إن ربيع الثورات العربي الذي طال الكثير من المظاهر الحياتية المصرية، أضفى بظلاله على مشاركة المرأة المصرية في الحياة السياسية والمجتمعية، فمن ميدان التحرير إلى صناديق الانتخابات، اتسمت مشاركتها بالتنوع على نحو غير متوقع، لفتت أنظار العالم إلى شجاعتها عندما شاركت مع الرجل بكل قوة في معترك ميدان التحرير بحثاً عن العدالة الاجتماعية والحرية من قيود نظام فاسد، لكن اتخذ هذا الحماس منحى آخر عندما تعلق الأمر بالمشاركة السياسية بوجه عام، حيث تراجعت المرأة المصرية عن أدوار القيادة بعد نضال مرير في ساحات الثورات ، نعم تمكنت من حسن التعبئة ونجحت في استعمال الوسائط الجديدة للتواصل، وضحت بدمائها واستشهدت كما استشهد الرجل، لكنها رضيت أن تسلم زمام المبادرة والقرار السياسي في قيادة الثورة للرجل... فهل هو ضعف في التمكين السياسي والقيادي ؟ هل هو إقصاء لها بعد نضال مواز للرجل ؟ أم أن عدم ثقتها في مهاراتها القيادية ساهم في تراجعها عن المطالبة بحقها في ريادة مناصب سيادة القرار ؟ ألم تتمكن المرأة من المبادرة لتحقيق الريادة السياسية واستغلال أكبر فرصة تاريخية لتفعيل قدرات التمكين ؟ ألم يكن بمقدورها العودة إلى الساحة لتحقيق مفهوم التمكين السياسي الذي اختطف منها بعد نجاح الثورات؟ أم أن قدراتها ومهاراتها مازالت محاصرة بعقلية التطويع الإرادي الاستتباعي للرجل والذي نتج عن تراكم تاريخ ممتد من التهميش السياسي والاجتماعي ؟
كانت المرأة المصرية محور الكثير من الأحداث ، وأثارت جدلاً حول دورها في الأحداث السياسية المتلاحقة، إلا ان نتائج الانتخابات البرلمانية في 28 نوفمبر 2011 كانت ضربة لجميع القوى النسائية المصرية، لأنها أعطت رسالة مفادها إن لم نصلح تشريعاتنا ونطور أفكارنا المجتمعية، لن تكون النساء قادرات على حصد ثمار الثورة، مع وجود هُوة بين ما تنص عليه معظم مواد دستور 2012 من مبادئ المساواة بين المواطنين ومبدأ عدم التمييز بين الجنسين وبين ما تضعه بقية القوانين من قيود على ممارسة هذه الحقوق.
إن محدودية تمثيل المرأة في البرلمان وضعف مشاركتها في السلطة التنفيذية اصبح واضح جداً، ولا تقتصر هذه الاشكاليات على التمثيل في مواقع اتخاذ القرارات الحكومية بل تمتد إلى منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية.
وإذا ما قورن حجم تمثيل المرأة قبل الثورة والذي وصل إلى 64 نائبة نجده أفضل مما كانت عليه بعد ثورة 25 يناير والذي تقلص ليكون أربعة فقط، ورغم أن الفارق كبير لكن لابد من الإشارة أن مكتسبات تمثيل المرأة برلمانيا ما قبل الثورة افتقرت إلى آليات استدامتها، وحتى بعد ثورة 30 يونيو كان هناك اتجاه داخل لجنة الخمسين لعدم إقرار حق الكوتا للمرأة في دستور مصر 2014، الأمر الذي قد يؤدي مرة أخرى بالمرأة أن يتم استغلالها ككتلة تصويتية لبعض التيارات السياسية كما حدث من قبل في انتخابات 2011 .
وهذا يخلص بنا الى استنتاجات هامة مفادها أن:
· الأحزاب التي تبوأت العملية السياسية بعد الثورة لم تكترث لأن يكون للمرأة وجود في البرلمان، خاصة في ظل صعود الأحزاب الإسلامية إلى البرلمان والذي نال 70% من مقاعده، ورغم إصرار النساء وبشراسة على أن تثبتن وجودهن من خلال جملة البيانات والاحتجاجات التي اطلقتها منظمات المجتمع المدني والناشطات حول القوانين والمواد الدستورية، وتحفظهن على المادة التي تنص على "المساواة بين المرأة والرجل مع عدم الاخلال بأحكام الشريعة الإسلامية" ومن ثم إلغاؤها، إلا ان عدم تبؤها مناصب تشريعية أو حتى تنفيذية جاء منسجماً وعملية الغاء الكوتا التي كانت مكسبا حقيقيا من المفترض المحافظة عليه وتطويره بزيادة نسبة التمثيل البرلماني للمرأة لتكون على أقل تقدير 25% كما حدث في تجربة العراق.
