تعد عملية التردد على "السحرة، والمشعوذين، والعرافين, والرمالين، والمنجمين" وغيرهم من أدعياء علم الغيب - من اخطر الظواهر التي تتهدد الكيان الاسري والاجتماعي لأي بلد .. كما ان مسألة انتشارها أو تفشيها في اي مجتمع يمثل أحد المظاهر الدالة على تقليدية ذلك المجتمع، وبدائيته وجهل وأمية السواد الأعظم من قاطنيه.
ذلك لأن تلاشي هذه الظاهرة وإنحسارها مقرون دائما بمستوى انتشار العلم .. فكلما كثر المتعلمون وتزايد مستوى اقبال الناس على العلم والثقافة والفكر - قلت اعداد السحرة والمشعوذين وإنحسر مستوى اقبال الناس عليهم.
ولأن اليمن لا تزال تصنف بإعتبارها احدى البلدان ذات التركيبة التقليدية والبدائية - فإن ظاهرة السحر والشعوذة لا تزال تلقى فيها رواجا كبيرا، بل ان الكثيرون يعدونها جزء من الموروث الثقافي والفكري اليمني.
ولأن المرأة اليمنية محرومة من فرص التعليم، وتعامل بإعتبارها كائن ناقص، الى جانب ما تواجهه من قمع وانتهاكات وتمييز وتهميش وإقصاء وتقييد لحريتها ومصادره لحقوقها - نجد أن النساء اليمنيات هن الأكثر إيمانا واعتقادا بالظاهرة والأكثر إقبالا عليها.
التحقيق التالي يسلط الضوء على بعض جوانب هذه الظاهرة (الدوافع، الأسباب، المعالجات)، ومدى تمسك المرأة اليمنية بها .. ويكشف بعضا من تفاصيلها وخفاياها وأسرارها .. فإلى التفاصيل:
كشف سرقة
في البداية تقول ام حسين : لم اذهب للمشعوذ لأسحر احدا ولا اسأل عن علم غيب فلا يعلم الغيب الا الله .. وانما ذهبت لأعرف من سرق ذهبي ومن المتسبب بإشعال المشاكل بيني وبين زوجي الذي تغير في معاملته لي .. اي انني سألت المشعوذ عن اشياء قد حدثت وانا لا اعلم بها والمشعوذ وحده يستطيع معرفه ذلك .. والحقيقة انني عندما سألت المشعوذ عن سارق الذهب لم يذكر لي اسمه صراحة وذلك حتى لا يثير المشاكل ومن باب الستر علي السارق كما قال لي، لكنه أكد لي ان السارق امرأه تتردد علي بيتي وسأعرفها قريبا .. وعن مشاكلي مع زوجي قال لي ان امرأه من اهل زوجي تغار مني وتحسدني منذ ان تزوجت وهي تحاول اثارة المشاكل بيني وبين زوجي ولكنها لن تفلح في ذلك .. وقد اعطاني المشعوذ بخور قيمته (5000) ريال لكي ابخر به البيت لمده(7) ايام وبعدها سيكتشف زوجي كيد قريبته ولن يصدقها ابدا وقد دفعت له مقابل كشفة لي سرقة الذهب مبلغ (17000) ريال فقط .. وتؤكد ام حسين انها مقتنعة بصدق المشعوذ وانها لا تلجأ له الا عند الضرورة .. وتذهب اليه خفيه زوجها واهلها اي انها لا تخبر أحدا عن ذلك.
