فيما العالم يتجه للاحتفال بالثامن من آذار، اليوم العالمي للنساء، طالعتنا الأخبار والتقارير المنشورة خلال اليومين الفائتين، بأنباء عن حال المرأة الأردنية، يمكن وصفها بنصف الكأس الفارغة / المليئة بالماء ... دائرة الإحصاءات العامة مشكورة، عرضت علينا بالحقائق والأرقام، واقع المرأة في التعليم والصحة والعمل والأعمال والإدارة العامة ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، فيما الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، تلقين «هدية مفخخة» من الحكومة التي يبدو أنها تراجعت عن «الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات» إلى مجرد «مزايا خدمية»، تأتي وتروح مع كل وزارة ووزير.
المرأة على حالها في سوق العمل والأعمال، النسبة أقل من 14 بالمائة، وهي على هذا الحال منذ سنوات طوال، وغني عن القول أن المرأة إن لم تُمكّن اقتصادياً، لن تتمكن من استرداد حقوقها في المشاركة والتمثيل و»المواطنة المتساوية»، وهذه نقطة لطالما شكت منها المنظمات والجمعيات النسائية الأردنية المختلفة، التي – من أسف – لم تنجح حتى الآن، في تشكيل حركة نسائية أردنية وازنة، قادرة على إعادة صوغ نظرة الدولة والمجتمع لنصف مواطنيها.
نرتاح للتقدم في مكانة المرأة في السلكين الدبلوماسي والقضائي، مع أننا ما زلنا بحاجة لضخ المزيد من المواطنات في هذين الحقلين، وبالأخص في المراتب القيادية العليا ... وقد آن أوان تبوؤ المرأة الأردنية لمناصب قيادية، ومغادرة مربع «السكرتارية» و»الأعمال الإدارية المتواضعة» التي تكاد تستوعب معظم القوى العاملة النسائية ... ونرتاح أكثر لرؤية النساء في حقلي التعليم الأساسي والمتوسط والعالي، لكن الدولة معنية بتشجيع النساء المتعلمات على الانخراط في سوق العمل والأعمال، وإلا صار الإنفاق على تعليم النساء، أقل جدوى من الناحية الاقتصادية، وأقول «أقل جدوى» وليس «غير مجدٍ»، لأن تعليم النساء يظل قيمة بذاته، سواء انخرطت المرأة في سوق العمل أم التزمت منزلها وأسرتها.
وثمة حاجة لتطوير مشاركة المرأة في المجتمع الأردني، وعاموده الفقري هنا، يتمثل في النقابات المهنية والعمالية، التي تستوعب مئات ألوف الأردنيين والأردنيات، ونفرح لقيام النقابات العمالية المستقلة، بإيلاء اهتمام خاص للنساء في عضويته، منذ الأيام الأولى للتأسيس، كما نفرح بمبادرته تنظيم لقاء احتفالي موسع السبت المقبل لإحياء يوم المرأة العالمي، وهل ثمة من هو أكثر من النساء العاملات استحقاقاً للاحتفاء بهذه المناسبة الكونية؟
لكننا ونحن نقرأ تقرير الإحصاءات عن «حال النساء» في الأردن، نتوقف بكثير من التأمل أو بالأحرى، الشك والتشكيك، بالأرقام والنسب المئوية الخاصة بمشاركة النساء في الأحزاب السياسية الأردنية، لا لأن تقرير الإحصاءات «غير مهني» لا سمح الله، بل لأن المعطيات ذاتها، مُضللة ... فالمرأة وفقاً للتقرير تكاد تحتل ثلث مقاعد العضوية في الأحزاب السياسية وهذه نسبة متقدمة عالمياً، شرط أن تكون صحيحة.
لكننا نعرف أن معظم العضوية النسائية في الأحزاب السياسية الأردنية، شكلية ومصطنعة، أملتها مقتضيات قانون الأحزاب السياسية لسنة 2007 وما بعده، والتي تشترط توفر 500 مؤسس للحزب حتى يحظى بالترخيص، واستتباعاً الدعم المالي من خزينة، وهو شرط دفع كثيرا من الأحزاب للتوسع في «تجنيد» النساء إلى صفوفها، حتى وإن كانت عضوية على الورق، أو بطرق تذكّر بالمال السياسي وشراء الأصوات في الانتخابات النيابية المتعاقبة، إذ قبل العام 2007، لم تكن نسبة النساء في الأحزاب قد بلغت حاجز العشرة بالمائة، لتقفز فجأة إلى 29 بالمائة، ثم إلى أكثر من 32 بالمائة ... فهل استيقظت النساء فجأة على أهمية العمل السياسي والحزبي، أم أن الأحزاب هي من أدركت بين عشية وضحاها أهمية مشاركة النساء وانخراطهن في صفوفها؟ ... في ظني أن لا هذه ولا تلك.
تبقى الصدمة الكبرى للنساء الأردنيات، فيما قالته الحكومة مؤخراً عن «مزايا خدمية» لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين، بديلاً عن «الحقوق المدنية» ... وهو تراجع سجلته الحكومة تحت ضغط حملات التهويل والابتزاز التي تعرضت لها إثر قرارها منح «أبناء الأردنيات حقوقاً مدنية» .... المؤسف في القرار الحكومي أنه يأتي بعد أيام قلائل من أوضح خطاب لجلالة الملك ضد التهويل والابتزاز التي تواجه به، أية خطوة في الاتجاه الإصلاحي، سياسياً واقتصادياً ... المؤسف في القرار أنه يبعث برسائل خاطئة لتيار «الشد العكسي»، مفادها أنها كلما رفعت عقيرتها بالتنديد والتهويل، كلما نجحت في عرقلة المسار الإصلاحي الوطني، البطيء أصلاً، والمتعثر حتى الآن.
كنّا رحبنا بخطوة الحكومة، ومعها المبادرة النيابية، في تحقيق هذه الخطوة المتقدمة نسبياً على طريق «المواطنة المتساوية»، مع أننا في الأصل، ندعم قرار منح الجنسية كاملة لأبناء الأردنيات، ومن المنطلق الدستوري والحقوقي الذي يضع المرأة في مكانة متساوية مع الرجل في مجتمعنا، ما حصل بالأمس، وإن تم تحت الضغط والإكراه، يعيدنا إلى المربع الأول، برغم الشروحات الاضافية التي حاولت الحكومة إلحاقها بعبارة «المزايا الخدمية» ... فالأصل أننا نتحدث عن حق، والحق يكفله دستور وتنظمه قوانين، لا «إعلانات نوايا» ولا تعليمات وتوجيهات، سرعان ما تنقلب إلى نقيضها في دهاليز الإدارة العامة وإجراءاتها البيروقراطية والحسابات المغرقة في فئويتها، لبعض المتربعين على قمتها.
هي مسيرة نضال وكفاح إذن، تقف المرأة في محطتها الراهنة بكثير من الارتياح لما تم تحقيقه من إنجازات، لتجدد العزم على مواصلة نضالها من أجل انتزاع حقها في مواطنة متساوية، تليق بها وبنا جميعاً، والمهمة لم تنجز بعد، وثمة الكثير مما ينتظر نساء الأردن وينتظرنا على طريق «التحرر العام» المشروط حكماً بتحرر المرأة وامتلاكها لحقوقها الكاملة.