"لماذا لم تصرخي يا أمي..لماذا لم تقولي لي يا أمي أبعدي هذا البغل عني..؟ كانت تصرخ وما من مجيب.. وهي تصرخ وتقول آخ.. ما من أحد إلى جانبي.. دخيلكم يا أمي.. عليه من الله ما يستحق.. ضربها حتى ماتت" كانت هذه كلمات والدة رولا يعقوب الضحية اللبنانية التي تقول أسرتها إنها قتلت على يد زوجها. رحلت رولا المرأة التي تبلغ من العمر 33 عاما والأم لخمس بنات بعدما ضربها زوجها حتى الموت.
تبكي الأم الستينية والتي ليس لها في الدنيا إلا ابنتها الوحيدة. تضرب رأسها براحة يديها..تنتحب ويرتعش جسدها النحيل المغطى بالأسود. لا تصدق المرأة أن ابنتها فارقت الحياة قبلها هي "ابنتي كان يفترض أن تمشي ورائي في جنازتي ولست أنا من أمشي خلفها في جنازتها." ولكن رولا لن تسمع هذه المرة كلمات أمها. لن تتمكن من أن تكفكف دموع المرأة العجوز. كل ما سيصدر عنها هو أنين استغاثتها التي خرجت عنها في ساعتها الأخيرة وهي تُضرب حتى الموت.
زوج رولا مازال طليقا، إذ أشارت التحقيقات إلى أن سبب الوفاة كانت نتيجة انفجار في الدماغ. ومازال الملف حالياً أمام الهيئة الاتهامية بسبب الاستئناف أمام قاضي التحقيق.
4 فبراير/شباط 2014: "قتلت ابنتك تعالي اقبريها" هذا ما قاله زوج منال عاصي بقساوة وببرودة باتصال هاتفي لوالدتها التي تقول إنها سارعت لمنزل ابنتها برفقة ابنتها الأخرى منال.. وما أن وصلت حتى حبسهما زوج ابنتها وجعلهما يشهدا على كيفية قتل الابنة والأخت. ومنال أم لفتاتين، ضربها زوجها حتى الموت بطنجرة الضغط..شدها من شعرها التي صبغت الدماء خصلاتها الشقراء..سحلها في كل أرجاء المنزل..وبقي لأكثر من سبع ساعات يصفعها ويضربها بكل ما وجد بين يديه من أدوات في المنزل.
كان الزوج يحمل سلاحاً ويهدد به من قد يتجرأ من العائلة بأن ينقذ منال من بين يديه. وبعد ساعات، قرر زوجها أخذها إلى المستشفى بعدما انتزع عهدا من العائلة، بألا يتفوه أحد بأي كلمة عن اعتدائه عليها، والقول إنها وقعت من أعلى السلم وارتطم رأسها بحوض غسل الصحون. وهناك فارقت منال الحياة بعد ساعات. وهذه الحادثة لم تحصل في إحدى القرى النائية في لبنان، بل في قلب العاصمة بيروت. وبعد مرور فترة زمنية، تم ايقاف الزوج بجرم القتل العمد.
14 فبراير/شباط 2014: في عيد الحب توفيت زوجة أخرى وهي كريستال أبو شقرا مسمومة بمبيد حشري. وتبلغ كريستال الثلاثين من عمرها، ولديها طفل واحد. كريستال ضحية عنف أسري طويل، حسبما تقول أسرتها التي تصر على أنها لطالما اشتكت من ضرب زوجها لها، وحاولت في إحدى المرات الهروب من المنزل إلى بيت عائلتها، ولكنه اضطرها إلى الرجوع إلى منزل الزوجية مرة أخرى. ولا يزال زوجها موقوفا قيد التحقيق.
17 فبراير/شباط 2014: قتلت اللبنانية مارغريت طنوس على يد زوجها في أستراليا. وهي أم لولدين. وحصل شجار عائلي بينها وبين زوجها، ما أدى إلى أن يقوم الأخير بدق رأسها في جدار الحمام في منزلهما مرات عدة ما أدى إلى إصابتها بحالة من الزيف الحاد. ولكن الزوج لم يتوقف هنا، إذ أتى بالمقص وحمله بين يديه، وأخذ يشوه وجهها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. وسجن زوجها بتهمة القتل العمد في أستراليا.
