إذا كنت قد انبهرت بالعنوان وقررت أن تتأكد مما رأته عيناك للوهلة الأولى "فاصبر معايا لأننا أغرقنا الدنيا انبهارا" وإذا كنت قد سعدت "أوى" "وضميرك ارتاح إنك من ضمن الشعب إلى أخذ المرتبة الأولى" وأنت لسة شفت حاجة سيرتنا بقت على كل لسان خلاص".. إن الحقيقة المؤلمة أيما إيلام أن مصر حصلت على المركز الأول فى معاملة النساء "أسوأ" معاملة بحسب الإحصائية التى قامت بها مؤسسة "تومسون رويترز" والتى نشرت فى 12 نوفمبر الماضى، والتى تناقلتها الصحف الإلكترونية الأمريكية والأوروبية المختلفة والتى تضمنت الـ21 دولة عربية أعضاء جامعة الدول العربية + سوريا (المعلقة عضويتها منذ عام 2011).
إننا على ذيل القائمة من حيث الاهتمام بالمرأة فى الوطن العربى وحلت دولة جزر القمر الأولى من حيث إعطاء النساء حقوقهن، وتخصيص ما يقرب من 20% من ميزانية (كل) وزارة للنساء وتعتبر جزر القمر الآن هى المكان الأمثل للنساء العربيات ليعشن فيه!! "انبهرت أنا أوى من الملحوظة"، وتقدمت السعودية وأثنت عليها الدراسة من حيث الاهتمام بالمرأة ومشاكلها، ولقد حللنا أيضا على رأس القائمة فى التحرش بالنساء فى العالم "جمعاء جمعاء".. السؤال الملح الآن: كيف وصل بنا الحال إلى ذلك؟.. كيف يصل الحال بمجتمع 80% من نسائه محجبات بأن يتعرض منهن 72% للتحرش؟، فى حين إن 35% منهن بحسب آخر إحصائية هن من النساء المعيلات..
إن الوضع من التعقيد أن يذهب بالعقل وينفر النفس ويستعصى على القلب.. كيف يمكن أن تكون أمك وأختك وابنتك وقريبتك وزوجتك أكثر نساء العالم تحرشا وصاحبة لقب "الفقر الأنثوى" أى نعم حيث زادت نسبة الفقر بين النساء والفتيات فى مصر مؤخرا.. إضاقة إلى ألقاب مثل متسربة من التعليم ومتزوجة قاصر ومطلقة قاصر وأم قاصر..
يا إلهى.. يا إلهى كيف ستواجه رب كريم مسلم أنت أم مسيحى.. ماذا ستقول لربنا لما يسألك عن المتحرش بها والجاهلة والعاملة فى أدنى المهن والقاصرة التى أوكلتك أمرها فبعتها لمن دفع ثمنا أو لشاب أهوج لا يقيم لقدسية الحياة الزوجية وزنا، وساهمت مع مجتمع أغشاه الجهل وأغرقه حتى أحاطه كإحاطة الذئاب بالحمل الصغير فى كل تلك الجرائم الأخلاقية.. ولما يستنطق رب العباد عباده عن الظلم الذى وقع عليهن فتشهد كل من أولئك النسوة بما عانت وكابدت.. كيف سيكون حال كل من ساهم فى هذا الوضع؟؟..
أرجوك أرجوك سيدى الفاضل لا تقل لى أنك لم تقم بهذا أو ذاك ولم توافق على تلك الأحوال.. إن الساكت عن الحق شيطان أخرس.. ولست فقط ساكتا بل "أنت وارث السكوت وخايف تفرط فيه".
ونبتدى منين الحكاية؟؟.. فى مجتمع يرى أن تنظيم النسل حرام.. وعدم تعليم الفتاة شىء عادى.. مجتمع يرى "خلفة الولد خلف وخلفة البنت تلف"، وبعد ذلك يجعل الفتاة تعمل لتعيل أسرتها والولد "باليومية يوم أه وعشرة لا يعنى حيعمل إيه أكتر من كدة".. فى مجتمع يصر على تزويج الفتاة بعمر الخامسة عشر وتتطلق فى السابعة عشر لتخرج للشارع بلا أى سلاح تواجه به حياتها لا علم ولا دين وثقة فى النفس "وعيل كمان على كتفها".
