الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

الحشاش والمتدين في الدراما العربيه

  • 1/2
  • 2/2

    من يتابع الدراما المصريه والسوريه  يلمس نقشا ونحتا مدروسا لشخصيتي الحشاش والمتدين في تلك الدراما ، بحيث تتغلغل الصور عميقا في ذهن المتلقي وترقد في مخيلته كاحدى المسلمات ، بالطبع فان استجابات المشاهدين تختلف من شخص لآخر وما ينطلي على مشاهد لا ينطلي على آخر .
         ساعرض هنا وجهة نظري من خلال طرح امثلة قليله حرصا على وقت القارىء واستبعادا للملل .  لنأخذ شخصية المتدين ونحاول تجميع اجزاء صورته النمطيه  في الدراما العربيه ، نجد انه انطوائي ،فاشل اجتماعيا ،متحجر العقل يحاول فرض رؤيته ونظرته في الدين على من حوله ، متسلط اذا كان ابا او زوجا . ولأن الاشياء تعرف بضدها ، فهناك دائما شخصيه تقابل شخصية المتدين التي ذكرنا اوصافها،انها شخصية الانسان المنفتح العقل والقلب،  المقبل على الجميع ،الرافض لقيود المجتمع وموروثاته الباليه ولا بأس ان يكون مناضلا ضد الظلم والقهر حتى تكتمل محاسنه .
      ( زمن الخوف) هو عنوان لمسلسل سوري عرض قبل سنوات يتناول قصة عائلة مكونة من عدة افراد،  الاب والام ليسا على وفاق تام وعلاقتهما هشه لظروف خاصه بهما، الابنة زهره ( سوسن ارشيد) تحاول الهروب من مشكلاتها العائليه بالعودة الى الدين ، ترتدي الحجاب وتواظب على حضور دروس دينيه عند احدى الواعظات ، والاخيرة تستولي على تفكيرها وتقوم بترتيب زواجها  من شخص متدين وبمهر وتجهيزات بسيطه او شبه معدومه لأن الدين امرنا بالزهد في متاع  الدنيا كما اخبرتها ، ثم تكتشف زهره لاحقا ان الواعظة ليست بالصورة المثالية التي رسمتها لها في مخيلتها ، وتنجو من مشروع الزواج البائس قبل ان يقع ، لكنها لا تتعلم من اخطائها،  فالمتدين غالبا ساذج ومنفصل عن واقعه كما تعرضه لنا الدراما ، وفي ظل الحياة التي تعيشها ،والخالية تقريبا من أي هدف حقيقي او عمل مجدي، لا تجد زهره مناصا من الارتباط بشاب سوري يعمل في السعوديه وممنوع من دخول سوريا بسبب نشاطاته  الدينيه ، وتوافق زهره ظنا منها انه سيكون الزوج الصالح الذي يراعي الله فيها لتكتشف بعد التحاقها به في السعوديه انه شخص شكاك ، متسلط ، يقفل عليها باب الشقه بالمفتاح عند ذهابه الى العمل ويعزلها عن العالم الخارجي ، وعندما اعترضت ، خيرها بين القبول بالعيش معه بشروطه او الطلاق وترضى زهره بقدرها .  في المقابل نجد النموذج الاخر ، نموذج المتحرره من قيود المجتمع وانماط التفكير التقليديه ، اختها زيزي( رغد مخلوف ) الفتاة المتمردة والصادقة التي لا تعرف الكذب ابدا ، تناضل من اجل الحصول على الشهادة الجامعية الاولى لتحارب من جديد لاقتاع عائلتها بالسماح لها بالسفر الى فرنسا لاستكمال دراساتها العليا وكان لها ما ارادت بعد رحلة تعب وجهد وسهر تنال ما تتمناه ، زيزي الفتاة المتحررة التي تجلس في باحات الجامعه تدخن السجائر وتقرأ اشعارا ثوريه وتذهب للسهر في بيت حبيبها حتى ساعة متأخره غير مبالية بالاعراف والقيود المجتمعية،  تصل اخيرا الى مبتغاها ، ويصورها لنا المشهد وهي تحتفل بنيل الدكتوراة في حانة في فرنسا، تتبادل الانخاب مع اصدقائها ، في مقابل زهرة التي نراها في الحلقة الاخيرة تجلس في بيتها بالسعوديه ، حامل ، تقضي الوقت بحياكة الصوف وتوصي زوجها وهو ذاهب الى عمله في الصباح بشراء مزيد الخيوط  للحياكه ، ان محاولتها التمسك باهداب الدين وانتقاء زوج صالح لم ينفعها في شيء ، كما لم ينفع (دعاء ) احدى الشخصيات الرئيسية في مسلسل (بنت اسمها ذات) الذي عرض في رمضان الماضي ، والمسلسل برغم جودته ومضمونه الانساني،  الا انه لم يسلم هو ايضا من حشو الشخصيات النمطية للمتدينين في سياقه  ، والتي اصبحت من مستلزمات أي عمل يحمل نكهة ثوريه ، المسلسل المذكور يروي قصة عائلة مكونة من اب وام وثلاثة ابناء بنتان وولد ، ويقدم اربعة نماذج من الشخصيات التي نستعرضها هنا ، الابنتان تمثلان نموذجان انثويان  لشخصيتي المتدينة الساذجه ، والمتحررة المنفتحه .  