لا شك أن الوطن في حاجة إلي جهود كل أبنائه وأطيافه, رجالا ونساء, شيوخا وشبابا, في تكامل وتنسيق, كل يدلي بدلوه ويضرب بسهمه في خدمة الوطن وقضاياه, غير متجاهل أي فريق أو مقلل من جهده وعطائه, مهما كانت درجة هذا الجهد, فالقليل إلي القليل كثير, ولا غني عن طاقة الشباب كما أنه لا غني عن خبرة الشيوخ, ولا غني عن جهود المرأة ومشاركتها الإيجابية كما أنه لا غني عن عطاء الرجل وتفانيه في خدمة وطنه, وقد عرف التاريخ الإسلامي والتاريخ الإنساني شخصيات نسائية كان لها دورها البارز ليس في محيطها الجغرافي أو الزمني فحسب, وإنما كانت ذات تأثير كبير في تاريخ الإنسانية.
فحين يحدثنا القرآن الكريم عن مريم ابنة عمران عليها السلام, أو عن آسية امرأة فرعون, أو عن ملكة سبأ, نجد أننا أمام نساء كان لهن دور بارز في التاريخ الإنساني, وكذلك عندما نقرأ في سير زوجات النبي, صلي الله عليه وسلم, من أمثال السيدة عائشة, رضي الله عنها, والسيدة خديجة, رضي الله عنها, والسيدة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما, أو نقرأ قصص بعض الصحابيات أو التابعيات أو من كان لهن دور عبر الكفاح الوطني في مصر أو غيرها من دول العالم.
ولا شك أننا عندما نتحدث عن فرض الكفاية الوطني وفرض الكفاية المهني فإننا لا يمكن أن نقصر ذلك علي الرجال دون النساء, فدور النساء في العمل الوطني والخيري والتطوعي قد يسبق عمل الرجال, فالطبيبات إلي جانب الأطباء, والمعلمات إلي جانب المعلمين, والمهندسات إلي جانب المهندسين, والفنيات إلي جانب الفنيين يكمل بعضهم بعضا في أداء الرسالة والواجب المهني, إضافة إلي العاملات اللائي يقفن إلي جوار أزواجهن في المصانع والمعامل والحقول, مما يجعلنا نؤكد أن المرأة تسهم إسهاما جيدا في تحقيق فرض الكفاية الوطني والمهني.
ويبقي انتظارنا لمشاركتها الإيجابية في الاستحقاقات الوطنية المقبلة التي يكون في مقدمتها الاستفتاء علي الدستور, ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية بغض النظر عن التقدم أو التأخر في ترتيبها, فبما أن المرأة تمثل نحو نصف المجتمع بنسبة تزيد علي49% من القوة التصويتية, فإن مشاركتها أو صوتها قد يكون حاسما في تصحيح مسيرة الوطن وتمكينه من تجاوز هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها إلي مرحلة الأمن والاستقرار والتقدم والرخاء إن شاء الله.
وكما أن علي المرأة واجبات فإن لها حقوقا أقرها لها الشرع الحنيف, وأقرها لها الدستور والقانون. وسأركز في هذا المقال باعتبار تخصصي علي الجانب الشرعي في معاملة المرأة. فالقرآن الكريم عندما تحدث عن طرفي المعادلة في الجنس البشري وهما الرجل والمرأة, قال سبحانه:يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا, وقال سبحانه: هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها, وقال سبحانه:وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون, فالرجل والمرأة من نفس واحدة في الخلقة, وكل منهما زوج لصاحبه, والفصيح في لغة العرب زوج لا زوجة, فكل من الزوجين مكمل لصاحبه في البناء الإنساني والوطني.
ولم يبخس الإسلام أيا من الطرفين حقه, فقال سبحانه:ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب وقال سبحانه:من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون,وقال سبحانه: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف.
ويقول نبينا, صلي الله عليه وسلم:( من كانت له أنثي فلم يئدها ولم يهنها, ولم يؤثر ولده عليها- يعني الذكور- أدخله الله الجنة). فقد نهي النبي, صلي الله عليه وسلم, عن ما يفعله بعض الناس من إيثار الأبناء علي البنات في المأكل أو المشرب أو الملبس أو المسكن أو المعاملة الكريمة, وعندما كان أحد الناس يجلس إلي جانب النبي, صلي الله عليه وسلم, جاء ابنه فقبله ووضعه علي فخذه, ثم جاءت ابنته فقبلها وجعلها إلي جانبه ولم يضعها علي فخذه, فقال له النبي ما عدلت بينهما.