يتساءل اللبنانيون عن كم من امراة سوف تقتل قبل أن تقبل القوى الدينية في البلاد بالموافقة على قانون "حماية النساء من العنف الأسري" الذي دفع التأخير المتواصل إقراره في البرلمان آلاف المواطنين للخروج إلى الشارع، تعبيرا عن امتعاضهم من إصرار بعض القوى الدينية الاسلامية المحافظة على رفض هذا القانون لأنه "يسبب تفكيك الأسرة على الطريقة الغربية كما تقول المرجعية السنية على سبيل المثال.
ويعيق نفوذ المرجعيات الطائفية كل تغيير جذري بشأن ما يتعلق بالأحوال الشخصية التي تتبع قانونا للطوائف، رغم أن لبنان الذي يشتهر بنواديه الليلية ومحاله التجارية الأنيقة ومعاييرة الاجتماعية المتحررة، يوفر للنساء حريات غير موجودة في العديد من الدول العربية لكن منظمي التظاهرة أكدوا أن امرأة تقتل كل شهر جراء العنف الأسري، في البلد الذي يبلغ تعداد سكانه أربعة ملايين نسمة.
وفي اليوم العالمي للمرأة، خرج آلاف اللبنانيين إلى شوارع بيروت، مطالبين الساسة بالتصديق على أول قانون لبناني للعنف الأسري في احتجاج غير حزبي نادرا ما يحصل في لبنان ذي المناخ المسيس بدرجة كبيرة، وبوقف القتل المتزايد للنساء.
وكشفت التظاهرة التي نظمتها جمعية "كفى عنف واستغلال" النسائية عن انقسام اللبنانيين الى موقفين أساسيين في رؤيتهم لحقوق المرأة في بلادهم.
ويقول محللون إن التظاهرة كانت بمثابة صرخة أطلقتها نساء لبنان ضد موجة العنف بحقهن. وهي موجة تزداد ارتفاعا يوما بعد يوم لـ"تلتهم" مزيدا من الضحايا اللواتي يسقطن بـ"دم بارد"، وسط غياب التشريع الرادع وتساهل مع "الوحش" الذي إما يبقى حرّا رغم ارتكابه للجريمة او يتم إخلاء سبيله وفق تقارير طبية "تغسل يديه" من دم شريكة حياته بعد ان يكون قد ضربها حتى الموت.
واستغل منظمو التظاهرة غضبا شعبيا بسبب وفاة لبنانيتين في حالتين يشتبه بأنهما جراء العنف الأسري مستا وترا حساسا في البلد الذي أصبح الكثير من سكانه، ليصعدوا ضد رفض تحسين قوانين حماية المرأة من العنف الذكوري.
وفي فبراير/شباط، قتلت منال عاصي وكريستال أبو شقرا في أحدث جريمتين نتجتا عن العنف الاسري في لبنان.
وكان مقتل رولا يعقوب العام 2013 التي قالت عائلتها أن زوجها ضربها حتى الموت أمام أطفالها هو ما اعاد القضية إلى الواجهة.
واقترحت جمعية "كفى" قانون "حماية النساء من العنف الأسري" لأول مرة في 2007 لوضع عقوبات للعنف الأسري ووضع قوانين للحماية.
وأدى مشروع القرار إلى الاستقطاب بين الساسة وعدله البرلمان بعد ضغط من المؤسسة الدينية القوية في لبنان لكن لم يتم التصديق عليه رغم هذا التعديل.
وقالت ستريدا جعجع وهي مشرعة مسيحية وواحدة من بين أربع نساء في البرلمان المؤلف من 128 عضوا أنها تريد تخفيف بعض التعديلات ليركز مشروع القانون على المرأة وتجريم الاغتصاب الزوجي.
وأضافت أن معظم المتضررين من العنف الأسري نساء وليسوا رجالا أو أطفالا وتابعت أنه من غير المسموح به أن تتعرض النساء في 2014 إلى العنف.
وردّد المتظاهرون شعارات أمام وزارة العدل اللبنانية بأن الشعب يريد تمرير القانون، حاملين لافتات "انا ما متت بس غيري كتار ماتوا"، و"زمن الذكورية انتهى.. بأي".
وأدانوا تأخير تمرير قانون العنف الأسري لمدة سبعة أشهر، والذي تم تعليقه بسبب خلافات سياسية.
