عاد آذار معبق برائحة الدم في فلسطين دم زرعه الاحتلال مع سنابل القمح وزقزقة العصافير ودم صنعناه بأنفسنا لأجل وهم الشرف المسلوب.. إن آذار موجع حد الموت فعيده يذكرنا دوما أننا لازلنا نراوح أماكننا في سبيل الدفاع عن قضايا المرأة ويذكرنا بعجزنا عن الدفاع عن امرأة واحدة فلماذا تنصب المشانق في العتمة ونكاد نلمح جثتهن في الطرقات ..!!
لا تسل كم؟ بل اسأل لماذا؟
السؤال الأول بعد كل جريمة قتل للنساء كم عدد النساء اللواتي قتلن هذا الشهر؟ هذا العام؟ العام الماضي؟ سؤال مهم يساعد في تشخيص الحالة وحجم الظاهرة ودلالات أخرى لكنه في حالة قتل الشرف سؤال مقيت يقزم الحياة ويدفن الجثث تباعا بهدوء ويرصها على الأرض فوق التراب ويبدو السائل كمن يعد مع الإجابة واحد اثنان ثلاثة وكلما زاد العدد ارتفع الحاجبين!! لا يا سادة ..قتل الشرف ليس رقما تكبر به المشكلة او تصغر إن حياة لإمرأة واحدة وفتاة واحدة هي حياة كل النساء..فلماذا يقتلن؟!
ماقبل القتل؟
هنالك حياة طويلة هي سلسلة من المعاناة اليومية والعنف الممارس تجاه النساء، فكم من إمراة تتعرض للعنف في هذه اللحظة وما هو شكل العنف الذي تتعرض له لفظا وقولا وبدنا وجنسا وبعضهن يعانين الأمرين بصمت ولو صرخن أتعبن الرجال فيبرعوا في إسكاتهن كانوا أقارب أو أنساب أو مؤسسات..
إن العنف ضد النساء لم يعد خافيا على أحد وهنالك العديد من الدراسات والأبحاث التي أشارت إلى تزايد هذا العنف بكافة أشكاله خاصة النفسية والبدنية منها فجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني يؤكد أن 37% من النساء تعرضن على الأقل لشكل من أشكال العنف في المجتمع الفلسطيني، وهذه الإحصاءات على دقتها إلا أن النسبة أكبر بكثير لأن ثقافة الصمت والخوف والتكتم على القضايا التي تتعلق بالنساء تمنع النساء من الإقرار بهذا العنف، ما يعني أن حجم العنف الواقع على النساء أكبر بكثير، ورغم هذا اليقين إلا أن التدخلات في سبيل حماية النساء هي تدخلات صعبة وتأثيرها غير كبير خاصة في ظل بقاء القوانين والتشريعات في حالة الشلل التام، فحتى البيت الآمن الوحيد الذي أنشأ في قطاع غزة لا يسمح للنساء المبيت فيه بسبب قرارات حكومة حماس ما خلق جمودا في أي خطوة متقدمة في سبيل حماية النساء، وهذا يشير إلى تدني الاهتمام بقضايا المرأة من قبل أطراف حكومية أو صانعة قرار وحصر هذا الاهتمام بالمؤسسات النسوية والحقوقية.
إن الإعلام الفلسطيني يعتبر شريكا في قتل النساء ووأدهن وتوجه له أصابع الاتهام، وفي عصر المدونات وأدوات التواصل الاجتماعي فالاتهام يصل لعنق كل إعلامي وإعلامية وكاتب وكاتبة لأن التسرع في نقل الأخبار والاستخفاف بحالات القتل ونسبها إلى قضايا شرف في حالة جرائم قتل للنساء هو فخ يقع فيه الكثيرون، وتتراشق الكلمات والقصص حول الضحايا ودمجها بالإشاعات والأقاويل غير الدقيقة يساهم في تشويه المقتولات مرة أخرى بعد مفارقتها الحياة، فالإعلامي عليه أن يتحرى قبل أن يكتب ووسائل الإعلام عليها أن تكون أكثر صدقا وشفافية مع قضايا قتل النساء، والموجع أكثر هو نسيان هذه الجرائم بعد أيام محدودة وكأن شيئا لم يكن!! بينما دور الإعلام يتوجب البحث جيدا في هذه الجرائم ومواجهة الحقائق والتفريق بين ما هو اسرار عائلية وحق الوصول للمعلومات
إن قتل إمرأة أو فتاة هو تعزيز لقتل نساء أخريات وصمت المجتمع والدوائر المسؤولة لصناع القرار هو تشريع ضمني بالقبول بهذا القتل، وهو ماليس منطقيا.
