المبررات الموضوعية لعزوف الأحزاب عن ترشيح أعداد كافية من النساء فى الانتخابات العامة؟ ذلك ما قد نحاول تتبع أسبابه فى مقال مقبل.