لا يختلف اثنان على أن بروز النساء في الصناعة المصرفية والمالية بالعالم في ازدهار مستمر لعدد من الأسباب، والتي يجمع عليها الكثير من الخبراء والمحللين العالميين، فهم يرون أن الإناث تناسبهن مهنة الصرافة وإدارة المؤسسات المالية، ربما بصورة أكبر من الرجال، فعلى مستوى الصورة المصغرة، تتولى الأم تنظيم ميزانية الأسرة المالية ومخصصات الإنفاق، وعلى مستوى الصورة الأكبر، فالمرأة في طبعها تميل إلى أن تكون أكثر تحفظاً وأكثر تنظيماً وأكثر صرامة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأموال والإنفاق، فهي تتسم بالحذر الشديد.
وتولت كثيرات منهم مناصب قيادية في بنوك ومؤسسات مالية في بلدانهم بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، وما كشفت عنه من سوء إدارة للكثير من المؤسسات المالية والبنوك من قبل القائمين على رئاستها، والذين كان معظمهم من الذكور.
الأزمة المالية العالمية قادت لانهيار أكثر من 138 بنكاً في الولايات المتحدة وحدها، تلك البنوك كان يرأسها ذكور، فيما رفض البرلمان الأوروبي الشهر الماضي المشروع الذي كان قد توصل إليه وزراء مالية الاتحاد في يناير الماضي لإغلاق البنوك المتعثرة في منطقة اليورو، وطالب بتغييرات فيه.
تغيرات ثقافية
بات الأمر يختلف كثيراً اليوم، فلو سألت الناس قبل بضع سنوات تسمية امرأة في بلدانهم تتمتع بنفوذ كبير في القطاع المالي، لكانت الحيرة ارتسمت على وجوه هؤلاء، ولم يكن ذلك مستغرباً، فلعقود طويلة بقي قطاع المال في العالم حكراً على الرجال، وخاصة الأموال العابرة للحدود، ولكن الحال قد تغير مع تولي الكثير من النساء لمناصب نافذة في صناعة القرارات المالية، ولا يوجد توقيت أنسب من احتفال العالم بيوم المرأة العالمي، والذي يصادف الثامن من مارس من كل عام، لتسليط الضوء على عينة من النساء من اللاتي يتربعن اليوم على كراسي صنع القرار في كبرى المؤسسات المالية العالمية في العالم:
جانيت يلين
تتولى رئاسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي منذ فبراير الماضي من هذا العام 2014، لتصبح بذلك يلين أول امرأة تدير البنك المركزي الأميركي الأقوى في العالم منذ تاريخ تأسيسه منذ نحو 100 عام، وهي اليوم محط أنظار العالم، كونها تقود اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، ما يجعلها مسؤولة عن القرارات الأكثر هاجسية في العالم المالي، والمتمثلة في تحديد هدف سعر الفائدة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
وكانت أول تصريحاتها بعد توليها رئاسة البنك المركزي الأميركي قولها بأن البنك سيمضي قدماً في تقليص برنامجه للتحفيز النقدي، موجهة رسالة قوية، مفادها أن مجلس الاحتياطي لن يسمح للتضخم بأن يستمر فترة طويلة فوق أو دون المستوى الذي يستهدفه، والبالغ 2 %، وتتولى يلين هذا المنصب الرفيع في تجاوز فيه الدين العام للولايات المتحدة الأميركية 17 ترليون دولار.
ماري ميلر، وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون التمويل المحلي، أيضاً من الأسماء الأميركية اللامعة في عالم المال، اختارها الرئيس الأميركي باراك أوباما كأول امرأة لهذا المنصب، وعبر مصادقة مجلس الشيوخ عليها.
ووفقاً لنظام الخزانة الأميركية بإمكان وكيل التمويل المحلي للنائب التصرف عند الضرورة. كما كانت ميلر جزءاً من جهود الإدارة الأميركية لإصلاح نظام تمويل الإسكان، وهي مسؤولة عن إدارة وزارة الخزانة للدين العام.
بيث موني
المديرة التنفيذية لدى (كي كورب)، وهي أول امرأة تدير واحداً من أكبر 30 بنكاً في الولايات المتحدة الأميركية من حيث حجم الأصول، ومؤخراً ضمتها شركة (إيه تي آند تي) القابضة للاتصالات لمجلس إداراتها، حيث ستخدم لجنة التنمية المؤسسية والمالية.
وموني الشريك في (كي بانك إن إيه)، حيث يعتبر (كيه بانك) أكبر بنك في منطقة ألباني، بودائع تصل قيمتها 7,5 مليارات دولار و52 فرعاً. في حين اختارتها مجلة (أميركان بانكر)، المرأة الأكثر نفوذاً في قطاع البنوك.
كريستين لاغارد
تتولى منصب رئاسة صندوق النقد الدولي منذ عام 2011، لتصبح بذلك أول امرأة تترأس الصندوق منذ تأسيسه، والذي يضم في عضويته 88 دولة من العالم، حيث يعمل الصندوق على تقديم المشورة والتمويل المشترك للبلدان النامية في جميع أنحاء العالم، فيما المليارات من أقوات الناس تعتمد على تيارات التمويل المتدفقة من هذه المنظمة.