إن إصدار البيانات والشجب والاستنكار لم يعد كافيا على كل الجهات الفاعلة والقيادية في المجال الحقوقي والنسوي والشبابي، فعليها أن تتداعى وتشكل غرفة طوارىء لأن الحياة أقدس من الموت ولأن جريمة اليوم ستكون مستقبلا لجيل بأكمله سيتقبل هذا القتل وهذا الصمت وهذا الهوان، وليس مقبولا أن تطغى قضايانا السياسية على كل ماهو ضروري وملح في حياتنا لأن الاحتلال لازال جاثما والانقسام لازال جائما والقوانين والتشريعات ليس في المحاكم والقضاء فقط بل هي تفاصيل حياتنا اليومية.
إن الدفاع عن حق النساء في الحياة هو أولوية لكل النساء وللاعلاميات والمحاميات والناشطات وهنالك العديد من التدخلات على مستويات مختلفة يمكن القيام بها وليس بالضرورة أن ننتظر تمويلا أو معونة من الغير لأن هذه حياتنا ومستقبلنا ومستقبل بنات بلدنا، المجتمع ليس افلاطونيا ولم يكن أبدا ولن يكون لكن ليس علينا القبول بكل ما يفرضه المجتمع
إن إمراة سوداء واحدة أشعلت فتيل التمييز ضد السود وجابهت وحدها ضد القهر والظلم والتمييز وانتصرت لكل بني جنسها، فقد رفضت روزا باركس في العام 1955 أن تنهض من مقعدها في الحافلة لرجل أبيض مخالفة بذلك القانون الأمريكي في حينه المتمثل بمنع جلوس السود بتاتا في وجود رجل أبيض واقف، وثارت ثائرة الرجل الأبيض مع إصرار روزا برفض الوقوف لأجله فما كان من سائق الحافلة إلا التوجه لأقرب قسم شرطة لمعاقبتها، وتم التحقيق معها وتغريمها بـ 15 دولارا نظير تعديها على حقوق الغير!! وانطلقت الشرارة في أمريكا حيث غضب السود وقرروا مقاطعة وسائل المواصلات والمطالبة بحقوقهم كبشر لهم حق الحياة والمعاملة الكريمة، واستمرت حالة الغليان لمدة 381 يوما وفي النهاية خرجت المحكمة بحكمها الذي نصر (روزا باركس) في محنتها، وتم إلغاء ذلك العرف الجائر، وكثير من الأعراف والقوانين العنصرية. وأصدرت روزا كتابا بعنوان " القوة الهادئة" عام 1994 وصفت فيه مشاعرها فتقول: " في ذلك اليوم تذكرت أجدادي وآبائي والتجأت إلى الله، فأعطاني القوة التي يمنحها للمستضعفين"
إننا بحاجة إلى أن نقلب الطاولة على كل المسلمات التي تربينا عليها، وأن نعيد لعقلنا الاحترام، ليس مقبولا أبدا أن نستقبل آذار ونحن نحمل على أعناقنا دماء النساء، فآذار خلق حين احترقت النساء وتفاقم إهدار حقوقهن في العالم أجمع.
ماذا لو؟!..
ماذا لو اعتصمت النساء عند بيت القتيلات هل سيقتلوهن أيضا؟ لو لبسن السواد وواجهن السواد في قلوب المجتمع ولو مشين في صمت إلى قبر المغدورات ونثرن الورود عليها هل سيتم محاكمتهن أو ملاحقتهن لتضامنهن مع المقتولات؟؟ هل زيارة إلى أقسام الشرطة التي لديها محاضر التحقيقات لوفود نسوية وصحفية ودق جدران الخزان الصامت بالمطالبة بحق النساء بالمعرفة يزعج المجتمع؟ وهل لائحة سوداء للقتلة تسمى بلائحة العار وتنتصب في المحافظات تماما كالخائن لوطنه ليست حقا يجب المطالبة به؟!
هل المطالبة بالحق العام أمر لا يستحق العناء؟ وهل تسليم الضحايا لمصيرهن عمل بطولي للجهات المختصة بالحفاظ على الأمن؟ وعن أي أمن يتحدثون أصلا؟
إن العمل المجتمعي والتوعوي يجب أن يكون للذكور تماما كما الاناث لنتمكن من أن نشهد تغييرا حقيقيا لأجل المجتمع بأكمله.. فيجب توعية الأطفال في المدارس والشباب في الجامعات ويجب أن نصل لكل بيت علنا نسمع الأصم...لكن صمتنا جريمة أكبر وكلماتنا ستذهب أدراج الرياح إذا لم نفعل شيئا يستحق.!