وحتى نصيغ الحكاية بالأرقام "لنفزع معا من مدى الظلم الواقع على المرأة".. نجد أن الفتيات المتسربات من التعليم فى مصر قد تخطين الـ300 ألف تلميذة.. وإن العاملات فى مهن متدنية منهن "فى البيوت وفى المصانع" لإعالة أسرهم قد بلغت 35% من النساء فى المجتمع المصرى..
وليت الأمر اقتصر على قلة العلم والذى يعنى أن موت الإنسان، فموت فى هذه الحالة أهون من جهله، فالجاهل لا يخرب فقط على نفسه بسوء إدارته لحياته، وإنما أيضا على من حوله.. فما بالك بالأم التى تربى والزوجة التى تقيم بيت مع زوجها.. إنها كارثة محققة..
فالقضاء على أى نهضة وحضارة لأمة لا يتطلب إلا القضاء على أخلاقها "إنما الأمم الاخلاق فإذا هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".. والقضاء على المرأة.. المرأة ليست نصف المجتمع فقط بل هى أيضا من تعد نفسها وتعد النصف الآخر من المجتمع أيضا".. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق" "فينك يا شوقى المدرسة باظت والأعراق تاهت".. إذا فنحن بصدد ليس فقط إهمال المرأة بل القضاء على مجتمع كامل بكل ما تحويه الكلمة من معنى.
وما يزيد الطين بلة وما يجعل المرء يستشعر غصة قى حلقه هو أن مصر أصبحت الدولة الأولى عالميا فى التحرش قبل أفغانستان وقد فازت "عن جدارة الحقيقة" باللقب بعد عدة حوادث تحرش للصحفيات الأجانب إبان المظاهرات التى جرت بعد ثورة 25 يناير، مما دفع المجتمع الدولى "لانتزاع الكأس انتزاعا" من أفغانستان ومنحها لنا.. أضف إلى ذلك أن هذه الظاهرة الجديدة كليا على مجتمعنا انتشرت كالنار فى الهشيم منذ ما يقرب من عشر سنوات مضت.. فكيف واجهناها على مستوى العمل العام وعلى المستوى الأسرى؟؟.. هل اتخذت إجراءات صارمة نتذكرها برعب تجاه المتحرش؟؟ "أنا مش فاكرة أى واقعة حد فاكر".. هل شجعنا النساء على الشكوى وقدرناهن على تحملهن ما لا يطيقن واعترفنا بنقص الوازع الدينى، وأن هذه هى أخلاق الجاهلية الأولى والتى جاء الأنبياء للقضاء عليها وأن عيسى ابن مريم المسيح، عليه السلام، أول ما استنطقه الله، عز وجل، وهو رضيع ليكرم أمه ويرد اعتبارها ويزود عنها ما رماها به الجهلاء، وأن سيدنا النبى، عليه الصلاة والسلام، أكثر وصاياه على النساء وحسن معاملتهن وإكرامهن "وما أكرمهمن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم".. ماذا فعلنا وأين نحن من هؤلاء الذين سبقونا؟؟. لقد عدنا "لعصور الظلام" حيث المجتمع لا يلوم المتحرش ولا يأخد الأمر بجدية والمرأة تلام على لبسها وحجابها وحتى نقابها..
لا يكفى الفتاة سوء المعاملة من ختان وجهل وسوء تربية وعدم وجود وازع دينى بل أيضا نسلبها كرامتها ونخيفها أن تشتكى من أساء إليها.. إنه مجتمع ذكورى يأبى إلا أن يعيش على إطلال الجاهلية البائدة، وكل ذى عقل رشيد منها برئ..
وأعود بكم إلى الدراسة التى قامت بها مؤسسة تومسون رويترز عن وضع النساء المخجل فى مصر، حيث يرى الخبراء الذين قاموا بالدراسة، وعددهم 336 خبيرا قاموا بها فى كل الدول العربية، لرصد التغيرات التى طرأت على المجتمعات العربية منذ "الربيع العربى" وهو الحقيقة "ربيع على الطريقة المصرية كله رمد وتراب ومطر ورطوبة"، حيث يرى هؤلاء الخبراء أن السبب فى وصول مصر للدرك الأسفل من التخلف والإساءة للنساء سببه الأساسى وصول الإسلاميين للحكم مؤخرا وظهورهم الواضح فى الحقبة الأخيرة من عمر المجتمع المصرى..