وتشرف لاغارد على ما قيمته تريليون دولار من القروض، باعتبار صندوق النقد الدولي الملاذ الأخير للبلدان المضطربة.
وكانت لاغارد تشغل قبل توليها رئاسة الصندوق منصب وزيرة المالية الفرنسية السابقة في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزى، ويستمر منصب لاغارد في رئاسة الصندوق حتى عام 2016، وتحدثت مؤخراً صحيفة (لوفيغارو) الفرنسية عن إمكانية ترشح لاغارد لرئاسة المفوضية الأوروبية أو الاتحاد الأوروبي، لتحل محل خوسيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية، أو هيرمان فان رومبوي رئيس الاتحاد الأوروبي، وهي تحظى بدعم فرنسي بريطاني ألماني، إذا ما قررت الترشح لأحد المنصبين.
وتعمل لاغارد بجهود كبيرة على إخراج القارة العجوز من أزمتها المالية إلى جانب دعم اقتصاديات العالم وخاصة الفقيرة والنامية.
فيونا وولف
عمدة مدينة حي المال والأعمال في لندن ثاني امرأة تتولى هذا المنصب منذ نحو 700 عام، وهي العمدة رقم 686 لحي المال والأعمال في لندن، وكانت قد درست القانون في ستراسبورغ، ومن ثم عملت في قطاع الشركات والقطاع المصرفي في كليفورد لمدة 5 أعوام، قبل أن تنتقل إلى (كاميرون ماكينا).
حيث أدارت العمل المصرفي فيه، وممارسة تمويل المشاريع في البحرين لمدة 3 أعوام، ومن ثم مفاوض على معاهدة واتفاقية الامتياز لنفق بحر المانش، ومن ثم اتجهت حياتها المهنية لـ 40 ولاية قضائية وتقديم المشروعات لنحو 25 حكومة في العالم، ووكالات متعددة الأطراف، وكان تركيزها على التنظيم والتنفيذ السوق والمشاريع الكبرى في مجال صناعة الكهرباء، وبلغت ذروتها في البنك المركزي لمساهمتها في الاقتصاد القائم على المعرفة في المملكة المتحدة، والأرباح غير المرئية.
منحت الزمالة العليا في جامعة هارفارد والدكتوراه الفخرية من جامعة كيلي وكلية القانون.
أرنداتي باتاشارايا
أول امرأة تتولى رئاسة مجلس إدارة ورئاسة (إستيت بانك أوف إنديا) منذ أكثر من 200 عام في الهند، ويعد البنك أكبر البنوك الهندية من حيث حجم الأصول والودائع والإقراض والأرباح وشبكة الفروع والموظفين، وتمتلك فيه الحكومة الهندية حصة 58,6 %، ويسيطر على خُمس إجمالي أصول المصرفية في الهند، وله فروع في 38 دولة في العالم.
تولت أرنداتي المنصب في عام 2013، في وقت شهد الاقتصاد الهندي تراجعاً من نحو 11 %، سجلت خلال الأزمة المالية العالمية إلى نحو 5 % في الوقت الراهن.
وتؤكد أرنداتي على أن (إستيت بانك أوف إنديا) يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الهندي، وتؤكد أيضاً على أن أداء البنك لا يزال، رغم تراجع نمو الاقتصاد الهندي وتراجع الروبية الهندية، في وضعية جيدة مع حصة سوقية تبلغ 16 ٪، ونمو سنوي في الودائع الجارية بنسبة 16 ٪، وفي الائتمان بنحو 14 ٪.
كما تعتبر اتجاهات النمو للبنك في وضعية جيدة للغاية، فيما يعد امتياز الإيداع الأفضل بين جميع البنوك الهندية، ويواصل البنك احتلاله للمرتبة الأولى في الإقراض السكني، وقروض المركبات، وقروض التعليم الحساب الجاري وحساب التوفير المنتهي في سبتمبر 2013، لا يزال قوياً عند نسبة 43.58 %، وفي ديسمبر بلغ 43.89 %، ويعتبر الأفضل بين جميع البنوك الهندية.
أرنداتي ليست المرأة الهندية الوحيدة التي تتولى رئاسة أكبر البنوك الهند الحكومية، فهناك نحو 7 نساء هنديات يتولين رئاسة بنوك هندية كبرى في الهند، وطبقاً لإنترناشيونال بيزنس تايم، تترأس فيجايا لاكشمي آير رئيسة والعضو المنتدب لـ (بانك أوف إنديا) الحكومي، وأرشانا باركافا رئيسة (يونايتد بانك أوف إنديا)، وشوبها لاكشامي بانسي رئيسة مجلس إدارة ورئيسة (الله آباد بانك)، وفي القطاع الخاص، تتولي تشاندا كوتشار الرئيس التنفيذي لـ (آي سي آي سي آي بانك) أكبر البنوك الخاصة الهندية، وثاني أكبر البنوك الخاصة الهندية من حيث حجم الأصول، فيما تتولى شيخها شارما رئاسة (أكسس بانك).
