"لا شيئ في الحياة يزلزل الإنسان مثل النزلات النفسية، إنها أشد فتكاً بالإنسان من النزلات الصدرية أو المعوية، إن النزلات النفسية تذهب بالعقل وتحدث انفجارات داخلية وتولد اكتئاباً مزمناً... فالهم الطويل يورث الخبيث من الأمراض..." جاءت هذه الكلمات الرائعة ضمن مقال الكاتب الكبير"مفيد فوزي" الذي جاء بعنوان "وفي الليالي القمرية كنا نسأله"، وفي حقيقة الأمر فإن هناك لحظات حزن تمر على الإنسان تؤثر سلباً على حالته النفسية، وتطيح باستقراره النفسي، ففي لحظات معاناة الإنسان من مشاعر الحزن نتيجة فراق أو فقدان حبيب أو عزيز، أو ربما بسبب مواجهة مشكلة أو مرض.. قد يشعر الإنسان في خضم شعوره بالحزن، أن الأمل أصبح مستحيل المنال، وأن التفاؤل قد ضل طريقه وسط مشاعر اليأس التي تتغلب على الإنسان وتحاصره، فيتحول الحزن تدريجيّاً إلى توأم النفس الذي لا يفارقها، فتعف نفسه المأكل والمشرب ومتع الحياة بكافة أنواعها، ويهرب من نفسه إلى نفسه فيجد أنها أصبحت غريبة عليه.
في دوّامة الحزن قد يصبح الإنسان سجيناً داخل أسوار حزنه، ويفشل كل من حول الإنسان في التخفيف عنه، وقد ينجح هو بنفسه في احتواء نفسه، فالحزن قد يدفع الإنسان إلى أن يخلو بنفسه، فيضمها ويحنو عليها، فإذا بذراعيه تلتفّان حوله، وإذا بكفيه تربّتان على كتفيه، وبيديه تمتدان لتمسحا دموعاً هو وحده يشعر بمرارتها. ربما أن لحظات الحزن تكون سبباً في أن تزال الفواصل، وتنهار السدود التي كانت تحجب الإنسان عن ذاته.
لا شك أن الحزن شعور مؤلم ومرير، ولكنه قد يزيدك قرباً من نفسك، ويعرّفك على ما خفي منك عليك. وقد يبتلي الله الإنسان بحزن ليقربه منه، ولينعم بفضله عز وجل على الحزين بطمأنينة القرب من الله، فيطمئن بذكره وبلذة اللجوء إليه، وبطلب العون منه سبحانه الرحمن الرحيم اللطيف بعباده، وقد يمن الله على الحزين بأناس لهم من طيب القلوب والنفوس ما يجعلهم يلتفون حوله ليدعمونه ويربتون على أحزانه فيكتشف الحزين معادن البشر التي لا تظهر إلا في لحظات المحن والأزمات.
أيها الحزين الذي عصف بك الحزن نتيجة لأية محنة أراد الله لك أن تواجهها، احذر أن يعصف بك الحزن فتمرض نفسك ويمتد المرض إلى جسدك، احذر أن تعترض وتسخط وتغوص في بحر أحزان لن تؤدي إلا إلى نزلات نفسية أشد فتكاً بالإنسان من النزلات الصدرية والمعوية كما أشار الأستاذ مفيد فوزي في مقاله، أيها الحزين لا تنظر للمحن والابتلاءات والحزن نظرة الساخط، ففي قلب كل محنة منحة ومع كل عسر يسرين ونهاية الليل يولد فجر وتشرق شمس بإذن الله.
إنها طبيعة الحياة، تلك الطبيعة التي لا بد وأن تولِّد لدينا إرادة الحياة، فنعلم أن اليأس يحتاج إلى تفاؤل لنقضي عليه، والألمُ نتحدَّاه بالأمل، والظلامُ لا بد وأن يتلاشى بنور القلوب.
في حزنك ومعاناتك تذكر أن المحن قد ترتقي بك، وتولد لديك نظرة مختلفة للحياة...اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إن شئت سهلا.
عبير الكلمات:
ما أجملَ أن تتأمل السماء قبيل الفجر! متعة أن ترى الضوء تدريجيّاً يخترق الظلام، معلناً ميلاد فجر جديد ويوم يضاف إلى أعمارنا، حُلوُه يجعلنا نتحمل مُرّه.