حصلت المخرجة السينمائية اليمنية خديجة السلامي، على المرتبة الثانية ضمن خمسين شخصية نسائية، لهن بصمات وإسهامات ثقافية وفنية على مستوى الشرق الأوسط، كما اختيرت ضمن خمس نساء في العالم للتنافس على جائزة “سيمون دوبوفوار” التي تمنح للنساء اللواتي لهن إسهامات في تحرير المرأة، وكان الإختيار للسلامي من مجلة “المنيتور” الفرنسية في مارس 2007.
منحها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وسام جوقة الشرف بمرتبة ضابط، وذلك تقديرا لأعمالها السينمائية والكتابية ذات الطابع الإجتماعي والإنساني ولدورها في تعزيز العلاقات اليمنية الفرنسية، وتعتبر خديجة السلامي أول مخرجة للأفلام السينمائية في اليمن، وفازت بالعديد من الجوائز في المهرجانات السينمائية العالمية.
درست خديجة السلامي (مواليد 1966) الإخراج السينمائي، في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس والجامعة الأمريكية في العاصمة الأمريكية واشنطن، وعند عودتها، عملت في التلفزيون اليمني ودخلت إلى العمل في السلك الدبلوماسي الذي ذهب بها إلى باريس للعمل في السفارة اليمنية كمديرة لمركز الإعلام اليمني.
وكانت المخرجة اليمنية الوحيدة أنجزت عددا من الأفلام الملتزمة بشأن المرأة في بلدها، أولها “نساء اليمن” الفيلم الذي أعدته للتخرج في 1990، وتشمل الأفلام الوثائقية التي أخرجتها خديجة من مقر عملها في باريس، فيلم «أرض سبأ» (1997)، «اليمن ذو الألف وجه» (2000) و«غريبة في موطنها» (2005)، الذي افتتح المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان في جنيف، والذي فازت عنه بست جوائز في المهرجان ذاته، و«أمينة”(2006)، “الصرخة” (2011) وأخيرا فيلمها “قتلها تذكرة للجنة”.
إستطاعت خديجة السلامي، أن تواجه لعنة الطابو برسمها لصورة عن حكاية المرأة اليمنية اليومية مع تقاليد المنطقة من خلال الوثائقي «غريبة في موطنها» الذي أنجزته لمناقشة ظاهرة الحجاب ببلد معروف بأعرافه العتيقة، وهو عمل يتأسس على قصة طفلة صغيرة من صنعاء القديمة بعمر 13عاماً تدعى نجمية.. طفلة ضاحكة، ونظرتها للحياة فيها الكثير من الأسئلة المؤرقة، الكل بالمدينة يعرفها والكثير ينظرون إليها كطفلة مشاغبة ومزعجة للمحيط الذي تتواجد فيه، نجمية رفضت أن تتبع تقاليد باقي النساء اليمنيات المجبرات على التحجب، إنها تجسد ذلك التحدي في وجه التقاليد المغروسة في التربة كان من طبعها رفض كل الممارسات السلبية التي تحد من لهوها مع أقرانها الأطفال، ويتتبع الفيلم بعدسته تحركات الطفلة، وممارساتها العفوية، واضعاً المشاهد أمام صورة من التحدى الفريد الذي تجادل عبر محطاته هذه الطفلة، وتنتقد أفكارهم مدافعة عن حقوقها الإنسانية.
يروي حكاية هذه الطفلة، التي تحب أن تعيش حياتها ولأنها أنثى، يضغط عليها المجتمع لأنها لا يمكن أن تلعب مع الأولاد أو تخرج بدون حجاب، هذا العمل الفني يفتح بالفعل نقاشا واسعا بواقع المرأة المكرهة على الخضوع لسلطة التقاليد وممارسة سلوكيات متحجرة لا تتناسب مع منطق الحداثة وحقوق النساء.
أكيد تظل المخرجة خديجة السلامي كأولى النساء اللواتي وظفن الفن والوثائقي خاصة، من أجل فضح محيط إجتماعي متسلط بدولة اليمن، أما نجمية، فتمثل صرخة جزء من المجتمع اليمني ضد واقع متعفن مازالت المرأة والأطفال يؤدون ثمنه في زمن يجب فيه الكل أن يساهم في العطاء على كل المستويات.
