لا بد من تحرر المشرع الفلسطيني من المفاهيم المسبقة والمتراكمة، والموروث الخاطئ كشرط لتحرير المرأة، وتأمينه على سن التشريعات والقوانين، فالتحرر الذاتي عند المشرع كفيل بتحقيق توازن بين الطموح في المساواة والعدل، وإلغاء التمييز ضد المرأة وبين البيئة الضامنة لجعل هذه القوانين بمثابة دستور يضبط مبدأ احترام حق الآخر الطبيعي، والعلاقة الأزلية بين الانسان الذكر والانسان الانثى في المجتمع.
يعبر قرار الرئيس محمود عباس مراجعة القوانين والتشريعات التمييزية للمرأة، عن ادراك رأس الهرم السياسي لواقع تشريعات وقوانين معمول بها، هي اكثر من مانع وحاجز وعائق امام تحقيق المكافاة بين تضحيات الفرد الفلسطيني والمستقبل، فلا مبرر لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية ألا توازي النضال لتحرير المرأة، والانتصار لحقوقها الطبيعية ارتكازا على مبدأ تحرير الانسان مع درب تحرير الأرض.. فالانسان المقصود هنا بجنسيه الانثى والذكر، ولعلنا نقرأ في قرار الرئيس ابو مازن رؤية وعلاقة استراتيجية وجدلية بين السبيلين، وقاعدة ارتكاز عريضة لمجتمع الدولة المدنية الديمقراطية الفلسطينية المقبلة.
لم يعد خطاب التغني بالمرأة كمناضلة وعاملة وشهيدة وأخت وأم وزوجة، ونصف مجتمع مقنعا، فهي رغم هذه الصفات العظيمة ما زالت في عرف القوانين ملحقا قبل أن تجعلها المفاهيم الذكورية السائدة كذلك!! فلا يجوز تعزيتهن بمصطلح الحرائر والمناضلات، والمبدعات، والرائدات، فيما تغتصب القوانين السائدة حقوقهن بألف تفسير وتبرير، فالمجتمع ينفخ بصورة المرأة من ناحية، لكنه يسمح بطعنها بخنجر التمييز والعنف، ونراه خاضعا لمفاهيم استبدادية، ويأتي على المرأة بسلوكيات قمعية ظالمة، ويأخذها كتابع، مجردة من شخصيتها وحواسها وعواطفها الانسانية، وفوق كل هذا وذاك ينقصها عقلها !!
لا بد من تثوير نصوص القوانين والتشريعات، بالتوازي مع تخليق حالة من الثقافة القانونية لدى الجمهور، فالقوانين الثورية تنفع في مجتمع يعمل قادته ورواده على احداث تغيير جذري لإحداث النقلة الحضارية النوعية المطلوبة للوصول الى محطة التحرر الحقيقي، فالكافل الضامن لمبدأ المساواة والعدل بين جميع المواطنين دون تمييز على اساس الجنس، هي ثقافة احترام كيان الآخر بكل مقوماته الانسانية.
لا تكافأ المرأة نظرا لسجلها المشرف، أو دورها في عملية البناء، أو لمساهمتها في رفع مؤشر التنمية، أو إسهاماتها في مسارات العمل السياسي والتربوي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي..وحسب، بل لأنها مواطن انثى، لها حقوقها وعليها واجبات، فنسبة النساء في بلادنا اللواتي أتاحت لهن الظروف الانخراط في مسارات العمل الوطني والثقافي والاجتماعي والعلمي وغيرها قليلة، فماذا عن النسبة الأعظم منهن، اللواتي يتعرضن للظلم والتمييز والعنف، فالقوانين والتشريعات التي امر الرئيس بمراجعتها هي لحماية الأغلبية الصامتة المظلومة من النساء، اللواتي لا تجد المضطهدة منهن سبيلا يحميها، ولا قوانين تسترد حقوقها، وتعاقب معنفها او قاتلها بمزاعم الشرف، أو ذلك الذي يراها قاصرا وهو قاعد في فراشه، حتى لو اصبحت رائدة فضاء!!