يبدو أن بعض العقليات المتخلفة لم تتخلص بعد من عقدة الحط من قيمة المرأة وإهانتها والتوجه إليها بأصابع الاتهام في مناسبة أو من دونها، وهذا دليل على أن الوفاء للعهد الجاهلي لازال ساريا حتى عصرنا هذا، والذي شهد عدة تطورات في شتى ميادين الحياة .
ُتنصب أقفاص الاتهام للمرأة وُتصّوب السهام باتجاهها متى حاولت التصدي للظلم، ومتى رفضت الخضوع لواقع يستلب شخصيتها ويمارس عليها دور الوصاية، بالتضييق على حرياتها المشروعة والممنوحة لها شرعا وقانونا، ومتى صرخت بكلمة ” لا” في وجه المستغلين والمعتدين .
تتركز معالم الاتهام للمرأة غالبا بالطعن في أخلاقها وشرفها، على اعتبار أنها النقطة الحساسة التي تتناول بالحساب والعقاب والمساءلة الاجتماعية لدى الكيان البشري بصفة عامة والجنس الأنثوي بشكل خاص، فيتحول الخلق الحسن للمرأة في رمشة عين من طرف أعداء الفضيلة والسمو إلى محط قذف وتشهير، ويصير الشرف الطاهر للمراة في ظرف وجيز إلى آخر مدنس بالألسن وعبارات التشويه، لا لسبب منطقي معقول إنما رغبة في الانتقام واستعراض العضلات الذكورية مع التخويف والترهيب.
تصدر الاتهامات الملحقة بالمرأة الشريفة غالبا من طرف المعتلين من الذكور بدافع انتقامي في معظم الأحوال، وقد تصدر أيضا عن بعض النساء في حق بعضهن بدافع الغيرة النسائية في أكثر الحالات . ومادام العنصر الذكوري هو الأكثر إقبالا على انتهاك حرمات الفضليات وإمطارهن بوابل الاتهامات، فإن الأمر يدعو إلى تذكير هذا العنصر بأن المرأة لها حقوق إلى جانب حقوقه واجب احترامها، وعدم تجاوز خطوطها الحمراء، اتقاء لشر الجزاء في الدنيا والآخرة . قال صلى الله عليه وسلم : ” رفقا بالقوارير” ، ولعله – عليه أزكى الصلاة والسلام- أعلم بغيره بوقع الظلم على نفسية المرأة الرقيقة الشفافة، التي يوجد بينها وبين الكأس الزجاجية شبه كبير من حيث سرعة الكسر، فرغم قوتها في التحمل، تحمل الحرارة والبرودة عند ملئها بمشروبات حارة أو باردة، فهذه الكأس الزجاجية تسقيك ما وضعت فيها، إن وضعت فيها شرابا نافعا لذيذا منعشا سقتك إياه، وإن وضعت بها علقما وأضفت للسائل الموجود بها جرعات سم، فاعلم أنك تسمم حياتك بيديك، وما المرأة إلا نتاج لزرع أنت وضعت بذرته الأولى، إن كانت بذرة خير حصدت خيرا، وإن كانت شرا، فالشر منك بدأ لا منها، والبادئ أظلم .
هي المرأة ذاك المخلوق الشامخ في وجه الصعاب، الهادئ الوديع في لحظات الفرح والسرور، البركان المشتعل في ساعات الغضب، أصابع الاتهام لاحقتها منذ قدومها للدنيا، هي المتهمة بإخراج آدم من الجنة، وهي المتهمة بإغوائه وحرفه عن الطريق المستقيم، وهي المتهمة بالاعوجاج حيث لا يستقيم هذا الاعوجاج بها إلا بالعصا والتعنيف، وهي الشريرة صانعة المكائد دائما …
تظل حادثة الإفك التي تأذت منها أمنا عائشة – رضي الله عنها – خير برهان على أقفاص الاتهام المنصوبة للمرأة، من دون مراعاة لمشاعرها وأحاسيسها ويا ليت الناس اتعظت من شر صنيعها بالمرأة العفيفة البريئة وكفت عن إيذائها باللسان والفعل.
لقد كرم الإسلام بني آدم رجالا ونساء، وليس من حق أي كان أن يزدري المرأة ويقلل من شأنها بأي شكل من الأشكال، يكفي ما ورد في الشرع الإسلامي عن المرأة من نصوص وأحكام ووصايا ترتبط بها، والمرأة إن كانت أقفاص الاتهام تحاصرها وتريد النيل منها في كل حين، فإنها تبقى كما يقول ” سقراط”:” أحلى هدية قدمها الله إلى الإنسان”، وصيانة كرامتها هي صيانة لكرامة البشرية جمعاء، فليحطم أعداء العفة والطهر تلك الأقفاص وليبددوا اتهاماتهم فما عادت تجدي في شيء.