في البداية لابد أن نذكر بأن هذا الإسم كان أول ظهوره في الكون بوجود سيدنا إبراهيم الخليل أبي الأنبياء , عليه و عليهم السلام , و هو إسم أعجمي كما يقرر المعجميون و يقول أهل النحو أنه ممنوع من الصرف لهذاالسبب ولسبب العَلَمِيّة .
و من العرب من يقول " إبراهام" و هي قراءة لابن عامر( للقرآن الكريم ) كما قال البكري في كتابه (إعراب أذكار الصلاة المكتوبة ص 110) , و منهم من يقرأ بدون الألف (إبرهم) و شاهدنا ما جاء في شعر منسوب إلى جد رسول الله ، عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف , أبو الحارث , أو شيبة الحمد (ت بعد الفيل ب 9 أو 10 سنوات ) *1 :
نحن آل الله في كعبتهِ لم يزل ذاك مع عهد ابرهم
و كما تلاحظ أورد الاسم بهمزة وصل , بينما يورده آخرون بهمزة قطع , وكما يقول البكري أيضا (ص111) :
هو إسم أعجمي فإذا عربته العرب فإنها تخالف بين الألفاظ و يقول أبو علي الأهوازي في إبراز المعاني (462) *2: في القرآن تسعة و تسعون موضعا ذكر فيه ابراهيم ثلاثة و ثلاثون بالياء "إبراهيم" و ستة و ثلاثون بغير ياء " إبراهم" والله أعلم ..
و في التشهد يروى أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم كان يقول : (( اللهم صل على محمد و على آل محمد و صل اللهم على إبراهيم و على آل إبراهيم .. )) .
وردت في الآية 124 من سورة البقرة "إبرهم" بلا ياء و كذلك في الآية 125 و 126 و 127 و 130 و 132 و 133 و 135 و 136 و 140 فهذه تسعة مواضع و ذكر أيضا بلا ياء في الآية 258 ثلاث مرات , و مرة في الآية 260 أما في سورة آل عمران و ما بعدها من القرآن الكريم فيطالعنا الإسم بالياء :
" ماكان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا .. " آل عمران / 67 و في 68 و 84 و 95 و الآية 98 .. و هكذا إلى آخر المصحف , مع بيان أن القراءات تختلف , فقراءة هشام مثلا " إبراهام " بالألف في كل ما جاء في سورة البقرة و في سورة النساء (125 و 163) و سورة الأنعام (161) و التوبه (14) و سورة إبراهيم (35) و مواضع أخرى .
وقلنا آنفا إن " ابراهيم" اسم غير عربي ، ويعبِّرون عن ذلك بالأعجمي، و نقول : صحيح أنه أعجمي لكن عرَّبه العرب بالاستعمال فلذلك نقول بأن الجذر " ب ر هـ م " أو "أ ب ر هـ م ", هو جذر عربي رباعي أو خماسي , و قد ذكر في القرآن تسعا و ستين مرة بصيغتين إثنين هما :
- " إبراهيم "
- "إبرهم "
ولو فتحنا معجما من معاجم العربية ، مادة ( ب ر هـ م ) لوجدنا أن للجذر معنى قبل القرآن الكريم في أرومة اللغة العربية وجذورها الضاربة في أعماق التاريخ وما قبل التاريخ ، يقول الفيروزابادي : البرهمة إدامة النظر وسكون الطرف ، وتعني بُـرْعُمَة الشجر ويضمّ( أي بُرْعُمُة) . أما الاسم فقال : إبراهيم وإبراهام وإبراهوم وإبراهم(بضم الهاء وكسرها وفتحها) ، وفي اللسان ، قال العجّـاج:
بُدَّلْنَ بالنّاصعِ لَوْناً مُسْهـَمـا = = = ونَظَـراً هَوْنَ الهُوَيْـنـا بَرْهَمـا
ويروى دون الهُوَيْـنـا ، وقوله أَنشده ابن الأَعرابي "عَذْب اللِّثى تَجْرى عليه البرْهَما" ، قال البَرْهَمُ من قولهم بَرْهَمَ إذا أَدام النظرَ وأكد صاحب القاموس أنّ " إبْرَهَم" هو الاسم الأعجمي( فقط ) وكأنه يشير الى عروبة الاسم بألفاظه الآنفة ، إنه بطريقة غير مباشرة يشير الى أعجمية إبرهم وعروبة ما سواه ...
ولذلك أجرى عليه ما يجري على الجذور العربية من تصغير ( بُرَيْـه ، أبيره ، وبُرَيْهيم) وجمع (أبارِه ،أباريه ، أبارهة ، وبراهيم وبراهِم وبراهمة وبراهٍ) ، قلت :( أُبَيْرِهُ عند المبرد وعند سيبويه بُرَيهِمٌ )، ومن النسب (الابراهيمي ) والابراهيميون اثنا عشر صحابياً جليلاً ، والبراهمة قوم يعتقدون بعدم جواز بعثة الرسل على الله تعالى ، فلا يليق به ذلك بزعمهم .
