من منا لم يتعرض لموقف في حياته أفقده تركيزه وأخرجه من أطواره وجعل الغضب يتلبسه من كل جانب، إن مواقف الحياة عديدة ومتنوعة، خصوصاً تلك المواقف التي تتعطل فيها لغة الكلام وتتوقف فيها الحواس كافة عن محاولة الشرح والتفصيل.
جميعنا نغضب ونعبر عن هذا الغضب بطرق متنوعة لعل ما يجمعها أنها تعبير خارج عن السيطرة وبعيد عن الحكمة، لذلك نعتبر أن الأشخاص الذين يتمتعون بالحلم والأناة وسعة البال مميزون ونضرب بهم المثل، وهم بالمناسبة نادرون أو أن أعدادهم قليلة إذا تمت مقارنتها بقائمة الغاضبين الذين تتملكهم العصيبة بسرعة.
لعل من أكثرهم ما جاء في كتب التاريخ الأحنف بن قيس، رضي الله عنه، حيث يروى أن رجلاً شتمه، فلم يرد عليه ومشى في طريقه، ومشى الرجل وراءه، وهو يزيد في شتمه، فلما اقترب الأحنف من الحي الذي يعيش فيه، وقف وقال للرجل: إن كان قد بقي في نفسك شيء، فقله قبل أن يسمعك أحد من الحي، فيؤذيك.
والقصص من العصر الحاضر متنوعة، لعل منها ما تم تداوله بواسطة الأجهزة الذكية من قصة رجل يقول فيها إنه ذات يوم كان متوجهاً للمطار مع صاحب تاكسي (الأجرة) وبينما كانا في الطريق وسائق التاكسي ملتزماً بمساره الصحيح، فوجئوا بسيارة تدخل على مسارهم من موقف سيارات بجانب الطريق، وبطبيعة الحال قام سائق التاكسي (الأجرة) بالضغط على مكابح الفرامل بقوة، ليتلافى الاصطدام بتلك السيارة.
يقول الرجل: الغريب أن سائق السيارة الأخرى «المخالف» أدار رأسه نحونا وانطلق بالصراخ والشتائم تجاهنا، فما كان من سائق التاكسي إلا أن كظم غيظه ولوح له بالاعتذار والابتسامة! لقد استغربت من فعله وسألته: لماذا تعتذر منه وهو المخطئ، فقد كاد أن يتسبب لنا في حادث؟ فأجاب سائق التاكسي قائلاً: كثير من الناس مثل شاحنة النفايات، تدور في الأنحاء محملة بأكوام النفايات، هذه النفايات هي المشاكل بأنواعها الإحباط، الغضب، وخيبة الأمل، وعندما تتراكم هذه النفايات داخلهم، يحتاجون إلى إفراغها في أي مكان قريب، فلا تجعل من نفسك مكباً للنفايات لهم.
هكذا وببساطة متناهية يمكن أن تقل أدبك وتخرج عن طورك وتشتم وتلعن ولا توفر كلمة بذيئة إلا قلتها، لكنك بهذه الممارسة تكون تسلمت نفايات الآخر ونقلتها لداخلك، حكمة سائق الأجرة نتاج تجربة وممارسة، بسبب طبيعة عمله، لنتخلص من الغضب ونرحم قلوبنا وننظف أرواحنا.