البارونة كاثرين آشتون هي ـــ ربما ـــ أبرز الأسماء التي سيخلدها التاريخ، عند الحديث عن اتفاق جنيف الذي وقع هذا الأسبوع بين إيران ومجموعة 5+1. تنتمي آشتون لعائلة من الطبقة العاملة، وكانت أول فرد فيها يحصل على فرصة الدراسة الجامعية. ومنذ شبابها عملت بنشاط في حزب العمال، وشاركت في تأسيس ''حملة نزع السلاح النوويCND''. وكان محور اهتمامها هو تعريف الجمهور بالتكاليف الإنسانية الباهظة للسلاح النووي والمخاطر البيئية المترتبة على حيازة المواد المشعة. وهي حملة أدت إلى تشديد الرقابة على المنشآت النووية ونقل نفاياتها.
مضى عقد كامل على إعلان سعد أباد في تشرين الأول (أكتوبر) 2003 الذي أطلق أول مفاوضات جدية بين إيران والغرب. لكن الاتفاق فشل، كما فشل اتفاقان مماثلان في بروكسل وباريس في العام التالي. خلال هذه الفترة عقد الطرفان تسع جولات من المفاوضات المكثفة، ولدت انطباعا قويا أن إيران لن تتراجع عن المطالب التي وضعتها على الطاولة في سعد أباد، مهما يكون الثمن. الإصرار الإيراني ، والعقوبات الغربية الشديدة جعلا تلك المفاوضات أشبه بتدريب على العبور من خطوط النار. في نهاية المطاف أثبت المفاوضون الإيرانيون أنهم ملوك اللعبة الدبلوماسية، حين يقتضي الأمر الحصول على ما يعتبره الطرف الآخر مستحيلا.
لا بد بطبيعة الحال من الإشارة إلى تغير الظروف في المنطقة، من الأزمة السورية، إلى عودة الإصلاحيين للحكم في إيران، ولا ننسى بالطبع حاجة الولايات المتحدة للتوافق مع إيران قبل خروجها المرتقب من أفغانستان في 2014. لكن هذه الظروف ما كانت لتثمر لولا كفاءة آشتون، فقد وظفتها بذكاء بالغ. وأشير خصوصا إلى نجاحها في جمع وزيري خارجية إيران والولايات المتحدة، للمرة الأولى خلال ما يزيد على 20 عاما.
وصفت آشتون في الإعلام البريطاني بالسيدة الغامضة، بسبب قلة حديثها للصحافة. ولعل قلة الكلام وكثرة التفكير، هما اللتان مكنتاها من اقتراح حلول مبتكرة، أثمرت التزام إيران بنسبة 5 في المائة كسقف لتخصيب اليورانيوم، بعدما نجحت فعليا في بلوغ نسبة 20 في المائة. واقتناع المجموعة الغربية بتخفيف العقوبات الاقتصادية، فضلا عن السماح بتسييل ثمانية مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة في بنوكها، كدليل ملموس على جديتها في إنجاح الاتفاق.
إنجاز آشتون هذا، سيضمها بالتأكيد إلى قائمة أبرز النساء اللاتي لعبن أدوارا محورية في السياسة الدولية، خلال القرن الحادي والعشرين، جنبا إلى جنب مع هيلاري كلينتون، كوندوليزا رايس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. هذا يثير سؤالا جديا حول مصداقية الادعاء التقليدي بعدم كفاءة النساء للقيادة وصناعة الحلول على مستوى عالمي. ترى هل يمكن القول إن سيدات كهؤلاء أقل كفاءة من نظرائهن الرجال؟