و للأسف، الطفلة نجمية كانت وما زالت ضحية هذا الواقع العربي المر، فبعد سبعة أشهر من مشاركتها في إنجاز الوثائقي منعها أبوها من دخول المدرسة وفرض عليها الحجاب، تلك كانت نهاية وثائقي خديجة السلامي، لكن ليس نهاية لكفاح المرأة العربية.
وتعتمد خديجة السلامي في فيلمها الثاني، على موضوع يساوي أهمية موضوع فيلمها الأول الذي دار على خلفية دور المرأة في الإنتخابات في “أمينة”، تتحدّث عن السجنين الصغير والكبير الذي تعيشهما المرأة اليمنية والمرأة في العديد من الدول العربية.
فيلم وثائقي مؤثر حول أم شابة إسمها أمينة، محكوم عليها بالإعدام بعد إدانتها بقتل زوجها، حين بدأت المخرجة اليمنية خديجة السلامي تصوير هذا الفيلم قيل لها إنها لن تستطيع التصوير داخل سجن النساء، لكنها استطاعت رغم ذلك أن تمضي وقتاً طويلاً هناك قابلت خلاله أمينة، التي تدعي البراءة وصوّرت حياتها اليومية، وتدريجياً تحول الفيلم من الحديث عن وضع أمينة فقط، ليتحدث عن وضع نساء أخريات كثيرات في السجن. إنه إطلالة جريئة على مجتمع ذكوري كثيراً ما يسيء معاملة المرأة.
ورصدت السلامي في “الصرخة” ما آلت إله أحوال ثلاث نساء يمنيات شاركن في الثورة، وكيف انقلبت الأحلام إلى كوابيس نتيجة ركوب الحركات الإسلامية الأصولية على هذه الثورة ومحاولة تحويل مسارها لخدمة أهدافهم، تقول عنه: “بداية، هن خمس نساء تعرفت إليهن من خلال نشاطاتهن في الساحة السياسية في خضم أحداث الثورة، وجذبتني إلى صرختهن وصوتهن العالي الذي تجاوز صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، كلها ليقف أمام عصر جديد وولادة جديدة لنساء يمنيات يرفضن القهر والظلم والإستبداد، وهناك كثير من النماذج التي صادفتها لم أستطع تسليط الضوء عليهن من خلال الفيلم، لكنني أشرت لهن من خلال هذه النماذج النسائية”.
وتضيف: “المساواة والتغيير والديمقراطية هي القاسم المشترك بينهن، فبعد أن نالت توكل كرمان جائزة نوبل للسلام عام 2011 في باريس، إغتنمت فرصة وجودها هناك كوني أقيم في فرنسا، والتقيت بها ووافقت على المشاركة، ثم برز إسم آخر في الفيلم هي الناشطة بلقيس اللهبي، التي كانت أول من أرسل الرسائل الإلكترونية إلى اليمنيين عبر الفايسبوك ومواقع أخرى، وأول من خرجت في بداية الأحداث والإضطرابات السياسية في اليمن، وقبلها كانت في تونس تواكب أحداث الثورة التونسية ثم عادت ورجعت متحمسة إلى اليمن ورغبتها الأولى المشاركة بثورة بلادها، وشخصية نسائية أخرى هي الصحفية رحمة هجيرا، ناشطة في حقوق الإنسان كانت مع التغيير، لكنها ليست مع الثورة التي اشتعلت في اليمن”. وتتناول السلامي في آخر أفلامها “قتلها تذكرة للجنة”، قضية كاتبة هي بشرى المقطري ومقالها الشهير “سنة أولى ثورة” الذي كُفّرت بسببه، وأصبحت تلعن على المنابر والمساجد ومواقع الإنترنت والتواصل الإجتماعي، وصولاً إلى صدور فتوى ضدها وقّع عليها 70 فقيهاً، وقد أطلقت المظاهرات التي جاءت إستجابة للدعوات التحريضية ضدها وهي تهتف تحت بيتها “لا إله إلا الله بشرى عدوة الله”.
سجل كتاب خديجة السلامي “دموع سبأ” والذي صدر بالإنكليزية وترجم إلى عدة لغات عالمية مبيعات كبيرة، لاقى باللغة الفرنسية إقبالا كبيرا من قبل الفرنسيين خلال الأسبوع الأول من صدوره.