جلب فارس الاحلام
أما أم ملاك فتقول: في احدى المرات طلبت مني والدتي ان اذهب الى احد المشعوذين واطلب منه ان يعمل لي عمل يمكنني من الحصول على فارس احلامي خصوصا انني كنت تعديت الثلاثين من العمر دون ان يتقدم لخطبتي احد .. لكنني في الحقيقة رفضت ولم اجرؤ على القيام بتلك الخطوة .. لكن امي اصرت وصممت علي ان اذهب لكنني ابيت .. وحينها عزمت امي على اصطحابي بنفسها الى ذلك المشعوذ طبعا كان ذلك دون علم والدي واخوتي .. والفعل ذهبنا اليه, وقامت امي بشرح القصة له .. فأكد لها بعد ان ضل يهمهم بكلام غير مفهوم والبخور امامة انه سيتكفل بالأمر وانه في القريب العاجل سيتقدم لخطبتي شاب متعلم ومن اسرة جيدة .. وقد اعطاني حينها مجموعة اوراق عبارة عن قصاصات مخطوطة بأرقام وحروف وشخابيط غير مفهومة وطلب مني ان اتبخر ببعضها وامحو البعض الاخر في ماء واشربه كما اعطاني تميمة وطلب مني ان اعلقها على صدري, وقد اعطته امي مقابل ذلك مبلغ خمسون الف ريال .. وبالفعل لم تمر سوى ثلاثة اشهر وانخبطت وتزوجت بعدها بخمسة اشهر والحمد لله توفقت بإنسان خلوق وواعي يحبني واحبه وقد انجبنا ثلاثة اطفال .. ولذلك صرت اعتقد بهؤلاء المشعوذين والعرافين .. وبصراحة نصحت الكثير من زميلاتي خصوصا العانسات بالذهاب اليه.
عمل محبة زوجية
وتقول ام معاذ: نصحتني احدي جاراتي بالذهاب الي المشعوذ حين اشتكيت لها تغير زوجي وبخله المفاجئ وتلميحاته الدائمة بأنه يود الزواج عليا من احدي زميلاته .. وعن ايمانها بالمشعوذين تقول ام معاذ: انها تصدق ما يقوله المشعوذ وان احوالها تستقر بعد الذهاب اليه .. وتضيف بعد ان شرحت له قصتي مع زوجي عمل لي سحر المحبة لزوجي واكد لي انه سيعود يحبها ويتخلى عن فكرة الزواج .. واكدت انه لم تمضي سوى فترة جيزة وسرعان ما عاد حال زوجي لما كان عليه بل لأسوأ مما كان وذلك بعد انتهاء مفعول السحر .. وعن ما تدفعه من مال اكدت انها تدفع في كل مرة (90) الف ريال، مشيرة انها لا تتردد كثيرا على المشعوذين نظرا للمبالغ المادية الكبيرة التي يطلبونها مبينة انه سبق وباعت الكثير من ذهبها الذي تبرر اختفائه بعده مبررات منها ان بعضه ضاع بحفله عرس واحيانا تدعي انه سرق منها وهكذا .. وتؤكد أم معاذ أنها مقتنعة ان سحر المحبة للزوج غير حرام فهي لا تؤذي احدا لكنها تحمي نفسها واطفالها من الضياع اذا قدر الله وطلقها زوجها.
قراءة الفنجان
أما سمية ابو دنيا - موظفه فتؤكد: انها تلجأ دائما لقارئه الفنجان التي تعرفت عليها عن طريق احدى صديقاتها .. وتوضح انها تدفع لهذه العرافة مبلغ (3000) ريال مقابل قراءة الفنجان الواحد .. وتقول سمية انها تلجأ لمسألة قراءة الفنجان لكي تتعرف على المشكلات التي قد تواجهها في عملها الى جانب معرفتها ان كان هناك شخص ما سيتقدم لخطبتها .. وتؤكد انها تصدق كل ما تقوله قارئه الفنجان فهي تبشرها بأشياء سعيدة قادمه وتحذرها من المؤامرات التي يحيكها لها بعض زملائها الذين ينافسونها في العمل، كما تعطيها نصائح عن كيفيه التعامل مع بعض الاشخاص الذين تلتقيهم بحياتها العملية والاجتماعية .. وتشير سمية ان ذهابها للعرافة يتم خفيه من اهلها وان لا احد يعرف سوى صديقتها المقربة فقط.