ولأصدقكم القول لقد "غضبت تماما "من هذة المعلومة.. حتى إننى شككت فى نزاهة البحث والقائمين عليه وقلت فى نفسى "إنهم يعدون ضربة جديدة للإسلام.. فلنأخذ من كل قبيلة رجل ونلبسه القضية حتى يتفرق دم النساء بين القبائل"، وظللت على هذه الحال يوما كاملا كلما اختليت بنفسى وجدتنى حزينة من ربطهم للأحداث بالإسلام.. وأخذتنى العزة بالإثم ولعبت بى الظنون انهم ربما يريدون أن يسوقوا أن الإسلام هو سبب سوء حال النساء.. "طلعت ظنونى صح أمال حيسوقوا لإيه يعنى؟".. ولكن المشكلة أبدا لن تكون فى الإسلام.. إن الإسلام دين يصلح لإصلاح البشرية عن بكرة أبيها فى التو واللحظة، فما يأتى من عند الله لا يملك الإنسان منه شيئا.. لقد أعزنا الله بالإسلام ومن قبله المسيحية واليهودية ومختلف الديانات السماوية نبراسا نمشى فى أنوارهم ليهدونا إلى طريق الله.
إن المشكلة ليست فى الأديان إنما المشكلة فى "الأبدان" التى تطبق الأديان.. وحينما توصلت لتلك الحقيقة التى عمانى عنها شيطان غضبى أدركت أن الدراسة صحيحة تماما وأن ما بها حيادى تماما.. إن الخطأ فى سوء الخطاب الدينى وتركيزه على ما لإيهم وتركه لما يهم حتى إفرز مجتمع يعيش "فى الهايف"، ويحلل الحرام ويقلل عقوبته ويهول الأمور السطحية والأمور ذات اللغط ويقاضى ويحاكم عليها والجهل هو سيد الموقف بلا منازع..
وبدلا من أن نلوم المرأة على لبسها وزينتها ومشيتها.. فلنعلمها أن تحب نفسها بأن نحبها ونحترمها ونثقل عقلها علما ووعيا وأملا.. ونجعل من المرأة فى مجتمعنا ثريا تضىء لنا الطريق كما أضاءته أبدا من قبل..
لقد خلق الله النساء حرات مكرمات ذوات كرامة ومساويات للرجال فى الحقوق والواجبات، وإن كان للرجال قوامة فهى قوامة الإنفاق والقوة والتكريم والإجلال لأمه وزوجته وأخته وابنته ليعينها على ما صعب عليها ويريحها، ويكون نعم العون ويزود عنهن ويجاهد فى سبيل نصرة دينه الذى هو نصر لهن.. وإن النساء على مر الزمان كن مضربا للأمثال ولهن قصور مشيدة فى الجنة لصبرهن على ما لم يطيقه غيرهن، وإن السيدة مريم العذراء خير نساء العالمين لمثل فى الصبر عند الابتلاء وان السيدة خديجة بنت خويلد أول من آمن بالإسلام وبالنبى، صلى الله عليه وسلم، لمثل لما يجب أن تكون عليه المرأة وكيف تجازى بحسن المئاب وكيف يجلها زوجها حتى بعد وفاتها..
إن للرجل لدور ملموس فى حياة كل امرأة فهو أبوها فإن آمن بقدراتها واحتواها كسبها، وإن كان رجلا يعمل "فى حمل الأسمنت" وهو زوجها الذى إن سترها بحبه وأطعمها بتقوى الله حلالا لرعته وهى الراعية فى أحلك الظروف فما بالكم فيمن اتقى وأصلح.. وهو ابنها وأخوها اللذان يراعينها..
فهل من سبيل أن تخرج مصر نهائيا من قائمة الدول المسيئة للنساء سواء حسيا أو معنويا.. هل من سبيل أن تعود مصر منارة العلم ويصير أبناؤها على درجة من الوعى تؤهلهم لأجلال المرأة وإيفائها ما تستحق؟؟
لست أستبعد الأمر مطلقا فمن منا ليس ابنا لأم ترملت على أولادها ومن منا ليس أخا لأخت سهرت الليالى تواسيه فى حزنه وتفرح لفرحه ومن منا ليس زوجا لزوجة حملت همه، وتعبت معه وبذلت الغالى والنفيس من صحتها لأجله ولأجل أولادها.. ومن كان منا بلا امرأة فهو يتيما وحيدا تائها.. فلنعط سيدة القلوب حقها ولنجل كل امرأة فى حياتنا ولنعلم أن المرأة وإن صبرت على الأسى فلإنها لا تعرف إلا الحب عطاء ولو كان مقابل الإساءة..