دعاء لديها ميول دينيه منذ الصغر تفكر في ارتداء الحجاب وتحلم بالزواج من ابن الجيران الوسيم وترضى في سبيل تحقيق حلمها بتغيير تخصصها الدراسي وتأجيل مشروع دراساتها العليا ، وتندم في النهاية ، وتبقى تتخبط في حياتها الى ان تتبع زوجها للاقامة في السعوديه بعد ان تكبلت بقيود الانجاب ، وفي استقرار الشخصيات المتزمتة في الاعمال الدراميه دائما  في السعوديه اشارة قد لا تأتي بالمصادفه وخالية من النوايا السيئه . اذ ربما تكون السعوديه هي الجحيم الارضي بالنسبة الى بعض كتاب الدراما العربيه . وعودة الى المسلسل المذكور فان شخصية دعاء تقابلها شخصية ( ابتهال ) اختها الصغرى المتمردة ذات العقل والتفكير الناضجين والتي تعرف ماذا تريد منذ الصغر وتسعى لتحقيق هدفها دون كلل وهو التخصص في التصوير السينمائي ، ابتهال شخصيه ثوريه تتحدى الظلم والقهر والانظمة الفاسده تشارك في المظاهرات ، تعتقل في سجون امن الدوله تشارك بفاعليه في النقاش والرد على زوج اختها ( هيثم ) ، والاخير هو  النموذج الذكوري لشخصية المتدين في المسلسل، ابتهال  تبدي آرائها في السياسة والدين ويتكرر على لسانها ذات الجملة التي حفظناها عن ظهر قلب في العديد من الاعمال ( الدين ده علاقة خاصه بين الانسان وبين ربنا).
        شخصية هيثم المتشدد الملتحي صاحب النظرة القاسيه والوجه المتجهم ، المتسلط ، تقابله شخصية سعد ابن شقيق ( ذات) الذي اختار العودة من امريكا والاستقرار في مصر،صاحب  عقليه منفتحة ، يسهر مع ابتهال في المقاهي يلعبان النرد ، يشارك بفاعلية في المظاهرات ضد الحكم الفاسد ،يعتقل .  وهكذا تجتمع الاضداد في المسلسلات الدرامية لتضع امام الشباب (ذكورا واناثا) خياران لا ثالث لهما ، اما الحرية والانعتاق من قيم المجتمع المتهالكه والموروثات التي تحاول اعادته الى القرون الوسطى ،والعيش بكرامه،  او الاستسلام لفكرة التدين والقدريه  والغاء التفكير العقلاني ، والخنوع بكل اشكاله، الخنوع للسلطة الابويه سواء داخل الاسرة او على مستوى السلطة الحاكمه.
         في مقابل شخصية المتدين المتشدد صاحب الوجه العبوس ، تبرز لنا الدراما المصريه تحديدا شخصية تقدم في قالب ظريف غالبا هي شخصية الحشاش ، والتي( ولتكرار حضورها في الدراما) بتنا نعتقد ان جلسات تعاطي الحشيش والمخدرات هي  امر واقع ومقبول اجتماعيا في مصر ، فهل يا ترى هذه هي الحقيقه ؟ اترك الاجابة للمختصين والعارفين بالشأن المصري ، واعود لنقد ما تراه عيناي على الشاشه ، فالحشاش هو البطل الرئيسي في الفيلم او المسلسل والذي يحمل غالبا صبغة الكوميديا ، اما ملامح شخصيته فهي  الطيبة وحب الخير والتعاطف مع من حوله ولا مجال هنا لايراد الكثير من الامثلة واكتفي بشخصية (حسن) في  مسلسل ارابيسك الذي قام ببطولته صلاح السعدني ففي احدى مشاهده ينقاد حسن طواعية لجلسات الحشيش وهو الفنان الحساس المرهف صاحب الرؤية والباع الطويل في فن الارابيسك ، واذكر ايضا الفنان حسين الشربيني في احدى افلامه وهو يعد الشيشه ويدندن    ( يا فحمتين في العلالي )،وفي الافلام الكوميديه الحديثة لا يكاد يخلو فيلم من مشهد للبطل يجلس في احدى (الغرز) يتعاطى الحشيش مع اقرانه ، او تتم جلسة التعاطي في احدى الشقق بشكل عفوي تتخلله مقالب طريفه وبريئه يصنعها المتعاطون ببعضهم البعض لتنتهي الجلسة على خير وسلام دون ان يتأذى احد . واورد هنا مشهدا من فيلم ( جعلتني مجرما) لاحمد حلمي حيث يعاني البطل من مشاكل عديده ويبحث عن عمل يعتاش منه دون جدوى فيقوم صديقه صاحب الوجه البريء   ( يلعب دوره الممثل ادوارد) بدعوته الى جلسة تعاطي وعندما تحضر النرجيله يتساءل البطل بسذاجة ( هو صاحب المكان ده شغلته ايه) فيرد صديقه بعفوية ( مخدرات) وما ان يسحب البطل اولى الانفاس حتى يرن هاتفه المحمول ويعلم ان هناك فرصة عمل تقدم اليه ، فيطير فرحا ويقول (الله ،،  المكان ده وشه حلو عليا ) .
    لعل القارىء يشاركني الرأي في ان الصور السلبيه عتدما تقدم على الشاشه في اطار كوميدي قد تكون اشد خطرا على الجيل الناشيء تحديدا ، لان تفكيرهم لم ينضج بعد بالقدر الكافي ليميز الخبيث من الطيب ، ويتعرف على طعم السم الموضوع في الدسم ،، فانتبهوا ايها الساده الى من يتخذهم ابناءكم قدوة لهم .

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى