من أشد ويلات الهياج السياسي والأمني الذي يتنامى في منطقتنا العربية، حالة القهر والإذلال التي تعيشها النساء والفتيات . ففي العراق أكثر من 20% من النساء أرامل، فقدن أزواجهن جراء حروب الاستبداد ومظالم الغزو الخارجي، ومن جراء الاقتتال البشع بين المجموعات العراقية - وعلى وجهٍ أدق بين المسلمين هناك - وأصبحن بين ليلةٍ وضحاها مسؤولات عن إعالة الأطفال . وفي سوريا فاقت مآسي النساء كل تصور، فكأن الفقر والظلم والقمع السابق لم تكن لتكفيهن، حتى جاءتنا البِدَعُ الغريبة العجيبة الصادرة عن مجرمين يختبئون تحت عباءة التقوى الناصعة . وفي فلسطين الجريحة، تستفيق النساء في كل يوم على ويلات جديدة جراء جرائم الاحتلال "الإسرائيلي" . وفي المجتمعات الأخرى قد لا يكون وضع النساء أفضل، أو أقلهُ، ليس بأحسن حالاً .
وفي السجون والمعتقلات تعاني النساء مظالم واسعة، فلا يوجد احترام لخصوصية المرأة الأنثوية، ولا تُعامل برأفة . وفي ساحات الفوضى والاقتتال تستخدمُ سلعة لتبادل الخدمات والمخطوفين، وتحتجز حرية الكثيرات من النساء بهدف تهديد أزواجهن .
ولعل أشد المظالم قسوة على النساء تلك التي يتم فيها استخدام جسد المرأة لمفاسد جنسية، أو شهوانية، بعيداً كل البُعد عن تعاليم الديانات السماوية، لاسيما الإسلام الذي كرم المرأة، وأوصى بالحفاظ على جسدها وكرامتها ومكانتها في المجتمع . والرسول عليه الصلاة والسلام خص النساء غير المُسلمات وأوصى باحترامهن . وكُرمى لهن كرّم جماعتهن، وناشد لهذه الجماعة السلام، مثال ذلك قول رسول الله "أوصيكم بالقُبط فمنهم هاجرة أم إسماعيل أبي العرب المُستعربة، ومنهم مارية أم إبراهيم ( ابن الرسول )" .
الاتفاقية الدولية لمنع كل أشكال التمييز ضد المرأة للعام ،1979 تحدثت عن حق المرأة في العيش بكرامة، وحقها في العمل والعلم وتأسيس الأسرة وتربية الأبناء، وأكدت واجب السلطات حماية النساء من كل أشكال العنف الجسدي، وأعطت لهن حرية ممارسة العمل الوظيفي والسياسي والمشاركة في كل أنشطة المجتمع .
لقد أثارت بعض الممارسات التي حصلت ضد المرأة في سوريا جدالاً واسعاً في الأوساط النسائية، وفي أروقةِ المنظمات التي تهتم بالدفاع عن حقوق النساء، وتناقلت وسائل الإعلام صوراً مأساوية عن ارتكابات شنيعة ضدهن، قام بها موالون للنظام وبعض المنظمات الإسلامية المتطرفة، وتُشير الإحصاءات ومراكز حقوق الإنسان إلى وجود آلاف النساء اللواتي تعرضن للاعتقال وللاغتصاب، وليست حادثة اختفاء المحامية المناضلة رزان زيتونة في 10/12/2013 قرب دمشق، إلا نموذجاً عن هذه الانتهاكات .
وتعرضت المرأة في سوريا إلى تشويه واسع طال سمعتها . وما الحديث عما يسمى عند التكفيريين "جهاد النكاح" إلا جريمة تضاف إلى سجل التجاوزات، وينطبق الأمر كذلك على الادعاءات الكاذبة والمُضللة عن وجود "حوريات في الجنة" تنتظرُ الانتحاريين، كأنما الجنة التي أرادها الله مكاناً مُقدساً للمؤمنين، تفوح بالتقوى والإيمان والرضى والتسليم والرخاء والحرية هي في نظر الضالّين الجُدد مكان لممارسة الفحشاء والفجور، وكأنما المرأة التي هي نصفُ المجتمع وعِماده، يقتصر دورها عند هؤلاء المُنحرفين على كونها وسيلةً للهو والبغاء .
مناسبة الحديث عن هذا الموضوع عيد المرأة وعيد الأم، هو الشعور بالدهشة من ممارسات لا ترقى إلى الحضارة والإنسانية بشيء، وهي بعيدةٌ عن تعاليم الإسلام الراقية السمحاء التي خص المرأة بها، بصرف النظر عن شكليات بعض الطقوس الناجمة عن رغبة استقوائية متوحشة، أو عن عُقدٍ نفسية متراكمة، عند بعض الذين تخرجوا في أروقة الفوضى والانحلال "عَنيت بهم الوافدين من بعض الدول الأجنبية"، والذين مارسوا الفحشاء التي تتنافى مع تعاليم الإسلام إلى حدودٍ بعيدة .
في 23/2/2014 انتحرت الطالبة الجامعية السورية فاطمة العبدالله العبو، قبل أن تنال الإجازة في الأدب الإنجليزي، وشرِبت السُم في قريتها "السلحبية" غربي الرقة، لأن والدها طلب منها الزواج من مهاجر تونسي عضو في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" . والأب كان خائفاً من هؤلاء، والابنة خافت على والدها من انتقام "داعش" إذا ما رفض الطلب، ففضّلت الانتحار، رغم أنها تنتمي إلى قبيلة "العُجيل" العريقة في تلك المنطقة .
وفي 26-2-2014 اعلنت "داعش" عن فرض الجزية على المسيحيين في الرقة، ومنعت نساءهم من ارتداء الملابس العادية، أو أن يتجولن من دون النقاب .
وفي 4-3-2014 اعتقلت "داعش" عشر فتيات من مدرستهن في الرقة، لأنهن وضعن "بكلة" على الشعر، أو لأن البعض منهن ظهرت حواجبهن من تحت الحجاب، برغم أنهن مؤمنات، ويمارسن الشعائر الدينية الإسلامية .
تجاوزات المنحرفين الجُدد باسم الإسلام فاقت كل الحدود، والمرأة العربية أول مَن يدفع الثمن . فهل حان وقت القول جهاراً: كفى أيها المستبدون والظالمون، فظلمُ المرأة ظلامٌ كالح .