دانيال نويي
كانت تعمل في البنك الفرنسي، وتترأس اليوم هيئة الرقابة المصرفية التي تم استحداثها لمنطقة اليورو مؤخراً للإشراف على أكبر البنوك المقرضة في المنطقة الأوروبية، وهي موجودة، يعد وجود المسؤولات في مناصب رفيعة أمراً نادراً، فطبقاً لبلومبيرغ، تستحوذ النساء على نسبة أقل من 10 % في مناصب الإدارة في البنوك الكبرى في منطقة اليورو، في حين أنه، ورغم جهود بعض كبار المقرضين في منطقة اليورو، مثل دوتشيه بانك وبنك باريبا لزيادة التنوع بين الجنسين.
يبقى إشراك المرأة في الصفوف العليا من الإدارة متخلفاً في منطقة اليورو عنه في الولايات المتحدة الأميركية، طبقاً لبلومبيرغ ترشيح البنك المركزي الشهر الماضي لدانيال نويي لهذا المنصب، ولخبيرة الرقابة المصرفية الألمانية سابقاً سابين لوتيشنغر للانضمام للمجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، والذي مجمل تشكيلته من الذكور، يأتي بمثابة اعتراف بالتمثيل الناقص للنساء في القطاع المصرفي في منطقة اليورو، واللاتي يشكلن نحو نصف سكان منطقة اليورو المؤلفة من 18 دولة أوروبية.
ورغم وجود مارينا ناتالي المدير المالي لـ (يوني كريديت إس بي إيه) في ميلانو، وآنا باتريسيا بوتين الرئيس التنفيذي للعمليات في المملكة المتحدة في (بانكو سانتاندر إس إيه)
تغيرات
لم يكن لدى البنوك في منطقة اليورو، أي نساء في مناصب مديرين تنفيذيين في بداية الأزمة المالية، طبقاً لبلومبيرغ، لكن الجنس الناعم حقق بعض التقدم، حيث إن أكبر 10 بنوك في المنطقة من حيث القيمة السوقية، تحتل النساء فيها اليوم حوالي 5 ٪ من الوظائف التنفيذية الرئيسة، وهذا يمثل ثلث العدد لنظرائهم من أكبر 10 بنوك في الولايات المتحدة، والتي تصل فيها نسبة النساء إلى 16 %.
دويتشه بنك في ألمانيا، أكبر بنك استثماري في أوروبا من حيث الإيرادات و(فرانس كريديت أغريكول إس إيه) خالية من أية عناصر نسائية على مستوى المناصب الإدارية العليا، في حين أن هناك امرأتين في بنك (استاندرد) أكبر البنوك الإسبانية في فريق الإدارة العليا، والذي يضم 30 عضواً بما فيها آنا باتريسيا بوتين.
الأفريقيات يبرزن في القطاع المصرفي
تشغل إيفيلين أبوتو حالياً منصب العضو المنتدب والرئيس التنفيذي في البنك الصناعي في نيجيريا، حيث يعتبر البنك أقدم بنك التنمية في نيجيريا.
وخلال عملها في السنوات الست الماضية في رئاسة البنك، قادت البنك لأنجح سنوات في أدائه منذ تأسيسه، من خلال توفيرها التمويلات الطويلة للقطاع الصناعي الذي يشهد نمواً في نيجيريا اليوم، وفي عام 2011 حصلت أبوتو على جائزة الصيرفة الأفريقية.
هناك أيضاً إيزابيل دوس سانتوس، الأنغولية، ابنة رئيس أنغولا، خوسيه إدواردو دوس سانتوس، وهي أغنى امرأة في أفريقيا، طبقاً لفوربس، وأحد أكثر سيدات الأعمال نفوذاً في القارة السمراء، حيث تمتلك العديد من الشركات القابضة، وتسيطر على أقل بقليل من نسبة 20 ٪ من بنك بى بى آى، واحد من أكبر البنوك للتداول العام في البرتغال.
أما ميمي ألماييهو فهي نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة الاستثمار لما وراء البحار الخاصة (أو بي آي سي يك)، إثيوبية المولد، اختارتها مجلة فوربس ضمن أكثر 20 شخصية شابة مؤثرة في أفريقيا لعام 2013.
تساعد في إدارة ما قيمته 16 مليار دولار في (أو بي آي سي)، وتوجيه رؤوس الأموال الأميركية لتمويل فرص الاستثمار في الأسواق الناشئة. وكانت ميمي تشغل قبل ذلك منصب الرئيس التنفيذي للبنك الأفريقي للتنمية.
وتشغل فيرا سونجوي منصب المدير القطري في البنك الدولي للسنغال، وكاب فاردي، وموريتانيا، وغينيا بيساو، وهي أيضاً زميل غير مقيم في معهد بروكينغز مع الاقتصاد العالمي، ومبادرة النمو الإفريقية، واختيرت ضمن أكثر 20 شخصية شابة مؤثرة في أفريقيا لعام 2013 طبقاً لمجلة فوربز.