واكد المتظاهرون على انهم يريدون قانونا يدين العنف الأسري بوصفه عنفا لا يقف عند باب "المنزل الزوجي"، بل هو عنف يؤسس للعنف المجتمعي.
ويعتبر هؤلاء أن من "يضرب زوجته أمام أولاده يخلق جيلا متعايشا مع العنف وممارسا له في حياته العامة والخاصة، أي جيلا مجرما".
ويقول مراقبون إن الشارع اللبناني لم يشهد هذا الحشد وراء حراك قانوني مدني، كما حصل في ذلك اليوم، إذ ترك المتظاهرون طوائفهم وميولاتهم الحزبية وخرجوا وراء قضية تشكل هما اجتماعيا ساهمت دماء النساء ضحايا العنف الاسري.
ويؤكد الكثير من اللبنانيين أن بلدهم ورغم ورغم اعتباره مجتمعا ليبراليا الى حدّ بعيد في المنطقة العربية على مستوى التقاليد والأداء الاجتماعي، فان العديد من قوانينه تحتاج الى تحديث.
وفي العام 2010 اقرت الحكومة اللبنانية مشروع قانون ضد "العنف الاسري" يهدف إلى حماية النساء من الاعتداءات، لكن تم تعليقه في ادراج مجلس النواب بسبب رفض المرجعيات السنية والشيعية.
وأعربت "دار الفتوى" التي تعتبر المرجعية الأعلى للسنة في لبنان، معارضتها لمشروع قانون يرمي الى حماية النساء من العنف الاسري معتبرة انه يسبب تفكيك الأسرة كما في الغرب.
وأصدرت "دار الفتوى" بيانا من 16 نقطة يقول إن "مشروع القانون يميز ضد الرجال ويعتدي على صلاحيات المحاكم الشرعية ويهدف إلى تدمير الأسرة".
وقالت في بيان اثر اجتماع المفتي محمد رشيد قباني مع خطباء المساجد ان "الإسلام يحرص اشد الحرص على معالجة حالات إيقاع الأذى بالمرأة ولكن بغير استنساخ القوانين الغربية التي تمعن في تفكيك الأسرة في الغرب، وتعالج قضاياها بالطريقة التي تناسب تلك المجتمعات في نظرهم ولا تناسب مجتمعاتنا.
وأوضح أن"الحق الدستوري المضمون للمسلمين في لبنان وفقا للمادة التاسعة من الدستور الموجبة لاحترام نظام الأحوال الشخصية، تتيح حماية المرأة التي تقع ضحية العنف من قبل زوجها، بتدخل الشرطة أمرا إلزاميا في حال قامت المعتدى عليها بالإبلاغ.
اما لدى مراجع الطائفة الشيعية، فلم يصدر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أي بيان تفصيلي عن هذا القانون، إلا انه ووفقا لمصادر من المجلس فإن السنة والشيعة يمثلون موقفا واحدا فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية.
فإذا كان هذا القانون متوافقا مع الشريعة الإسلامية لن يكون هنالك أي بيان رفض له، اما إذا كان العكس فستكون مضطرة الى إصدار بنود أخرى.
وجدد المصدر رفضه للعنف ضد المراة بكل أشكاله، مشددا على ضرورة معالجة هذه المسألة بالطرق الحضارية داخل البيت الزوجي، قبل معالجتها بالطرق القانونية، او من خلال الشرطة.
اما الكنيسة الكاثوليكية فقد أكدت على أن العنف والقسوة الجسدية والنفسية يسببان "إعلان الهجر ويختلف الوضع من خلال النزاع المرفوع أمام المحكمة، فإذا تبين ان القسوة ناتجة من حال مرضية يعاني منها احد الزوجين، فيمكن ان تشكل تصرفاته المعبر عنها بالعنف سببا مبطلا للزواج".
ويذهب التشريع الأرثوذكسي ابعد من التشريع الكاثوليكي ويشدد على معاقبة المعتدي.
وتجيز المادة 47 من قانون الأحوال الشخصية للطائفة الأرثوذكسية الأنطاكية "طلب الهجر في حال وجود خطر على احد الزوجين من الآخر، وفسخ الزواج اذا حاول أحدهما القضاء على حياة الآخر".