كل تلك النساء لبنانيات، وجميعهن للمفارقة "قتلن" بطريقة وحشية على يد أزواجهن. وجميعهن قتلن في عام واحد، بل في أقل من عام.. خلال أشهر قليلة. أربع نساء قتلن في فترة زمنية قياسية في بلد صغير اسمه لبنان، يقال عنه إنه رائد في حريات النساء وحريات التعبير عن الرأي والانفتاح والديمقراطية.
ويذكر أن جمعية "كفى عنف واستغلال" اللبنانية وثقت 172 حالة عنف أسري بحقّ نساء لبنانيات في العام 2011، و197 في العام 2012، و291 في العام 2013.
رولا ومنال وكريستال ومارغريت، كان لديهن القدر ذاته، فقط لأنهن نساء، ولأنهن وجدن في مجتمع حيث الرجل هو السلطة الذكورية الأقوى، والمرأة غالباً ما تكون ضحية. في مجتمع بات يشهد عنفا متزايدا وتوترات أمنية يمكن أن وتضرب امرأة حتى الموت وتستغيث، ولا تتمكن عائلتها برمتها، أو حتى حي بأكمله من التدخل لإنقاذها يحجة أن الأمر "مسألة عائلية"، ولكن البعض يقول: إذا كانت "العائلة" مقدسة إلى هذه الدرجة، لماذا تنتهك أعراضها تحت راية "الشرف"، وتموت نساؤها..ويفلت رجالها من العقاب؟
ماذا يا ترى قالت أولئك النساء قبل أن يمتن؟ ماذا كانت آخر أمنية لهن؟ هل فكرن يوما أنهن سيقتلن بهذه الطريقة الوحشية؟ وكم امرأة بعد يجب أن تموت؟ وكم من الأطفال يجب أن يكونوا "شهودا" على منظر والدهم المرعب وهو يقتل أمهم؟
ورغم أن موضوع "العنف ضد النساء" بات يحتل صدر الصحف المحلية، ومقدمات نشرات الأخبار، ولم يعد مقبولاً التستر على الجرائم التي تحصل بحق النساء، إلا الخبر يكاد يصبح عاديا أيضا مثل أن يفجر انتحاري جسده في حي مليء بالسكان. هو ذاته المجتمع الذكوري الذي يتحرك لأن المتزلجة الأولمبية جاكي شمعون مثلاً وقفت عارية بجلسة تصوير ولا يتحرك لأن زوجات سحلن من شعرهن على يد أزواجهن. هو ذاته، مجتمع ذكوري ما زال يحاول منع إقرار قانون مناهضة العنف ضد المرأة. هذا القانون الذي بات بمثابة "آداة للشيطان" لأنه قد يقوض من سطوة الرجل في مجتمع ذكوري صنعه الرجال لخدمتهم
ولكن في المقابل، هل تفكر الوسائل الإعلامية مثلا في التوقف عن إبراز المرأة بأنها الجسد الجميل، والشعر الأشقر والشفاه المنتفخة؟ وهل تتوقف وسائل الإعلام عن عرض البرامج التي تتمايل فيها المرأة بأسلوب "غبي" ويتم تصويرها أنها أداة جنسية محض؟
وماذا عن دور وسائل الإعلام في حض المرأة على التعلم حتى تتمكن من العمل، وتتحرر اقتصاديا، ورفض حالة العنف من زوجها وألا تخاف بسبب تبعيتها الاقتصادية له وعدم استقلاليتها المادية؟
ويبدو من الغريب أن نتكلم عن موضوع يوم المرأة العالمي، وفي لبنان تموت نساء ولا يوجد في بلد الديمقراطيات "قانون لمناهضة العنف ضد المرأة."
ومتى يتخذ المسؤولين والسياسيون ورجال الدين موقفا واضحا فيه رفض قاطع لما يحصل في المجتمع اللبناني. بالطبع، لن يكون الأمر بضربة لمشروع قانون "مناهضة العنف الأسري ضد النساء" الذي قدمته الجمعيات النسائية بهدف تفريغه من محتواه، كما حصل منذ سنوات قليلة، عندما أضافت الحكومة اللبنانية المادة 25 على المشروع والتي كانت تنص على الرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية - الذي يسمح لكل طائفة بإدارة شؤونها وفق أحكامها - عند تعارضه مع قانون العنف الأسري، ما شكل ضربة كبيرة لمشروع القانون، وفقا للناشطين العلمانيين الذين يرون أن قوانين الأحوال الشخصية تشكل أساسا للتمييز ضد المرأة وتتعارض مع المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بالنساء.
