قالت اول امرأة تعلن عن ترشحها للانتخابات الرئاسية التونسية إن الثورة في بلادها قامت ضد المرأة، مشيرة إلى أنها ستعمل في حال نجاحها بالانتخابات على تعزيز حضور المرأة التونسية في مراكز صنع القرار السياسي، ومساعدتها على استعادة بعض مكاسبها التي خسرتها خلال السنوات الأخيرة.
وخلال مؤتمر صحافي بالعاصمة التونسية، أعلنت آمنة منصور القروي (رئيسة الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء) ترشحها رسميا للانتخابات الرئاسية القادمة، دون أن تقدم برنامجا انتخابيا محددا، مكتفية بالقول إن وجود المرأة على هرم السلطة السياسية سيمنحها ‘نفسا (طابعا) جديدا لم تعهده البلاد من قبل’.
وحاولت القروي التقرب من النساء والشباب، حيث انتقدت ‘التهميش’ الذي أصابهما نتيجة استغلالهما من قبل بعض الأطراف السياسية، منتقدة بعض المظاهر الاجتماعية الطارئة التي جاء بها بعض المتشددين للبلاد كـ’ختان النساء’ و’تعدد الزوجات’ وغيرها.
وردا على سؤال حول البرنامج المخصص للنهوض بواقع المرأة التونسية، اكتفت القروي بالقول إنها ستعمل على ‘دعم وجود المرأة في مواقع القرار والمساواة مع الرجل في جميع المجالات’، مشيرة إلى أن وجود المرأة التونسية الفاعل الآن يقتصر على منظمات المجتمع المدني فقط.
ويسمح الدستور التونسي الجديد للمرأة بالترشح لرئاسة الجمهورية، حيث ينص الفصل 74 من الدستور على أن ‘الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حق لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية منذ الولادة، دينه الإسلام’، ويشترط أن يبلغ من العمر 35 عاما.
وحول تقييمها لأداء الحكومة الجديدة، أيدت القروي الإجراءات التي قام بها رئيس الحكومة مهدي جمعة مؤخرا، وخاصة فيما يتعلق بمراجعة بعض التعيينات الوظيفية في رئاسة الحكومة، مشيرة إلى أنها ‘خطوة إيجابية تُضاف إلى قرار مراجعة التعيينات في حركة الولاة والاستنجاد بخبرة عسكريين على رأس ولايات ذات خصوصية في مقاومة الإرهاب، (…) علاوة على التقدم الحثيث في الملف الأمني’.
لكنها طالبت بالمقابل بتوسيع رقعة الحوار الوطني ليشمل مختلف المناطق في البلاد، فضلا عن تبني خطاب دبلوماسي مسؤول وموحد ‘يعيد هيبة الدولة، ويعلي من مكانتها فوق جميع الأطراف السياسية ويبتعد عن المصالح السياسية الضيقة’.
ويبدو أن القروي لن تكون المرشحة الوحيدة لرئاسة الجمهورية، في ظل الحديث عن إمكانية ترشيح بعض الأسماء الأخرى كالنائبة في حزب التيار الديمقراطي التونسي سامية عبو، إضافة إلى الأمينة العامة للحزب الجمهوري مية الجريبي، رغم أن ترشيح الأخيرة ما زال غير مطروح بشكل رسمي.
وكان المكتب التنفيذي لحزب التيار الديمقراطي التونسي أكد في شباط/فبراير الماضي وجود شبه إجماع على ترشيح النائبة سامية عبو في الانتخابات الرئاسية المقبلة،وأن الهدف من الترشيح هو ‘بيان جدارة المرأة التونسية وقدرتها على المنافسة للمنصب الأعلى في الدولة’.
وحملت العروي خلال المؤتمر السياسيين مسؤولية العنف المنتشر في البلاد، مشيرة إلى أن العنف ‘بدأ بشكل لفظي عبر التجاذبات في المنابر السياسية، ومن ثم في المساجد والجامعات والشارع، ليتحول لاحقا إلى عنف جسدي تسبب بالفوضى وفرض حالة الطوارىء التي اضطرت الجيش للاهتمام بالداخل والابتعاد عن الحدود، ما فتح الباب أمام دخول الإرهاب إلى البلاد’.
من جهة أخرى أكدت القروي أن حزبها يجري حوارات ‘توافقية’ بين جميع الأطراف السياسية بهدف التقريب في وجهات النظر، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن حزبها تعرض في مرحلة معينة للإقصاء ‘لأن رئيسته امرأة، رغم أننا قدمنا عددا من البرامج السياسية والتنموية كميثاق الشرف للتعاون السياسي (انضم له 40 حزبا)، ودعوة للسلم الاجتماعي ونداء لتشغيل النساء، واقترحنا صندوقا تطوعيا للتشغيل في كل إدارة، لكنهم رفضوا ذلك’.
وبدا الشارع التونسي متحمسا لفكرة وجود امرأة على رأس السلطة السياسية في بلاده، لكن لا يبدوا تفاؤلا كبيرا لنجاح النساء بمنصب رئيس الجمهورية في ظل المنافسة الكبيرة من قبل بعض الرجال المخضرمين في السياسة.
ويرى محمود الحجري (إعلامي) أن معظم التونسيين يؤيدون وجود امرأة في رئاسة الجمهورية ‘فهذا لا يعد مفاجئا لدى التونسيين الذين يبحثون عادة عن الخلفية الثقافية والفكرية للمرشح وبرنامجه الانتخابي ولا يهمهم إن كان رجلا أو مرأة، إذا استثنينا موقف بعض الإسلاميين المتشددين’.
ويشير الحجري، الذي لم يبد متحمسا كثيرا لخطاب القروي، إلى وجود قيادات نسائية أخرى تتمتع بخبرة سياسية كبيرة وبخطاب متزن كمية الجريبي وسامية عبو، لكنه أكد في الوقت ذاته أن حظوظها ليست كبيرة في ظل المنافسة الكبيرة من قبل الرجال.
ويوافق سيف الدين طرابلسي (مصور صحافي) على ما قاله الحجري، مشيرا إلى أن ‘تونس تعتبر من اول البلدان التي ساوت بين الرجال والنساء في مجلة الاحوال الشخصية’، منتقدا مجددا خلو خطاب القروي من أي برنامج سياسي.
بدورها، تؤكد صفاء (طالبة) أن ترشيح امرأة لمنصب رئيس الجمهورية ‘أمر طبيعي جدا، لكنه صعب في ذات الوقت كونه سيحملها مسؤوليات كبيرة قد تفوق طاقتها، إضافة إلى صعوبة تقبل الناس لهذا الأمر’.
وتضيف شيماء (طالبة) ‘المرأة التونسية تنافس الرجل في جميع الميادين (وزيرة ومديرة ومعلمة وحتى سائقة طائرة وحافلة)، بالنسبة لي لا أرى ضيرا من وجود المرأة في رئاسة الجمهورية إذا كانت تتمتع بكفاءة عالية تمكنها من ذلك’.
يذكر أن رئيس حزب نداء تونس الباجي قايد السبسي كان أول من دعا لتولي المرأة منصب رئيس الجمهورية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وانتقد ‘الحضور المحتشم’ للمرأة في الحوار الوطني، مشيرا إلى أن مستقبل تونس يتعلق بشكل كبير بالمكانة التي ستعطيها لنسائها ومدى تمسكها بالمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات.
القدس العربي