تمثيل النساء البرلماني يضاف إليه محاولة إلغاء قوانين هامة كالأحوال الشخصية والخلع، زاد من تهميش المرأة، وجعلها مغيبة عن صنع القرار السياسي، وغير قادرة على تحقيق أهدافها وطموحاتها التي خرجت مطالبة بها.
قضية تفعيل وتدعيم قدرة المرأة المصرية على ممارسة جميع أنماط المشاركة الحقيقية في الحياة بشكل عام، وليس فقط السياسية، لابد تنطلق من إرادة حقيقية في تطبيق المواثيق والمعاهدات الدولية التي اقرتها مؤتمرات دولية والتي غالباً ما بقيت حتى الآن حبراً على ورق.
على المنظمات النسوية والناشطات ان يعدن حساباتهن وفق المتغيرات التي طرأت على الساحة عالميا وعربيا، وأن يكن أكثر تماسكا، من خلال توحيد الخطابات اثناء الاحتجاجات وفرض مطالبهن عبر البيانات الموحدة، فالحقوق في النهاية تنتزع ولا تمنح خصوصاً في ظل مجتمعات دأبت على تهميش دور المرأة.
إن حداثة التجربة الديمقراطية في مصر تؤثر سلبا على تمتع المرأة بحقوقها، وهو مرتبط أيضا بضعف الإرادة السياسية الهادفة إلى منح المرأة دور في الحياة السياسية، وهناك 3 تجسيدات لازمة للإرادة السياسية حتى تتجاوز مرحلة "مناشدة" المجتمع لكي يغير نظرته لمشاركة المرأة السياسية، وهي:
أن تكون الرؤية مبنية على تحليل دقيق وشامل للمعطيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة، وليست مجرد مبادرة فوقية من القيادة السياسية.
أن يصاحب "الرؤية" التزام بتخصيص الموارد المالية والبشرية والفنية والمؤسسية اللازمة لإنفاذها.
أن تكون "الرؤية" قابلة للتنفيذ، بحيث تستطيع الحكومة استكشاف المخاطر والفرص الحقيقية لتمكين المرأة سياسيا.
ومن ثم يقع عبئا على مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية، من أجل تحقيق تمثيل سياسي عادل ومشرف للمرأة المصرية، كالتالي:
على مستوى الحكومة: رسم خطط على المديين الطويل والقصير لتفعيل دور المرأة بدعم واشراف حكومي، وضع سياسة اعلامية تعمل على تغيير النظرة المجتمعية للمرأة، ايجاد آلية للنص صراحة في قوانين الانتخابات على ما يضمن تمثيل المرأة في المواقع المختلفة وتخفيض سن الترشح، وبناء كوادر نسائية سياسية على المستوى المحلي بحيث تمثل بداية لترقي المرأة لمستويات أعلى ولكي تجد الأحزاب مرشحات قويات قادرات على المنافسة والفوز في الانتخابات.
على مستوى الأحزاب السياسية: قيام الأحزاب بإعادة قراءة خطابها السياسي وصياغة برامجها بمنظور يعيد صياغة نظرتها لمسألة مشاركة المرأة ويواكب احتياجات المجتمع، وإعادة صياغة أنظمتها الداخلية بحيث تحدد آليات ملزمة لانتخاب المرأة في المواقع القيادية داخلها.
على مستوى مؤسسات المجتمع المدني: تشكيل جماعات ضغط، فتح حوار حقيق بين الجميع للخروج بميثاق شرف تلتزم به جميع الأطراف، ليس فقط لضمان نزاهة الانتخابات، ولكن لضمان وضع المرأة في سلم القوائم الانتخابية لضمان التمثيل، بالاضافة الى قيادة عملية تغيير ثقافي مجتمعي من خلال نشر وتعزيز مفاهيم المواطنة، تستهدف الرجال والنساء سويا، لتصحيح الصورة الذهنية السلبية عن المرأة.
وأخيرا.. إن حرمان أي فئة اجتماعية من فرص المشاركة المتوازنة في عملية التنمية بأشكالها المتعددة، يهدد استراتيجية التنمية ويحرم المجتمع من مقومات هامة، خاصة اذا كان التمييز بسبب بعض الخصائص النوعية (مثل النوع )، كما أن الإرث التاريخي السلبي يفرض علينا منح أولوية لمشاركة المرأة مستقبلا، ليس فقط لمجرد رفع الظلم عنها، أو تعويضها عن تهميش استمر طويلا، ولكن كاستراتيجية وطنية عامة ذات طابع تنموي، يسعى لاستثمار الطاقات وتنمية الموارد البشرية، لدفع عملية التنمية.