رأي الطب النفسي
صفيه احمد الغزالي أخصائية نفسيه تقول: اعتاد الناس الذهاب ألي هذه الاماكن وكأنها ضمن العادات والتقاليد وما يزال البعض متمسكا بهذه الخرافة والسبب الرئيس لانتشار هذه الظاهرة هو ضعف الوازع الديني والاخلاقي وحب إيذاء الاخرين والسيطرة عليهم متجاهلين تحريم الاسلام مسألة الذهاب للمشعوذين والعرافين والبعض يأخذهم الفضول لمعرفه ما حدث بعيدا عنهم لأمور تخصهم .. وتتابع حديثها: بصراحة ان النساء اكثر من يتردد على المشعوذين وذلك يعود لطبيعة المرأة العاطفية والضعيفة .. اذ انها وبمجرد تعرضها لمشكله تفكر ان الساحر وحده يستطيع مساعدتها لمواجهه مشكلتها واعطائها الحل والامل والاطمئنان ...والغريب في مجتمعنا ان الغالبية يلجؤون للعرافين في حين يخافون من اطباء علم النفس الذين هم الاكثر دراية وقدره علي اخراجهم من ازماتهم .. لذلك يجب نشر التوعية في مجتمعنا وتقوية الوازع الديني والتأكيد علي تحريم السحر والذهاب للسحرة والعرافين وتوعيه الناس بالأضرار النفسية والمجتمعية الناجمة عن ذلك .. كما يجب ان تكون هناك رقابه بحيث يمنع ممارسة هذه الافعال وان يحاسب الساحر ومن يتردد عليه محاسبه قانونيه حتى نتمكن من استئصال هذه الظاهرة والقضاء عليها.
رأي علم الاجتماع
ويؤكد أ.د حمود العودي - استاذ علم الاجتماع - بجامعه صنعاء: ان ظاهره التعامل مع الشعوذة والخرافات والمعتقدات والاساطير من الظواهر الاجتماعية الشائعة التي لا يخلو منها أي مجتمع عبر التاريخ .. ويشير الى انها تختلف من مرحلة الى أخرى حيث تزدهر حينا وتتلاشي حينا آخر .. ويقول: فالتطور العلمي وتامين الحقوق وتطبيق القانون والعدالة الاجتماعية يعمل علي تراجع هذه الظاهرة وتلاشيها فتصبح ثانويه وهامشيه, والعكس صحيح فجهل المجتمع وغياب العدالة وتفشي الظلم يولد لدي الانسان الاحساس بالفشل وعدم قدره علي استعاده حقوقه ورفع الظلم عن نفسه, كما يسلبه الامان المجتمعي لذلك يلجأ للمشعوذين والعرافين محاولا التغلب علي ظروفه .. عن أي الجنسين اكثر ترددا على المشعوذين يقول العودي: لا شك ان النساء اكثر اقبالا على هؤلاء العرافين وذلك لأنهن اكثر مظلومية في المجتمع حيث يمارس ضدهن العنف ويعانين الحرمان وسلب حقوقهن الإنسانية والمجتمعية ويعتمدن علي الرجل في تسيير حياتهن ونفقات معيشتهن لذا هن الاكثر ميلا للتمسك بهذه الظاهرة بكل ابعادها ووسائلها المختلفة .. ويضيف لكنني اعتقد ان المرأة العاملة والمتعلمة اقل ميلا وايمانا بالمشعوذين والعرافين فإحساسها بمكانتها الاجتماعية واستقرارها واستقلالها المادي يجعلها اقل عرضه من الحالة العكسية التي تعاني منها المرأة غير العاملة .. لذلك اقول: ان الجهل والظلم وعدم الامان والاستقرار وغياب المساواة الاجتماعية كلها دوافع واسباب لتفشي هذه الظاهرة وتجاوزها هو الحل الوحيد للحد من هذه الظاهرة .. فشعور المرأة بالأمان المجتمعي ووجود حياه كريمة واستقلال مادي الذي لا تناله المرأة الا بالتعليم والعمل فهو يحقق الكثير من المطالب المجتمعية والإنسانية للمرأة من حيث تكافؤ الفرص والعمل والعيش الكريم وهذا ما تبحث عنه المجتمعات ونحن في مقدمتها, فهذه الوسائل كفيله بتحرير الانسان وخاصه المرأة من اللجوء للسحر والشعوذة والايمان بالأساطير والاعتقاد بان الساحر يعلم الغيب او يغير القدر والجهل بتعاليم ديننا الاسلامي الحنيف المحرمة للسحر والشعوذة فالذهاب لهم مع العلم بتحريم ذلك يعد شرك والعياذ بالله وذلك لاعتقاد البعض ان الساحر يملك ما يملكه الله سبحانه وتعالي فالإسلام انتصر للعقل والحقوق وجاء ليحرر الانسان من الوثنية والاساطير بكل اشكالها.