وفي هذا السياق، أكدت الناشطة النسائية والحقوقية ومديرة "المعهد العربي لحقوق الإنسان" في بيروت، جومانة مرعي إن من وصفتهن بـ"شهيدات العنف" فضحن ما اعتبرته "حملة مضادة من قبل الجمعيات الدينية ضد قانون مناهضة العنف ضد المرأة." وأضافت مرعي: "من الضرورة الملحة أن يقر قانون العنف الأسري ضد النساء. ويجب على القانون أن يكون إطاري أي أن يشمل العقوبة والآليات التي تحمي النساء من العنف الممارس ضدهن، وايجاد مكان آمن لهن ولعائلتهن."
أما عن أسباب انتشار ظاهرة العنف ضد النساء بشكل كبير، اعتبرت مرعي أن "تنامي العنف الطائفي والسياسي المخيف، يؤدي إلى زيادة ممارسة العنف ضد النساء."
ورغم المشهد السوداوي، إلا أن مرعي تجد أن هناك ثلاث إنجازات في قضية العنف الممارس ضد المرأة. وبحسب رأيها أنه "يوجد إنجاز على مستوى المجتمع المدني إذ أن الرأي العام بات يدين هذه الجرائم. وأصبح هناك تضامن من كامل أطياف المجتمع لكل الجرائم ضد النساء. وإنجاز على مستوى وسائل الإعلام، حيث أصبحت وسائل الإعلام شريكة في حملة مناهضة العنف ضد النساء. والإنجاز الثالث على مستوى النيابة العامة، حيث أصبحت تتدخل بشكل أسرع لإجراء التحقيقات اللازمة مقارنة بما كان عليه الوضع سابقا."
وأضافت مرعي: "حتى لو لم يقر القانون حتى الآن، فإن الضوء بات مسلطا على هذه الممارسات، وأصبح موضوع مناهضة العنف ضد النساء قضية عامة. وبدأت المفاعيل التي نطرحها في مشروع القانون تمارس من قبل الأجهزة الأمنية."
وبرأيها، أن الحركة النسائية نجحت، إذ أصبح هناك تضامن في المجتمع تجاه كل الجرائم ضد النساء. ولكن الحركة النسائية، لم تستطع انتزاع مشروع القانون بسبب الأزمة السياسية وتعطيل المؤسسات اللبنانية.
وأشارت مرعي إلى أن هناك "حملات مضادة لمشروع قانون العنف الأسري، وخصوصاً من قبل الجمعيات الدينية. وأحيل مشروع القانون من الحكومة إلى البرلمان بإضافة المادة 25. وبعدها شكل البرلمان لجنة لدراسة القانون. وأحيل مشروع القانون حاليا من اللجنة البرلمانية إلى اللجنة العامة بانتظار عقد جلسة عامة للتصويت على القانون."
أما الطبيب والمحلل النفسي الدكتور شوقي عازوري فقال: "الرجل يعرف بطريقة واعية أو غير واعية، أنه مهما حصل، فإنه لن يعاقب، وذلك بسبب غياب الدولة، وعدم تطبيق القوانين، لذا لم يعد عند الرجل رادع ذاتي."
وأضاف عازوري أن "الرقابة الذاتية أو الخوف من العقاب والضمير لم يعد موجوداً، وذلك بسبب غياب العامل الإجتماعي الذي يردع، ما يؤدي إلى أن العامل الداخلي الذي هو الضمير لا يعود قادرا على ضبط الإنسان، بسبب وجود علاقة متداخلة بينه وبينه الظروف الاجتماعية المحيطة."
ورأى عازوري أنه "من الصعب على الأطفال أن يروا أن لا حد لعنف الوالد وأنه لم يحاسب. ويكبر معهم هذا الإحساس بأنه لاعقاب على الجريمة، ما يجعلهم يشعرون أنهم بدورهم يمكنهم أن يفعلوا ما يريدون."
وبدورها، قالت المحامية في جمعة "كفى عنفا واستغلالا" ليلى عواضة إن مظاهرة يتم تنظيمها اليوم (السبت) بعنوان "اذا بدا شارع للتشريع..نازلين." وأضافت عواضة أن "جوهر القضية هو أن تحمى المرأة قبل موتها وليس بعد موتها."