كما ذكر التمر الابراهيمي الأسود المعروف في بلاد العرب ،وقرية الابراهيمية بواسط العراق ،وأخرى في جنوب تركيا ( جزيرة ابن عُـمر) وثالثة في نهـر عيسى . لكن السؤال المنطقي الآن هو ، هل عـرف العـرب قبل الاسـلام اسم ابراهيم ، فسمّوا أبناءهم به ؟
ما نعرفه أنَّ التاريخ لم يطالعنا بـأحدٍ تسمى بإبراهيم أبــداً، بالرغم ما ذُكر عن جد رسول الله أنه ذكر ابراهيم في دعاءٍ له يوم الفيل ، قال عبد المطلب عُذْتُ بما عاذَ به إبْراهِمُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلةِ وهْو قائمُ إني لك اللَّهمَّ عانٍ راغِمُ ، وهذا يعلل ما قاله ابن سيده : وهذا إذا تأَمَّلْته وجَدْته غير مُقْنِع ، فهو يشكك في عروبة الجذر الذي نتحدث عنه ، (3) والله أعلم .
وتساؤل آخــر، له وجاهته بزعمنا : مادامت البرهمة تعني إدامة النَّظر ، ألا يُذكِّـر هذا بمنهـــــج سيدنا ابراهيم الذي كان يديم النظر في ملكوت الله ، وتدرّج بالتعرف على الله " ربّ السموات والأرض" من خلال نظره في النجوم ثم القمر البازغ ثم الشمس ، قال تعالى : ((وإذ قال إبراهيم لابيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين * وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين* فلما جنَّ عليه الليلُ رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين)) سورة الانعام\6 ، ثم المرحلة الحاسمة : ((إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) (الأنعام .
وبالتالي يدفع هذا باتجاه دعم النظرية القائلة بأن الأنبياء جميعهم مصطفون من عند الله تعالى بأسمائهم وأصولهم وأجسامهم وتربيتهم و و و .... والله أعلم حيث يجعل رسـالته !!! فالله قد اختار ابراهيم باسمه إضافة إلى الخصائص الأخرى ، وتقول النظرية أنَّ أسماء الأنبياء جميعهم هي أسماء عربية ، واسم ابراهيم أحد الشواهد على ذلك ، ويوردون أمثلة أخرى (( نوح ، كان يبكي ، وإدريس من الدرس والعلم والخط بالقلم , ...... )) وهلمّ جَـــرَّا . وإن صحت النظرية هذه فنحن أمام فهمٍ جديد لقوله تعالى : ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)) آل عمران\19 ، وقوله تعالى :
))وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ . ...))
سورة آل عمران\ 64 ، وبالتالي وضع الأمة العربية أمام مسؤولياتٍ جسيمة ومهام عِـظـام ، وتأكيد أن الاسلام والعروبة وجهان لعملة واحدة قطعـاً ...
حاشية :
1-الاعلام للزركلي4\154 واللباب 2\445 وتاريخ الطبري2\246 والقراءات السبع2\268 والبحر المحيط لأبي حيان 1\542 .
2- نَسَب البكريُّ هذا الى ابن خالويه ، ونسبه محقق الكتاب ( أخونا الفاضل د\عبد الكريم مدلج ) الى الأهوازي،ينظر الكتاب واسمه الكامل : اعراب أذكار الصلاة المكتوبة وكشف أسرارها المحجوبة ، تاليف : علي بن محمد البكري ، تحقيق ودراسة : د\عبد الكريم مدلج \المكتبة العصرية – بيروت وصيدا 2011م .و ينظر أيضا ( تفسير النيسابوري1\317 ) والله اعلم .
3- ابن سيده : علي بن إسماعيل، والمعروف بابن سـِيدَه (398هـ/1007م - 26 ربيع الآخر 458هـ/27 مارس 1065م) كاتب معاجم أندلسي. ولد في مرسية ونشأ في بيت علم، علمه أبوه اللغة العربية والنحو، كان أعمى كأبيه. توفي أبوه وهو صغير .
يذكر المؤرخون أن ابن سيده أخذ عن أبي العلاء صاعد البغدادي، الوافد على الأندلس من المشرق، وكان من العارفين باللغة وفنون الأدب والأخبار، وتتلمذ على الطلمنكي المتوفى عام 428 هـ/1036 م ، وكان إماما في القراءات، ثقة في رواية اللغة، مفسرا محدثا، مشهورا بالورع ومحاربة البدع. قال فيه ابن قاضي شهبة في طبقاته : « ومن وقف على خطبة كتاب المُحْكَم علم أنه من أرباب العلوم العقلية ، وكتب خطبة كتاب في اللغـة إنما تصلح أن تكون خطبةً لكتـاب الشفاء لابن سينا » والحمد لله رب العالمين .